الوقت- اقتحم 249 مستوطنًا صهيونيًا، يوم الخميس الماضي، المسجد الأقصى في القدس الشرقية مع تقييد دخول المصلين المسلمين. وقال مسئول في دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس: "إن 249 مستوطنا هاجموا المسجد الأقصى الذي تحرسه شرطة الاحتلال. جاء ذلك على الرغم من قيام شرطة النظام الصهيوني بفرض قيود على دخول المصلين الفلسطينيين إلى المسجد الأقصى خلال هذه الاعتداءات". وحسب شهود عيان، كان نسيم فطوري، عضو الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي من حزب الليكود اليميني، من بين الذين هاجموا المسجد. كما منعت الشرطة الصهيونية المصلين دون سن الأربعين من دخول المسجد الأقصى للصلاة.
ولقد دعت فصائل يمينية إسرائيلية إلى تصعيد الهجوم على المسجد الأقصى بمناسبة عيد الحانوكة اليهودي الذي بدأ الأحد الماضي ويستمر لمدة أسبوع. وفي غضون ذلك، أعلن "إيتامار بن جوير"، رئيس الحزب العنصري "القوة اليهودية" وأحد الشخصيات اليمينية المتطرفة والأعضاء المثيرين للجدل في حكومة نتنياهو الجديدة، قبل بعض الوقت أنه سيهاجم المسجد الأقصى في القريب العاجل. وعادة ما يزداد عدد اعتداءات الصهاينة على الأماكن المقدسة للمسلمين وحتى المسيحيين خلال الأعياد الدينية اليهودية وتحدث مرتين في الصباح وبعد صلاة الظهر من بوابة الجدار الغربي للمسجد الأقصى المعروف باسم "الحائط الغربي" مع مرافقة شرطة الاحتلال. وفي عام 2008، وعلى الرغم من الإجراءات المتكررة لدائرة الأوقاف الإسلامية في القدس والسلطات الفلسطينية في إدانة الهجوم الصهيوني على المسجد الأقصى، سمحت شرطة الاحتلال بهذه الاعتداءات. هذا بينما يقول الفلسطينيون إن النظام الصهيوني يحاول جاهدا تهويد القدس ومحو هويتها العربية والإسلامية.
تغلغل الصهاينة في القدس المحتلة
كان للنظام الصهيوني غير الشرعي، منذ نشأته، مخططات توسعية، في ظل الدعم الشامل من أمريكا وبعض الدول الغربية، وصمت المؤسسات الدولية وسلبيتها، الأمر الذي تسبب في الأشهر الأخيرة في حدوث توترات أكثر حدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. كما أن وضع آلاف الفلسطينيين الذين يعيشون في القدس من قبل إسرائيل على مر السنين يُظهر النظام ذي الطبقتين الذي أقامه النظام الصهيوني في هذه المدينة. ومن أجل فهم هذا الصراع والتوتر بشكل أفضل، نحتاج إلى فحص جذور مشاكل الفلسطينيين وأفعال الكيان الصهيوني في مدينة القدس، وخاصة المسجد الأقصى. وفي عام 1897، مع تشكيل الحركة الصهيونية، انضم يهود من جميع أنحاء العالم إلى هذه الحركة. واستغل الرأسماليون اليهود ومؤسسو الحركة الصهيونية المشاعر الدينية لليهود لتقوية هذا الارتباط في جبل صهيون بالقرب من القدس من خلال الاستيطان في فلسطين والقدس وإعطائها لونًا دينيًا.
ومع بداية العصر الأسود لوصاية الحكومة البريطانية لمدة 30 عامًا على فلسطين بين عامي 1918 و 1948 (وقت احتلال فلسطين)، تم بناء أول مستوطنة يهودية في القدس في أواخر القرن التاسع عشر على يد "موشيه فونتيفوري"، مليونير يهودي. ولقد استطاع هذا المليونير الصهيوني شراء قطعة أرض ثمينة في القدس من الحكومة العثمانية بحجة بناء مستشفى (كانت فلسطين والقدس جزءًا من العالم العربي وجزءًا من الإمبراطورية العثمانية في ذلك الوقت)، لكن هذه القطعة من الأرض فيما بعد بدلاً من بناء مستشفى، أصبحت أول حي للصهاينة الوافدين حديثًا في القدس. ومن ناحية أخرى، بادر القادة الصهاينة إلى تسريع عملية صهيونية تجاه القدس وفلسطين خلال هذه العقود الثلاثة. ولسنوات عديدة، تمكنوا من توطين المهاجرين اليهود في هذه المناطق المشتراة عن طريق شراء الأراضي الفلسطينية، وخاصة القدس وضواحيها.
وفي عام 1918، بعد عام واحد من إعلان وزير الخارجية البريطاني بلفور، الذي وعد بإقامة دولة يهودية في فلسطين، قدم المهندس الإنجليزي ماكلين خريطة لمدينة القدس لبناء الأحياء الصهيونية بتقسيمها إلى 3 مجالات. وفي هذه الخريطة تم تقسيم القدس إلى القدس الشرقية، والقدس الغربية والمدينة القديمة وبوابات المسجد الأقصى والأماكن التاريخية. وتم استخدام هذه الخريطة لاحقًا كنموذج للحكام الإسرائيليين بعد حرب حزيران / يونيو 1967. وفي كل هذه السنوات، أدار الجنرالات البريطانيون تأسيس الهيكل الجديد للقدس بمساعدة المهندسين البريطانيين
وبالتوازي مع مشاريع البناء في القدس ومناطق فلسطينية أخرى، شجعت الوكالة الصهيونية العالمية، بمساعدة القادة البريطانيين الحاكمين لفلسطين، يهود العالم على الهجرة إلى فلسطين والاستيطان في مدينة القدس من خلال تطبيق سياسات تحفيزية. ومع احتلال فلسطين وإعلان وجود إسرائيل المغتصبة في فلسطين ووقوع الحرب العربية الإسرائيلية الأولى عام 1948، تمكنت جيوش الدول العربية من تحرير الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية التي تضم الحي القديم من نيران الغزاة. وفي ذلك الوقت، كانت القدس مقسمة إلى قسمين، والجزء الغربي احتلته إسرائيل وتسيطر عليه، وأوكل الجزء الشرقي إلى إدارة الأوقاف الأردنية. كان ذلك في الوقت الذي أعلن فيه "دافيد بن غوريون"، أول رئيس وزراء للنظام الصهيوني، في خطاب ألقاه عام 1949 في الذكرى الأولى لاحتلال فلسطين وقيام إسرائيل: "أن القدس الشرقية والغربية جزء لا يتجزأ من إسرائيل. وإسرائيل لا معنى لها دون القدس".
قرارات كانت مجرد سراب
بعد سنوات، وفي عام 1993، وقع ياسر عرفات، زعيم حركة التحرير الفلسطينية، اتفاقية تسمى "اتفاقية أوسلو" مع الكيان الصهيوني، تقضي بموجبها السلطة الفلسطينية، أن أراضي حرب 1967، أي الأراضي التي احتلها النظام، معترف بها. وحرب 1967 التي عرفت بـ "يوم النكسة" كانت بمثابة هزيمة الدول العربية ضد إسرائيل في حرب الأيام الستة، التي احتل خلالها النظام الصهيوني كامل أراضي فلسطين، بما في ذلك صحراء سيناء في مصر ومرتفعات الجولان. ونتيجة لحرب عام 1967، سيطرت إسرائيل على الضفة الغربية وقطاع غزة، التي سبق أن ضمتها الأردن وتديرها مصر. وفي اتفاق أوسلو رفض عرفات مسار المقاومة وقدم تنازلات كثيرة لتل أبيب للاعتراف بالضفة الغربية وقطاع غزة كدولة فلسطينية مقابل النظام الصهيوني. لكن من الناحية العملية، وبعد توقيع الاتفاق، وخاصة بعد اغتيال الموساد لعرفات، انتهك النظام الصهيوني الاتفاق آلاف المرات ولم يكتف بمواصلة عملية الاستيطان في الضفة الغربية، بل وضع غزة أيضًا تحت حصار مكثف، حتى أنها رفضت الاعتراف بدولة مستقلة تسمى فلسطين.
لم تهتم أوسلو بأحكام القدس
بعد حرب 1967 خطط النظام الصهيوني لتقسيم القدس إلى قسمين غربي وشرقي. لأنه في هذه الحرب احتلت القدس الشرقية بالكامل من قبل النظام، ولكن في اتفاقيات أوسلو لم يقبل عرفات هذا المطلب وأعلن: "أن عاصمة الفلسطينيين القدس وعاصمتكم تل أبيب". لكن في النهاية، في هذا الاتفاق، تم تعليق تحديد مكانة القدس واعتمد على رأي الجانب الصهيوني. وفي اتفاقية التسوية المذكورة، لا توجد بنود مفصلة حول قضية المياه، وعودة اللاجئين الفلسطينيين، وقضية القدس والمسجد الأقصى. وتدار القدس حاليا من قبل النظام الصهيوني ومنظمات الحكم الذاتي الخاضعة لسيطرة النظام وضغوطه، وليس للمقاومة أي أساس هناك. ومع سياسة تغيير التركيبة السكانية والجغرافية للقدس، غيّر النظام الصهيوني تمامًا الوجه الديمغرافي للقدس الغربية من خلال طرد الفلسطينيين أولاً أو بقتلهم وتوطين الصهاينة في منازل فلسطينية، وفي الخطوة الثانية قام ببناء مبانٍ جديدة وتغيير اسم الحي والشوارع وأزقة القدس الغربية وقام أيضا بتدمير جميع أعمال هذا الجزء من القدس.
الفلسطينيون ممنوعون من دخول القدس
"إذا كان يسوع قد ولد اليوم في بيت لحم، لكان لديه شهادة ميلاد خضراء." هذا نص تغريدة لمستخدم فلسطيني ينتقد فيها خطة فصل الفلسطينيين عن دخول القدس. وكتب "سالم براهمي" في تغريدة له أثناء تهنئة عيد الميلاد: "لو ولد السيد المسيح عليه السلام اليوم في بيت لحم، لكان لديه شهادة ميلاد خضراء. لأن عيسى عليه السلام يحتاج إلى تصريح عسكري إسرائيلي لزيارة عائلته أو الذهاب إلى القدس". وخلال حرب 1967 واحتلال النظام الصهيوني للقدس، مُنع الفلسطينيون من دخول القدس. وبعد الحرب تم فصل وثيقة هوية الشعب الفلسطيني إلى وثيقتين باللونين الأخضر والأزرق. والبطاقة الزرقاء لأهل القدس. وهذا يعني أن صاحب هذه الوثيقة عربي فلسطيني مقيم إقامة دائمة في القدس ولا يعتبر مواطناً وليس له حقوق المواطنة. ومن ناحية أخرى، إذا أخذ الشخص الذي يحمل البطاقة الزرقاء إقامة في دولة أخرى أو حصل على جواز سفر دولة أخرى وبقي أيضًا خارج فلسطين المحتلة لمدة 7 سنوات، فسيتم أخذ التصريح الأزرق منه.
لكن الشهادة الخضراء تعود إلى الضفة الغربية، والتي تصدرها السلطة الفلسطينية. وفي الوقت الحالي، فإن نقطة الخلاف الرئيسية في قضية دخول الفلسطينيين إلى القدس هي فصل الوثائق، لأنه إذا كان لدى الشخص الفلسطيني جواز سفر أخضر - ينتمي إلى الضفة الغربية - فلا يمكنه دخول القدس. والطريقة الوحيدة للدخول هي الحصول على تصريح أزرق يوضح أن هذا الشخص لديه تصريح إقامة دائمة في القدس. وبالإضافة إلى العوائق القانونية المذكورة أعلاه في طريق دخول الفلسطينيين إلى القدس، نجح النظام الصهيوني في عزل هذه المدينة من خلال بناء جدار بطول 10 أمتار وإقامة عشرات الحواجز. وفي غضون ذلك، لا سيطرة للسلطة الفلسطينية ومحمود عباس على السياسات التنفيذية التي أدت إلى فقدان الإقامة لآلاف الفلسطينيين الذين يعيشون في القدس، ويحاول النظام الصهيوني استخدام الذرائع المختلفة لإنكار هوية الفلسطينيين والأشخاص الذين يعيشون في القدس وطردهم من وطنهم.
هدف تل أبيب، "حصر دخول المسلمين" للمسجد الأقصى
من أهم أسباب الأحداث الأخيرة في القدس إرادة الصهاينة إنهاء مخطط التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى. والحادث الذي وقع قبل ذلك وقع حول مرقد الإبراهيمي في مدينة الخليل. ويحاول النظام الصهيوني حصر دخول المسلمين للمسجد الأقصى في زمان ومكان محددين. (على سبيل المثال، منع المسلمين من دخول حائط الندبة، ومنع المسلمين من دخول المسجد الأقصى في أيام معينة وحتى في ساعات مختلفة، ودخول المسلمين ومغادرتهم بناءً على قوائم زمنية من قبل النظام المحتل) وإذا كانت ملكية المسجد تعود فعليًا إلى المسلمين، لكن لا يحق للمؤسسات الإسلامية والفلسطينية أن تقرر في هذا الموضوع. وقد أثارت هذه السياسة غضب جميع الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية وغزة والأراضي المحتلة وداخل القدس.
حتى الآن، أظهرت الفصائل الفلسطينية مقاومة شرسة لموقفها حتى إنهم يحاولون بكل وسيلة إحباط خطط إسرائيل في هذا المجال، لأن الخطوة التالية لهذا النظام في رأيهم ستكون الانسحاب الكامل للمسلمين والسيطرة الكاملة للصهاينة على المسجد الأقصى.