الوقت - يتحدث بنيامين نتنياهو، زعيم حزب الليكود، الذي تم تعيينه لتشكيل الحكومة في الأراضي المحتلة، هذه الأيام عن مساعيه لتعزيز العلاقات مع الدول العربية وانضمامها إلی عملية التطبيع، لكن ما يحدث في العالم العربي مخالف لمزاعم الصهاينة.
كانت السلطات الصهيونية تأمل في أنه مع توقيع اتفاقيات "أبراهام" بين الإمارات والبحرين مع الكيان الصهيوني، لم يعد تطبيع العلاقات أمراً محرماً وأن تسلك المزيد من الدول هذا المسار، لكن بعد أكثر من عامين من هذه الاتفاقيات، لا يوجد بلد على استعداد لقبول هذا العار، وغضب الرأي العام من عملية التطبيع يتزايد يومًا بعد يوم.
وفي هذا الصدد، أعلن آلاف الأشخاص في المغرب والبحرين مرةً أخرى، في الأيام الأخيرة، معارضتهم لتطبيع العلاقات مع تل أبيب، من خلال النزول إلی الشوارع.
ففي الذكرى الثانية لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الرباط وتل أبيب، أكد المغاربة معارضتهم لأي تطبيع وأعلنوا دعمهم للمقاومة الفلسطينية. وردّد المتظاهرون هتافات مؤيدة للمسجد الأقصى، وأكدوا ارتباطهم القوي بالقبلة الأولى للمسلمين.
من ناحية أخرى، نشرت جمعية الوفاق البحرينية أيضًا صورًا لتظاهرات شعبية، ردّد المشاركون فيها شعارات مناهضة لتطبيع العلاقات مع تل أبيب. وخرجت مظاهرات البحرينيين رداً على إقامة احتفالات يهودية "عيد الأنوار"، وزيارة الوفد الصهيوني إلى البحرين، ومعارضة تطبيع العلاقات.
موجة الاحتجاجات بعد المونديال
رغم أنه كانت هناك دائمًا احتجاجات في العالم العربي على عملية التطبيع، إلا أنه بعد الأحداث التي وقعت في مونديال قطر، ازدادت موجة الكراهية العامة ضد الکيان الصهيوني.
في مونديال قطر، كانت موجة المعارضة العالمية لتطبيع العلاقات مع الکيان الصهيوني غير مسبوقة، والرأي العام للمنطقة وحتى المواطنين الغربيين لم يدخروا جهداً لدعم الفلسطينيين، لدرجة أن المواطنين الإسرائيليين الذين سافروا إلى قطر كانوا غاضبين للغاية من الإذلال، كما اعترف مسؤولو الکيان بالعزلة العالمية في هذه البطولة الدولية.
حاول الكيان الصهيوني التخلص من العزلة الإقليمية من خلال عملية التطبيع، لكن النتيجة جاءت معکوسةً حيث أصبح أكثر عزلةً من ذي قبل.
فعلى الرغم من أن المغرب تربطه علاقات دبلوماسية مع تل أبيب، إلا أن لاعبي المنتخب الوطني لهذا البلد كانوا حاملي راية المعارضة لعملية التطبيع ودعم الشعب الفلسطيني المظلوم في المونديال، ولم يتوقفوا عن دعم القضية الفلسطينية حتى آخر يوم، وبعد انتهاء كل مباراة رفعوا العلم الفلسطيني على ملعب كرة القدم، وهو ما لقي ترحيباً واسعاً من قبل وسائل الإعلام والعالم العربي.
لذلك، فإن تكثيف الاحتجاجات ضد تطبيع العلاقات العربية مع محتلي فلسطين، يمكن أن يبطئ هذه العملية بل يخرجها من أجندة قادة التسوية إلى الأبد. لأن أي دولة عربية تريد أن تخطو على هذا الطريق ستواجه احتجاجات شعبية، ولن تكون قادرةً على تحقيق الهدف الذي كانت تسعى إليه من تعزيز العلاقات مع الکيان الإسرائيلي.
طريق ابن سلمان الصعب
محمد بن سلمان، ولي عهد السعودية، الذي يوشك على اعتلاء العرش في هذا البلد ويحاول تقوية أسس عرشه، يكافح أكثر من غيره لتطبيع العلاقات مع الکيان الصهيوني.
يحاول ابن سلمان استكمال عملية التطبيع بأسرع وقت بوساطة الولايات المتحدة، من أجل زيادة عدد حلفائه في المنطقة، لكنه لم ينجح في ذلك حتی الآن.
من خلال تطبيع العلاقات، يحاول ابن سلمان استقطاب رأي اللوبي الصهيوني والتمتع بدعمه في الغرب. حتى أنه أعدّ الاستعدادات لتطبيع العلاقات، وخصّص ما يقرب من ملياري دولار للاستثمار في الأراضي المحتلة، ليُظهر للصهاينة أنه يمكن أن يكون حليفًا جيدًا لهم.
في الأيام الأخيرة، ادعى نتنياهو أن دولةً عربيةً مهمةً ستطبع قريباً علاقاتها مع الکيان، ووفقاً لبعض المصادر، فإن هذا البلد هو السعودية. قناة "يورونيوز" هي التي أكدت هذا الخبر يوم الأحد الماضي، وادعت أن محادثات التطبيع بين السلطات السعودية والصهيونية قد بدأت.
على الرغم من جهود السعوديين والصهاينة لإقامة علاقات سياسية، إلا أن هناك عقبةً كبيرةً في طريق ابن سلمان، وهي الغضب العام والكراهية التي تعارض الانضمام إلى طريق التطبيع.
وأظهرت نتائج استطلاع أجرته مؤسسة واشنطن للدراسات الأمريكية في يوليو 2022، أن 75٪ من السعوديين يعارضون تطبيع العلاقات مع الکيان الصهيوني، ويمكن أن تكون هذه المسألة إشكاليةً بالنسبة إلى ابن سلمان، الذي يحتاج إلى شرعية عامة للوصول إلى العرش.
من ناحية أخرى، يمكن أن تكون الموجة الواسعة من المعارضة الشعبية، فرصةً جيدةً للأمراء السعوديين لمهاجمة ابن سلمان، من خلال رکوب موجة المعارضة.
کذلك، يكافح السعوديون من أجل الاقتراب من الکيان الصهيوني، بينما لم تجلب اتفاقيات أبراهام أي فوائد للإمارات والبحرين، وخاصةً بالنسبة للبحرين التي أرادت استخدام هذا المشروع لتحسين الوضع الحرج لاقتصادها، ولکن لم يقدم الصهاينة أي مساعدة اقتصادية أو استثمار في هذا البلد.
وكانت الفائدة الوحيدة من هذا التطبيع للبحرين والإمارات، هي توقيع اتفاقيات أمنية أحادية الجانب لصالح الصهاينة، ليتمكنوا من خلالها من نشر ضباط الموساد في هذه الدول، والتجسس على دول المنطقة، وسيتكرر نفس المسار للسعودية أيضًا.
ذلك أن الهدف الأساسي للصهاينة منذ البداية کان التسلل إلى الدول العربية والسيطرة على شؤونها السياسية والاقتصادية بأنفسهم، وهم يسعون لإضعاف العرب بدلاً من تقوية هذه الدول.
لأن العرب الأقوياء يشكلون تهديدًا خطيرًا للاحتلال الصهيوني في المنطقة، وعلى قادة التسوية العرب أن يأخذوا في الاعتبار أن العلم الصهيوني له مشروع "من النيل إلى الفرات"، والذي يهدف إلى احتلال الأراضي العربية، وليس تحالفًا استراتيجيًا.
على الرغم من الجهود الشاملة التي يبذلها الصهاينة لدفع عرب التسوية نحو التطبيع، إلا أن معارضة الشعوب الواسعة تمنع تقدم هذا المشروع الخطير. وبعد أحداث المونديال، يحاول العديد من القادة العرب التصرف بحذر لعدم إغضاب الرأي العام. وبالتالي، فإن سلطات تل أبيب، بالتزامن مع الهزائم المتتالية أمام فصائل المقاومة، واجهوا فشلًا ذريعًا في هذا المسار أيضًا، وسيكونون أكثر عزلةً في المنطقة.
