الوقت - تزايدت تحديات الكيان الصهيوني في الداخل والخارج، لدرجة أن سلطات هذا الکيان تعلن صراحةً هذه الأيام عن احتمال انهياره، وتؤكد أن أيام تل أبيب باتت معدودةً، حيث إنها لن تشهد حتى الذكرى الثمانين لتأسيسها.
وفي هذا السياق، اعترف يائير لابيد، رئيس الوزراء المنتهية ولايته في الكيان الصهيوني، في خطاب له بأن هذا الکيان ينهار من الداخل، وأن بنيامين نتنياهو يعتبر أضعف رئيس وزراء في تاريخ "إسرائيل". وحسب لابيد ، فإن الحكومة التي شكلها نتنياهو ليست حكومةً يمينيةً، بل جنونا كاملا.
في الأسابيع الأخيرة، أعرب مسؤولون صهاينة واحد تلو الآخر عن قلقهم من تعيين متطرفين في الحكومة الجديدة. وقال ليبرمان، وزير المالية في الكيان الصهيوني، إن مستقبلاً مظلمًا ينتظر هذا الکيان، وأكد أن تعيين المتطرفين في الحكومة لن ينتج عنه سوى تقسيم الشعب إلى مجموعتين أو أكثر.
إن شعور المسؤولين في تل أبيب بقلق بالغ بشأن مستقبل هذا الکيان، له علاقة بالقضايا الداخلية في الأراضي المحتلة أكثر من ارتباطه بالتطورات الخارجية.
وعلى الرغم من أن أحزاب اليمين المتطرف قد اجتمعت لأول مرة في حكومة تل أبيب، ويبدو أنها وضعت حدًا جزئيًا لعدم الاستقرار السياسي الذي ابتلي به هذا الکيان في السنوات الأخيرة، إلا أن المخاوف بشأن المستقبل تتزايد يومًا بعد يوم.
في السنوات الأخيرة، وخاصةً أثناء رئاسة نتنياهو للوزراء، فرضت الانتخابات المتتالية تكاليف باهظة على الصهاينة. وعبرت وسائل الإعلام الصهيونية، في التقارير التي نشرتها عن الوضع الاقتصادي في الأراضي المحتلة، عن قلقها من انتشار الفقر وتكاليف المعيشة الباهظة.
كما بلغ عدم الاستقرار السياسي والوضع الاقتصادي السيئ، درجةً وصلت فيها ثقة المواطنين الإسرائيليين بالحكومة والبرلمان إلى أقل من 30٪. وعلى الرغم من أن هذه المشاكل قد هدأت الآن إلى حد ما، إلا أن خطر الانهيار من الداخل هو أكبر مصدر قلق لمسؤولي تل أبيب، ويبدو أن الوضع يسير بشكل كارثي بالنسبة للصهاينة.
تعيين المتطرفين في الحكومة
من أهم الأسباب التي دفعت السلطات الإسرائيلية إلى القلق على مستقبلها، صعود نفوذ أحزاب اليمين المتطرف التي ستشكل حكومتها في الأيام المقبلة.
إن أفكار الأحزاب اليمينية المتطرفة، أو "الحريديم"، التي تتطور يوماً بعد يوم في المجتمع، هي بمثابة قنبلة موقوتة ستفجر الأراضي المحتلة، حسب المهاجرين الصهاينة.
ويعتقد الصهاينة أن وجود قادة راديكاليين في السلطة سيؤدي إلى انقسام المجتمع، وهم خائفون من استقطاب المجتمع. کما يحاول المتطرفون نشر أفكارهم ومعتقداتهم بين الصهاينة، والتي تعتبرها سلطات تل أبيب ضد تقاليد ومعتقدات الدين اليهودي.
إن توسيع المستوطنات الصهيونية، وإعفاء الطلاب الحريديم من الخدمة العسكرية، وتخصيص المزيد من الأموال والتسهيلات لليهود الأرثوذكس، وكذلك تشديد قوانين الهجرة وتشدد التزام المهاجرين بالقوانين اليهودية، من أهم مطالب اليمين المتطرف، والتي بدأت موجة معارضتها من الآن.
الخوف من وصول الأحزاب المتطرفة إلى السلطة، وصل إلی درجة دفعت أشخاصًا مثل بيني غانتس، وزير الحرب، الذي يُعتبر أحد مجرمي الحرب في الأراضي المحتلة، للقول إنه سيفعل كل ما في وسعه لمواجهة سياسات الحكومة اليمينية المتطرفة.
القوانين التي يريدها المتطرفون في حكومة تل أبيب، قد تؤدي إلى تصعيد التوترات في الأراضي المحتلة، وخاصةً مع الفصائل الفلسطينية، وهذه القضية ستجعل الأراضي المحتلة أكثر انعدامًا للأمن. مثلما حدث في الأشهر الأخيرة، حيث إنه مع تزايد العمليات الاستشهادية الفلسطينية، أصبح الأمن حلماً للمستوطنين، وهم يخشون حتى السير في شوارع تل أبيب.
اتخذت أحزاب اليمين المتطرف أولى خطواتها المثيرة للجدل. ففي قانون جديد وافق عليه البرلمان الإسرائيلي يوم الاثنين الماضي، يمكن للأشخاص ذوي الإدانات الجنائية أن يكونوا في مجلس الوزراء.
كما منح البرلمان العديد من الصلاحيات لإيتمار بن غفير، كوزير للأمن الداخلي، والذي بسبب آرائه المتطرفة وعدائه الواسع للفلسطينيين، يمكن أن يشعل نار الحرب في الأراضي المحتلة، وبمعنى آخر الإسراع في انهيار الکيان الصهيوني، حسب مسؤوليه.
إن وجود الجماعات الدينية المتطرفة في الحکومة، والتي تسعى إلى تمرير قوانين مواطنة صارمة، أمر غير مفهوم بالنسبة للصهاينة غير المتدينين الذين قبلوا الحياة في الأراضي المحتلة بشرط أن يكونوا علمانيين، ويمكن أن يخلق العديد من التحديات في المجتمع ويؤدي إلی الانهيار العرقي في الأراضي المحتلة.
من ناحية أخرى، فإن سياسات الأحزاب اليمينية المتطرفة في البعد الخارجي تثير قلق الصهاينة أيضًا، ومن خلال تنفيذ برامج مسببة للتوتر، فإن شرعية هذا الکيان على الساحة الدولية ستكون موضع تساؤل.
كما أنه في الأشهر الأخيرة، أظهر صدور قرارات أممية ضد جرائم هذا الکيان وموجة الكراهية العالمية الضخمة ضد الصهاينة خلال مونديال قطر، أن الصهاينة يزدادون عزلةً في العالم يومًا بعد يوم ويفقدون حلفاءهم.
کذلك، فإن اليهود المغتربين ليسوا سعداءً بالمتطرفين، وسوف ينتقدون سياسات الحكومة المتطرفة أكثر من غيرهم، وحتى هذا الموضوع يمكن أن يؤدي إلى انخفاض دعم اللوبي الصهيوني للحكومة اليمينية المتطرفة. لأن الضغط العالمي المتزايد على الكيان الصهيوني، سيضغط على هذا اللوبي القوي لإعادة النظر في سياساته المعلنة.
أزمة واسعة النطاق في صفوف الجيش
القضية المهمة الأخرى هي الأزمات التي نشأت في الجيش الصهيوني في السنوات الأخيرة.
يحتاج الكيان الصهيوني إلى جيش قوي للتعامل مع التحديات الأمنية، لكن هذا الجيش فقد بريقه هذه الأيام ويتعامل مع أزمات عديدة.
وحسب استطلاعات الرأي، فإن ثلث الشباب الإسرائيلي لا يريدون العمل في المؤسسات العسكرية، وهذه معطيات خطيرة بالنسبة للصهاينة. كما أن هروب الجنود من الجيش، إلى جانب الاکتئاب المتزايد وارتفاع معدل الانتحار بين قوات الجيش، دقّ ناقوس الخطر لقادة تل أبيب.
واعترفت وسائل الإعلام الصهيونية مؤخرًا، بأن قرارات كبار المسؤولين العسكريين وجهت ضربةً قاتلةً للعسكريين، وحذرت من خروج ضباط كبار من الجيش وعصيان الجنود علی هيكل القيادة.
حتى أن سلاح الجو الذي تفتخر به سلطات تل أبيب هو في أسوأ حال، والصهاينة قلقون جداً من الهزيمة في حال نشوب حرب مع محور المقاومة. هذا في حين أن محور المقاومة، العدو الأول للکيان الإسرائيلي، يزداد قوةً يومًا بعد يوم، وتشكلت أضلع مقاومة جديدة في المنطقة يمكن لكل منها بمفرده مواجهة الكيان الصهيوني.
والهزائم المتتالية من الفصائل الفلسطينية والردع بين الفلسطينيين يهددان وجود الكيان الصهيوني، وقد فهم قادة تل أبيب هذه القضية جيدًا.
الهجرة العكسية
يمكن رؤية تسارع انهيار الکيان الصهيوني في عملية الهجرة العكسية. وعلى الرغم من أن سلطات تل أبيب تحاول جذب المزيد من اليهود إلى الأراضي المحتلة من خلال خلق حوافز جديدة، إلا أن هذه الإجراءات أدت إلى نتائج عكسية، حيث هاجر مئات الآلاف من الأشخاص من الکيان الإسرائيلي إلى أوروبا وأمريكا في العقد الماضي.
وحسب استطلاعات الرأي، فإن 59٪ من المواطنين الإسرائيليين يفكرون بالهجرة من الأراضي المحتلة، وهذا تهديد خطير لتل أبيب التي فشلت في تلبية رغبات المواطنين.
جاء اليهود إلى الأراضي المحتلة وهم يحلمون بحياة وأمن أفضل، لكن الآن ليس فقط لا يعيشون في وضع اقتصادي جيد، بل بسبب الحروب المتتالية فإنهم أيضًا يرون حياتهم في خطر.
لقد بدأ الصهاينة العلمانيون مؤخرًا عملية الهجرة العكسية على شكل حركة "لنترك هذه الأرض معًا" الجديدة، وهم قلقون من أن الآراء المتطرفة تكتسب قوةً في الأراضي المحتلة.
مسؤولو هذه الحركة يحذرون الصهاينة على الشبكات الافتراضية من الاستيقاظ من سباتهم والخروج قبل فوات الأوان، لأن اليمين المتطرف سيقضي علی جذور هذا الکيان.
وفي مقال نشر في واشنطن بوست، كتب أبراهام بورغ، رئيس الكنيست السابق، أن الكيان الصهيوني على وشك نهاية الحلم الصهيوني ويتجه نحو الدمار، وطلب من الإسرائيليين الحصول على جواز سفر آخر، وأوضح أنه هو نفسه يحمل جواز سفر فرنسيًا.
بالنظر إلى جميع التطورات داخل الأراضي المحتلة، يمكن القول إن التهديد الرئيسي لهذا الکيان يكمن في المجتمع الصهيوني نفسه، ولا يأتي من الخارج.
لقد ادعى نتنياهو وقادة آخرون في تل أبيب مرارًا وتكرارًا، أن إيران وحزب الله يشكلان أكبر تهديد للکيان الصهيوني وينويان تدميره، وبالتالي يريدون زيادة الضغط الدولي على طهران.
لكن الحقيقة هي أن إيران لم تتخذ أي إجراء مباشر ضد الكيان الصهيوني، ولا تری داعياً للتخطيط لانهيار تل أبيب، لأن هذا الکيان نفسه ينهار تدريجياً، والظروف الداخلية في الأراضي المحتلة تظهر هذه الحقيقة جيداً.
كما أكد تامير باردو، الرئيس السابق للموساد، هذه المسألة وقال: "في حين أن هناك الكثير من الحديث عن تهديدات خارجية كبيرة ضد إسرائيل، فإن التهديد الأكبر يتمثل فينا نحن الإسرائيليين. وذلك من خلال ظهور آلية التدمير الذاتي التي بلغت ذروتها في السنوات الأخيرة، وتتطلب منا وقف هذا المسار الكارثي قبل نقطة اللاعودة. لأن إسرائيل تنهار من الداخل".
بدوره قال آري شافيت، المحلل الإعلامي العبري: "لقد اجتزنا نقطة اللاعودة، وإسرائيل تتنفس أنفاسها الأخيرة. طعم الحياة لم يعد فيها، وأدرك الإسرائيليون منذ قدومهم إلى فلسطين أنهم ضحايا كذبة اخترعتها الحركة الصهيونية."
هذا بينما تظهر استطلاعات الرأي أن ثلث الصهاينة يعتقدون أن "إسرائيل" لن ترى السنوات الخمس والعشرين المقبلة، وهذه الفترة الزمنية أقل من هذا بين السلطات، وهم يشككون فيما إذا كانوا سيحتفلون بالذكرى الثمانين لتأسيس الكيان الصهيوني.
وصول الکيان الإسرائيلي إلى نقطة يرى فيها مواطنوه عملية الانهيار، هو نتيجة للسياسات الخاطئة لسلطات تل أبيب، التي لم تختر الطريق الصحيح طوال العقود السبعة الماضية، وأرض فلسطين التي كان من المفترض أن تكون أرض الميعاد لليهود، أصبحت الآن مسلخًا لهم، وباتوا يفضلون الهجرة علی البقاء فيها.