الوقت- فاجأت بنود وشروط الحكومة الأمريكية لبيع مقاتلات F-16 لتركيا مسؤولي هذا البلد وصدمتهم. لأنهم کانوا يتوقعون توقيع آخر الأوراق لهذه الصفقة بعد لقاء وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو مع نظيره الأمريكي أنتوني بلينكن، لتمتلك تركيا 46 طائرة مقاتلة ويتم تحديث المعدات الإلكترونية لمقاتلاتها القديمة من قبل مهندسي شركة لوكهيد مارتن الأمريكية.
لکن وصف العلاقات بين أنقرة وواشنطن من قبل وسائل الإعلام التابعة لحکومة أردوغان وحزب العدالة والتنمية بالمميزة والمزدهرة، لا علاقة له بالواقع.
وحسب محللين ومراقبين سياسيين، فقد تحدثت واشنطن إلى أنقرة باللغة نفسها التي استخدمها أردوغان وفريقه مرات عديدة. وأصبح من الواضح الآن أن حكومة جو بايدن تمارس ضغوطًا على أنقرة، وتبنت مواقف ضد حكومة أردوغان تشبه إلى حد بعيد تكتيكات احتجاز الرهائن وتسجيل النقاط في السياسة الخارجية لفريق أردوغان.
من الحلم لطائرة F-35 إلى الشوق لطائرة F-16
قصة شراء الطائرات المقاتلة من طراز F-16 من أمريكا، هي قصة مريرة للسلطات السياسية والعسكرية التركية، والتي من المحتمل أن تكون غاضبةً منها.
القصة هي أنه قبل 24 عاماً وقبل تأسيس حزب العدالة والتنمية وظهور رجب طيب أردوغان على ساحة السلطة في تركيا، دفع رئيس وزراء تركيا في ذلك الوقت، بولنت أجاويد، مبلغًا كبيرًا من المال للولايات المتحدة ليتم إدراج اسم تركيا في قائمة العديد من الدول المشتركة التي تنتج مقاتلات متقدمة والجيل الخامس من طراز F-35.
وهکذا تم تقديم تركيا، إلى جانب بريطانيا وكندا وهولندا والدنمارك وإيطاليا وأستراليا، كشركة مستثمرة أنتجت أكثر من تسعمئة طائرة من هذة المقاتلة، وكان من المفترض أن تمتلك 48 طائرة من هذا العملاق بقيمة مئة مليون دولار.
بالطبع، تم تقديم الکيان الصهيوني وسنغافورة كشريكين أمنيين أيضًا، وقد تم تصميم برنامج نظام التشغيل العسكري الأكثر تعقيدًا في العالم مع 9 ملايين سطر من التعليمات البرمجية لهذه الطائرة، لتحقيق شهرة وسمعة عالمية من خلال الهبوط والإقلاع العمودي والوظائف المتقدمة في الحرب الإلكترونية.
لكن الأمريكيين أعلنوا بشكل تدريجي طرد تركيا من قائمة المنتجين والمشترين خلال فترة حكم دونالد ترامب. حتى أن الطيارين الأتراك الذين قد أكملوا دورةً تدريبيةً لمدة شهرين في أريزونا واستخدموا طائرتين من طراز F-35 اشترتها تركيا خلال الدورة، عادوا إلى بلادهم وتوقف كل شيء.
والسبب في ذلك هو أن تركيا اشترت نظام صواريخ S-400 من روسيا، ويقال إن رادار S-400 فائق التطور يمكنه بسهولة اصطياد العملاق الأمريكي F-35. وبعد طرد تركيا من هذا المشروع، أعلن مسؤولو أنقرة: "الآن بعد أن لم تعطونا طائرة F-35، على الأقل بيعونا طائرة F-16".
ولكن الآن، هناك عقبات حتى أمام بيع طائرة F-16، كما أن النشاط المكثف لجماعات الضغط الأرمينية واليونانية في الكونغرس الأمريكي، جعل زيارة أكثر من 8 وفود دفاعية وسياسية أمريكية وإنفاق مئات الملايين من الدولارات على جماعات الضغط، تبوء بالفشل. وقبل أيام قليلة، ذهب مولود جاويش أوغلو إلى واشنطن وأعلن أنه سينهي كل شيء في لقاء مع أنتوني بلينكن.
إذا كنتم تريدون F-16، يجب عليكم أولاً
لوّحت وسائل الإعلام التابعة لحزب العدالة والتنمية التركي أن جاويش أوغلو قد أنهى المهمة، وأنه سيتم تسليم المقاتلات إلى تركيا في أقرب وقت ممكن. لكن تصريحات السناتورة الأمريكية جين شاهين أظهرت أن هذا ليس هو الحال في الوقت الحالي، ويجب أن تظل السلطات التركية في حالة صدمة.
کما تحدثت جين شاهين، التي زوجها من أصل لبناني وهي أمريكية، حول قضية تركيا في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، في اجتماع بعنوان "محاربة الهجوم الروسي: أوكرانيا وما بعدها".
جين شاهين وضعت شروطًا لتركيا وأعلنت أن عضوية السويد وفنلندا في الناتو لها أهمية حيوية، ولا يمكن لتركيا امتلاك طائرة F-16 إلا إذا وافقت على عضوية هذين البلدين في حلف الناتو في أقرب وقت ممكن.
في هذا الاجتماع، حيث أجابت وكيلة وزارة الخارجية الأمريکية للشؤون السياسية فيكتوريا نولاند على أسئلة أعضاء مجلس الشيوخ، أعلنت السناتورة الديمقراطية جين شاهين أن تركيا يجب أن توافق على عضوية هذين البلدين في الناتو في أقرب وقت ممكن في برلمانها.
وأضافت شاهين: "السويد مستعدة للعمل بسبب قلق تركيا بشأن عضوية الناتو. لكن يبدو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يستغل هذا الموقف لحزبه ومصالحه الداخلية. وسياسة أردوغان هذه تتعارض مع مصالح الناتو والاتفاقية الأمنية التي تحتاجها الولايات المتحدة لدعم حرب أوكرانيا مع روسيا".
ومن المثير للاهتمام، أن فيكتوريا نولاند، وكيلة وزارة الخارجية الأمريکية للشؤون السياسية، انحازت أيضًا إلى جانب الكونغرس وأكدت أهمية كلام السيناتورة شاهين، وقالت: "لقد وافق جميع حلفاء الناتو، باستثناء المجر وتركيا، على عضوية فنلندا والسويد في الناتو. وأبلغنا حلفاءنا الأتراك بأننا بحاجة إلى دعم الكونغرس لتوفير الدعم الأمني".
ونتيجةً لذلك، فإن موافقة أنقرة علی عضوية السويد وفنلندا في الناتو، تجعل من الممكن النظر في شراء تركيا لطائرة F-16 بنظرة أكثر دفئًا في الكونغرس الأمريكي.
أسباب معارضة تركيا للسويد وفنلندا
إن نظرةً عامةً وموجزةً علی تصريحات الرئيس ووزير الخارجية ووزير الدفاع وغيرهم من المسؤولين الأتراك، تُظهر أن أنقرة ليس لديها أي مشكلة وخلاف خاص مع استكمال عملية عضوية فنلندا في الناتو، وتقديم مشروع القانون إلى البرلمان لتصويت النواب قد تأخر بسبب السويد فقط.
قالت حكومة أردوغان من قبل إن ستوكهولم رفضت تسليم عدد من الشخصيات الرئيسية في شبكة غولن وجماعة حزب العمال الكردستاني الإرهابية إلى أنقرة. لكن في الخطوة التالية، أُعلن أن معارضة انضمام السويد إلى الناتو يعود إلى إهانة القرآن الكريم في العاصمة السويدية.
وتظهر الأدلة الآن أن حزب العدالة والتنمية ينوي استغلال هذه القضية لصالح التنافس الداخلي، ليظهر للمحافظين الإسلاميين أنه يدافع عن الحقوق والقيم الإسلامية، وللقوميين الأتراك أن حكومة أردوغان تقف وحدها أمام العالم كله.
كما أظهرت تصريحات جيفري فليك، سفير الولايات المتحدة في أنقرة، أن أمريكا لديها مطالبات أخرى إضافة إلى قضية السويد وفنلندا في عضوية الناتو.
وأعلن فليك أن "السناتور الأمريكي بوب مينينديز يعارض بيع مقاتلة F-16 لتركيا. لقد عملت مع السيناتور مينينديز في كل من مجلسي النواب والشيوخ، إن لديه مخاوف جدية وقد أعرب عنها بوضوح. إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تدعم بيع طائرات F-16 لتركيا، لكن يجب أن نعرف أن الكونغرس هو هيئة تشريعية وهيئة مستقلة. يجب أن توافق هذه المؤسسة على بيع الأسلحة، ومن دون موافقتها لا يمكن للحكومة اتخاذ أي خطوات".
ثم عارض السفير الأمريكي علانيةً محاولة تركيا تطبيع العلاقات مع سوريا، وأعلن بلغة دبلوماسية أنه من وجهة نظر واشنطن، فإن تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق والهجوم المستمر للجيش التركي على الأكراد المدعومين من الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا، يتعارض مع سياسات الولايات المتحدة.
تظهر مواقف المسؤولين الأمريكيين أنهم يعتزمون إطالة أمد قضية بيع المقاتلات، وربما لا يسمحون لحكومة أردوغان بتحويل إتمام هذا العقد إلى أداة دعائية وانتخابية، ما لم توافق على مطالب أمريكا والناتو مقابل هذا الامتياز المهم.
