الوقت- تمضي الإمارات ومعها دول التطبيع في مسار تطبيع علاقاتها مع إسرائيل من دون الالتفات للتطورات الحاصلة في الساحة الفلسطينية مع وجود حكومة بنيامين نتنياهو المتشددة.
ففي اجتماع وصفه مسؤول أمريكي كبير بأنه "الأكبر" من نوعه منذ عقود، استضافت أبو ظبي "منتدى النقب" الذي شارك فيه نحو 150 مسؤولا من إسرائيل ودول عربية، ويأتي ضمن اتفاقات إبراهام.
حيث عقد نحو 150 مسؤولًا من إسرائيل ومصر والبحرين والإمارات والمغرب اجتماعا في أبو ظبي بحضور الولايات المتحدة استمر يومين في العاصمة الإماراتية أبو ظبي، في إطار الاجتماع الأول لمجموعات عمل منتدى النقب.
ووصف مستشار وزارة الخارجية الأمريكية ديريك شوليت للصحافيين الاجتماع بأنه "الأكبر" من نوعه منذ عقود بين الدولة العبرية ودول عربية، منذ مؤتمر مدريد للسلام عام 1991.
ويقول مسؤولون فلسطينيون إنهم يشعرون بالخيانة من جانب العرب المطبعين لإقامتهم هذا النوع من المنتديات مع إسرائيل من دون المطالبة أولا بإحراز تقدم باتجاه إقامة دولة فلسطينية.
فمن جانبها انتقدت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” لقاءات منتدى النقب ،وقال الناطق باسم حماس حازم قاسم في بيان إن “استمرار عقد اللقاءات التحضيرية لمنتدى النقب التطبيعي، التي كان آخرها في دولة الإمارات بمشاركة إسرائيل ودول من المنطقة، إصرار على خطيئة التطبيع مع الاحتلال”.
وأضاف قاسم إن “هذه اللقاءات التطبيعية تأتي في ظل حكومة الاحتلال الفاشية العنصرية، ما يشجعها على تصعيد عدوانها على الشعب الفلسطيني ومقدساته وأسراه”.
وبدوره قال عضو المكتب السياسي لـ “الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين” (إحدى فصائل منظمة التحرير الفلسطينية) في لبنان، فتحي كليب، إن عقد “منتدى النقب“في هذا التوقيت بالذات يحمل أكثر من معنى، بعد أيام من تشكيل حكومة اليمين المتطرف، وإقرار الكنيست (برلمان الاحتلال) لعدد من القوانين العنصرية، والتي منها تجريم رفع العلم الفلسطيني وسحب الجنسيات”.
واعتبر كليب في حديث ، أنه كان من المفترض أن تواجَه إجراءات الاحتلال “بردة فعل عربية توقف نزعة التطرف والعدوان، وتحمي الأرض الفلسطينية، لا أن تكافأ على مخططاتها ومشاريعها التهويدية والاستعمارية”.
وأضاف إن هذا المنتدى هو “مسعى جديد لتثبيت دعائم الشراكات والتحالفات السياسية والأمنية والاقتصادية والعسكرية مع (اسرائيل) التي يقوم متطرّفوها بممارسة الجرائم اليومية والتنكيل ضد الشعب الفلسطيني”.
وأشار إلى أن “اتفاقات أبراهام (اتفاقات التطبيع بين دول عربية والاحتلال) وعمليات التطبيع مع العدو الاسرائيلي كانت وستبقى خنجراً مسموماً في خاصرة الشعب الفلسطيني، وتؤكد الوقائع كذب وضلال من حاول أن يبرر هذه الاتفاقات”.
ودعا الشعوب العربية والإسلامية ونُخبها إلى “تحمّل مسؤولياتها التاريخيّة بمواصلة نضالها في وجه عمليّات التطبيع.
وبالتفاصيل عن هذا المنتدى أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس الإثنين، أنّ منتدى النقب الذي أطلقت الإدارة الأميركية مبادرته، وعقد أول لقاء له على مستوى وزاري في مارس/ آذار الماضي، هو "عملية جديدة" للتعامل مع النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي.
وحسب محللين وجدوا أن التأمل بحيثيات الخارجية التي أفاض بها برايس ترويجاً للمنتدى وغاياته، تبيّن أنّ هذا الأخير لن يكون في آخر المطاف أكثر من ملهاة أخرى لشراء الوقت، ومحاولة لتمييع الاحتلال الاسرائيلي وتكريس الواقع العنيد على الأرض. فالإدارة ينحصر تركيزها على تعزيز وتوسيع "اتفاقيات أبراهام"بزعم أن ذلك "يصبّ" في دفع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي "نحو السلام".
ورأت بعض التحليلات أن اجتماعات أبوظبي وضعتها الإدارة في إطار مشروع تنموي يشمل "الأمنين الغذائي والمائي، والطاقة، ومجالات الصحة، والسياحة، والتعايش، إضافة إلى الأمن الإقليمي"، وكأن فيه الخلاص. ولتسويقه، يجري تقديمه على أنه "برهان للاهتمام بشعوب المنطقة واحتياجاتها... وبالحياة اليومية للفرد الفلسطيني"، كما قال برايس، وهي معزوفة طالما أكدتها الإدارة للتمويه والخلط المتعسف بين المعيشة والاحتلال، من دون الإشارة إلى الثاني ولو بالتلميح، في محاولة جديدة لقولبة النزاع.
وإذ يسارع المسؤولون إلى القول إنه "لا المنتدى ولا التطبيع بديلان عن السلام"، إلا أن هذا الأخير بقي في المفهوم الأميركي مجرد فكرة هائمة لا ترتبط بصيغة محددة، وعندما يجري ربطها بحل الدولتين، تنأى الإدارة كما نأى غيرها في السابق، عن الالتزام بهذا الحل. والتعليل دائماً أن هذا "أمر متروك للتفاوض" بين الجانبين، وكأن الإدارة غير مدركة لمسيرة مفاوضات أوسلو وألغامها الإسرائيلية.
واللافت في كل هذه التسويغات للمنتدى واجتماعات لجانه الحالية، أنه لا توجد إشارة واحدة إلى الاحتلال، وكأن المشكلة معيشية تتطلب حلولاً لتحسين الأوضاع.
وما يزيد في التمويه والديماغوجية، أنّ هذا الخطاب لا ينفك عن تأكيد حرص الإدارة على "ضمان المساواة بين الفلسطيني والإسرائيلي في التمتع بالحرية، والأمن، والاستقرار، والكرامة"، من دون شرح لكيفية تحقيق المساواة في هذه المجالات بين المحتل والواقع تحت الاحتلال. والخارجية لم تتردد اليوم في القول إن ذلك هو "هدفنا"، من دون أن تربطه بضرورة ترجمة حل الدولتين على الأرض، إذا كانت فعلاً مؤيدة لهذا الحل كما تزعم.
الجديد اليوم أن الإدارة حسمت وأوضحت موقفها. رأت في المنتدى، معطوفاً على التطبيع، "عملية" مفتوحة كما كانت "عملية السلام" التي لم تكن سوى لعبة تدويخ بقيت مستمرّة لثلاثة عقود، بات الجانب الفلسطيني في نهايتها متهماً بالعرقلة، على قدم المساواة مع إسرائيل.
وزارة الخارجية رأت الإثنين في لجوء السلطة الفلسطينية أخيراً إلى المحكمة الجنائية الدولية، خطوة ساهمت في "مفاقمة" الوضع، مع ما يعني ذلك من تفهم لردّ إسرائيل بحجز قسم من الاستحقاقات المالية التي تجمعها من دافع الضرائب الفلسطيني، والمتوجب تسديدها إلى السلطة الفلسطينية. فالقاعدة الأميركية أن الفلسطيني يتمتع، على الورق، بالمساواة مع الإسرائيلي في "الحرية والكرامة و..."، أمّا على أرض الواقع، فالمطلوب منه الامتناع عن أي ردّ، وإلا جرت مساواته مع العنف الإسرائيلي. "العملية" الجديدة تضمن التساوي بين الاثنين.
يذكر أنه تهدف الاجتماعات في الإمارات إلى التمهيد لعقد الاجتماع الثاني لما يعرف بـ”منتدى النقب”، المخطط في المغرب، في آذار/مارس المقبل.