الوقت- بعد الثورات الشعبية التي شهدتها العديد من دول العالم العربي خلال السنوات الخمس الأخيرة كان من المتوقع أن تستعيد القضية الفلسطينية موقعها الحقيقي في هذه الدول وأن تكون في صدارة المشهد السياسي والثقافي والإعلامي في عموم المنطقة والعالم بإعتبارها القضية المركزية والمصيرية الأولى لجميع الدول العربية والإسلامية على حد سواء. ولكن هذا الأمر لم يحصل لأسباب شتى في مقدمتها تدخل أمريكا وحلفائها الغربيين والإقليميين لحرف تلك الثورات عن أهدافها الحقيقية من جهة، وإشغالها بمشاكل وأزمات داخلية من جهة أخرى.
وبعد فترة قصيرة من إندلاع تلك الثورات برزت العديد من الجماعات الإرهابية والتنظيمات التكفيرية والسلفية المتطرفة وفي مقدمتها تنظيم "داعش" وأخذت تعيث في الأرض فساداً وخراباً وتدميراً من خلال إرتكاب أبشع الجرائم بحق شعوب المنطقة في إطار المشروع الصهيو أمريكي المسمى "الشرق الأوسط الكبير أو الجديد" والرامي إلى تمزيق دول المنطقة ونهب ثرواتها والتحكم بمصيرها ومقدراتها خدمة للكيان الإسرائيلي.
ونتيجة هذه التطورات وغيرها إنحسر التوجه الإقليمي والدولي نحو القضية الفلسطينية سيّما على الصعيد الإعلامي وتمكن الكيان الإسرائيلي من تصعيد هجماته الوحشية ضد الشعب الفلسطيني ومواصلة سياسته الرامية إلى تهويد الأماكن المقدسة خصوصاً القدس الشريف والاستمرار ببناء المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة رغم مخالفتها للقوانين الدولية وإعتراض العديد من المنظمات الحقوقية والإنسانية في العالم.
وبسبب إنشغال الكثير من الدول العربية خصوصاً سوريا والعراق وقوى المقاومة لاسيّما حزب الله بمواجهة الجماعات الإرهابية المدعومة من قبل دول غربية وإقليمية وفي مقدمتها تركيا وقطر والسعودية إستغل الكيان الإسرائيلي هذه الظروف لقمع الإنتفاضة الفلسطينية المتواصلة، في ظل صمت دولي رهيب يهدف إلى حرف الأذهان عن قضية الشعب الفلسطيني وجهاده المشروع لإستعادة حقوقه المغتصبة في الأرض والوطن وفي مقدمتها حق العودة وتشكيل دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
ورغم التقارب الذي حصل مؤخراً بين الفصائل الفلسطينية المؤثرة لاسيّما حركة حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية (فتح) وتوصلها إلى توافقات مهمة بشأن المصالحة الوطنية، لازال الكيان الإسرائيلي يمارس ضغوطه على الفلسطينيين مستغلاً الظروف الإقليمية والدولية وإنشغال شعوب وبلدان المنطقة بمواجهة العصابات الإرهابية والتصدي للتدخلات الخارجية التي تقودها أمريكا في إطار مشروعها الرامي إلى تقسيم الشرق الأوسط وتغيير خارطته السياسية. وساهم هذا الأمر بشكل ملحوظ في إبعاد القضية الفلسطينية عن تصدر المشهد السياسي والأمني في المنطقة والعالم.
ولكن رغم هذه الظروف والدعم الغربي العسكري والسياسي والإعلامي المتواصل الذي يتلقاه الكيان الإسرائيلي لم تتراجع إرادة الشعب الفلسطيني وفصائله المقاومة عن مواصلة النضال، وحظي هذا الشعب المظلوم بدعم الشعوب العربية والإسلامية وسط إنشغال معظم حكومات العالمين العربي والإسلامي بأمور لا علاقة لها بمصالح هذه الشعوب لا من قريب ولا من بعيد.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن العديد من القنوات الفضائية وفي مقدمتها قناة الجزيرة القطرية سعت طيلة السنوات الماضية إلى إبعاد القضية الفلسطينية عن إهتمام الناس في إطار مخطط إعلامي يهدف إلى إشغال العالمين العربي والإسلامي بأمور وقضايا ثانوية، إضافة إلى دعم الكثير من هذه القنوات للحركات الإرهابية بذرائع واهية وعبر أساليب نفسية لا تخفى على الخبير الفطن والمتابع الحاذق للمؤامرات التي تحاك ضد المنطقة وشعوبها وما تهدف إليه من تكريس الإنقسام في صفوف الأمة خدمة للكيان الإسرائيلي وحلفائه الدوليين والإقليميين وفي مقدمتهم أمريكا وبريطانيا وقطر وتركيا والسعودية.
ومن الأساليب الأخرى التي إتبعها الكيان الإسرائيلي لإضعاف القضية الفلسطينية قيامه بعزل فصائل المقاومة في قطاع غزة عن الضفة الغربية التي تقودها السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس والتي لعبت دوراً في شق الصف الفلسطيني وقمع المنتفضين في مدن ومناطق الضفة واستمرارها في مفاوضات التسوية مع الكيان الإسرائيلي رغم معرفتها بعدم إلتزام قادة هذا الكيان بأي إتفاقيات يتم التوصل إليها كما حصل مع إتفاقية أوسلو.
ولا ينبغي أن ننسى الدور الذي لعبه الكيان الإسرائيلي في دعم الجماعات الإرهابية بشتى الوسائل لاسيّما تنظيم "داعش" لإضعاف دول المواجهة وقوى المقاومة خصوصاً سوريا وحزب الله وتشتيت جهودها بعيداً عن نصرة القضية الفلسطينية، ولكنَّ التجارب الماضية أثبتت أن هذه المؤامرات لم ولن تنجح في إقصاء محور المقاومة والدول الداعمة له وفي مقدمتها إيران ولن تمنعها من مواصلة مساعيها لنصرة الشعب الفلسطيني وتمكينه من إستعادة حقوقه المغتصبة إلى جانب سعيها الحثيث لإبقاء القضية الفلسطينية في صدارة القضايا التي تهم العالم الإسلامي رغم المحاولات الغربية بقيادة أمريكا لركنها جانباً لتكون في طي النسيان.