الوقت- في الوقت الذي لم يجد فيه الإسرائيليون مكاناً لهم بين مشجعي العالم في مونديال قطر وبالأخص بين العرب الذين أثبتوا أنّهم كانوا وما زالوا متمسّكين بقضية فلسطين الأشهر عالميّاً نتيجة الظلم الذي يحل بهذا الشعب، رُفع العلم الفلسطينيّ مرة أخرى من قبل الجماهير خلال المباراة النهائية لكأس العالم قطر 2022 في ملعب لوسيل بالعاصمة القطريّة الدوحة، في صفعة حتى الرمق الأخير لكيان الاحتلال الذي أصابه اختلال من ردود أفعال المشجعين داخل وخارج الملاعب، وقد مثلت الصور الأخيرة للمونديال صفعة قوّية لتل أبيب ولأنطمة الخيانة الحكوميّة في العالم العربيّ، الشيء الذي دفع الإسرائيليين المصدومين من نظرة العرب –كل العرب- لاحتلالهم الجاثم على قلوب عدّة شعوب عربيّة وبالأخص الفلسطينيين، لأن يفكروا بطرق لمحاولة محاربة الفريق المغربيّ من ناحية، مروراً بإصدار ترهات إعلاميّة واهية عبر مصادر دبلوماسيّة، وليس انتهاء عند الحديث عن خطط لتأسيس قناة إسرائيليّة ناطقة بالعربيّ، للترويج للرواية الصهيونيّة التي لم يعد حتى أولئك الذين جُلبوا من أصقاع الأرض لاحتلال فلسطين يصدقونها.
تأييد حتى الرمق الأخير
خلال المباراة النهائية لكأس العالم 2022، والتي جمعت بين منتخبي الأرجنتين وفرنسا لكرة القدم وانتهت بفوز الفريق الأرجنتينيّ بركلات الجزاء، كان العلم الفلسطينيّ يزين الملعب وينتشر بين أيادي المشجعين من الحاضرين في ملعب لوسيل على نطاق واسع، ما أوصل رسالة جديدة وواضحة للإسرائيليين وهي: "كلنا فلسطين للأبد"، ما أثار حفيظة تل أبيب والإعلام الإسرائيلي وبالتالي الإسرائيليين أجمع، ودفع قيادات الاحتلال للتفكير بما يجِب فعله لتغيير هذا الوضع الخطير، أيْ برودة السلام الشعبيّ، حيث عكست تغطيات وسائل إعلام العدو في قطر والتي تُعتبر مرآةً لصُنّاع القرار الصهاينة، حالة الصدمة في مجتمع الاحتلال والإرباك الشديد في حكومة العدو من "ثمار" اتفاقيات التطبيع البائس.
ردود الأفعال المناصرة لفلسطين السليبة وشعبها الذي يُقتل بكل الوسائل العسكريّة الحديثة، استمرت حتى اللحظة الأخير في المونديال، حيث يكاد العلم الفلسطينيّ يزين أغلب الصور التي تعج بها وسائل التواصل الاجتماعيّ، وقد استغل مشجعو كرة القدم هذه الفرصة لدعم الشعب الفلسطينيّ، وشهد العلم الفلسطيني خلال هذه المنافسات انتشارا واسعا في الملاعب ومدينة الدوحة بأكملها وتردد هتافات تندد بتطبيع العلاقات مع المحتلين، ما أثبت أنّ الغالبية العظمى من المواطنين –إن لم نقل جميعهم- من الدول العربية، وبالأخص من الدول المطبعة مع تل أبيب، هم غير مؤيدين لاتفاقية التطبيع من أنظمتهم ورافضون لأي حوار مع من يحتل أراضيهم ويرتكب أشنع الجنايات بالأبرياء، وقد اعترف سفير كيان الاحتلال الأسبق في مصر، قبل أيام، بأنّ تل أبيب تشهد اتفاقات مشابهة لاتفاق (كامب ديفيد) الذي وقّع مع مصر زمن السادات مع كلٍّ من المغرب والسودان والأردن والإمارات والبحرين، متسائلاً: "أيعقل أن نستمر في الوضع الحالي بعد أقل من 50 عامًا على زيارة السادات، فنقيم علاقات مع الزعماء فقط، أمْ نُغيّر المعادلة!".
وفي ظل الغضب الإسرائيليّ العارم من نتائج التطبيع الهزيلة شعبيّاً على مستوى العالم العربيّ والعالم حتى، قالت الشعوب الحُرة كلمتها عبر رفع العلم الفلسطينيّ في كل أرجاء الملعب، ما أكّد فشل "إسرائيل" التي عوّلت لوقت طويل على فوائد التطبيع مع بعض العواصم العربية لإضفاء صورة وهميّة من السلام على حقيقتها الإجراميّة، إلا أنّها بالفعل تلقت درساً لا مثيل له، وكانت مصدومة بالمواقف الشعبيّة حتى من غير العرب بالمقارنة مع التوقعات التي كانت لدى الصهاينة، حيث علقت جميع الأطراف الإسرائيلية الكثير من الآمال على هذه الاتفاقيات التطبيعيّة ونتائجها في تغيير الواقع البشع والدمويّ للكيان، لكنّ التطبيع وباعتراف العدو وإعلامه انحصر بين حكومات لا أكثر ولم تخترق أبداً المجتمعات العربيّة ولا أصحاب الكلمة الحرة في العالم، والتي تنظر للعدو الإسرائيليّ ببغيضة واشمئزاز، وقد أثبت مونديال قطر تلك الحقيقة الدامغة.
قضيّة فلسطين إلى الواجهة
“مؤخراً، تحدثت حركة المقاومة الإسلاميّة في فلسطين "حماس"، أنّ قطر ساهمت بإعادة قضية فلسطين إلى الواجهة من خلال بطولة كأس العالم لكرة القدم، وأشار المتحدث باسم الحركة، سامي أبو زهري، إلى أن الفائز الحقيقي في مونديال قطر 2022 هي الدوحة، والتي أبهرت العالم بإخراج المونديال بهذا المستوى الرائع، معبرة عن هوية الأمّة وحضارتها تعبيرا أميناً، كما بعث رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس برسالة تهنئة إلى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني، بنجاح البطولة، قائلاً: “مونديال كأس العالم 2022 في قطر جلب الفخر لأرواحنا وأرواح دولنا العربية"، مشيداً بقطر والتنظيم “الحضاري والمنظم والإنساني” للبطولة “بشكل يمثل إضافة تاريخية إلى العديد من الإنجازات التي حققتها قطر، وكذلك الدعم المقدم خلال هذه المناسبة لفلسطين، وتقديم القضية الفلسطينية للعالم بطريقة غير مسبوقة".
بالمقابل، بيّن الناطق باسم “حماس” حازم قاسم، أن تنظيم المونديال هو نجاح كبير لقطر، وقدّم صورة مشرفة للأمة العربية، معبراً عن اعتزاز حماس البالغ بالحضور الرائع للقضية الفلسطينية، باعتبارها قضية قومية وعالمية في المونديال، وتلك التصريحات دقيقة للغاية حيث حضرت القضية الفلسطينية بقوة في أجواء مونديال قطر، ولم تكد تمر مباراة أو حدث أو فعالية تشجيعيّة، إلا وزين العلم الفلسطينيّ كل الشاشات، بما فيها شاشات العدو الغاصب ربما الذي أُجبر على عرض بعض اللقطات أثناء نقله المباريات التي كانت تعج برمز الفلسطينيين، كما نشر الإعلام الإسرائيليّ نفسه، مقاطع فيديو كثيرة أظهرت الرفض العربي القاطع للتحدث لوسائل إعلام العدو التي كانت موجودة في قطر لتغطية فعاليات كأس العالم، في إشارة إلى التأييد الكامل لفلسطين، ومناهضة "التطبيع" مع سفاحي العصر الحديث.
وبالتالي، كانت مواقف الشعوب العربيّة والحرة الرافِضة للتطبيع مع الصهاينة في اللحظات الأخيرة من المونديال كما في اللحظات الأولى، وكانت كلماتهم وأعلام فلسطين بمثابة "رصاصة الرحمة" في صدر العدو ومشاريع التطبيع، حيث أثبتت هذه الشعوب أنّها لا يمكن أن تغير عقيدتها تجاه قاتل الأطفال ومشرد الملايين من العرب، فيما باتت "إسرائيل" –وإن لم تعترف بشكل رسميّ- تدرك أنّ علاقاتها مع أنظمة التطبيع لا ترتبط أبدا مع شعوب تلك الدول، فهم غير معنيون بخيانة حكامهم الخانعين، وجميعنا شاهدنا المغاربة والخليجيين والسودانيين يرفضون بالمطلق الحديث مع الصهاينة فكيف التطبيع معهم، فهم يؤمنون بشدّة أنّ "إسرائيل" لا تعدو عن كونها عدواً كبيراً للمسلمين والعرب والفلسطينيين لأنّها من أكثر الكيانات الاستعماريّة إجراماً في العالم، كما أنهم معتقدون بأنّ خيانة حكوماتهم محض صفقات مذلة معزولة تمت في الظلام، وتم استدراج بلادهم إليها رغم أنفهم، في خيانة حكوميّة تحقق نصراً معنوياً وسياسياً لكيان محتل ظالم، وخذلاناً قاسياً لشعب مظلوم.
خلاصة القول، "إسرائيل" أيضاً كانت حاضرة بقوّة في المونديال، لكن بخيبتها وضعفها وتشتتها بين مؤيدي أصحاب الأرض والمقدسات، لأنّ الأحرار والشعوب العربيّة تدرك بالكامل حجم التكالب على فلسطين والأراضي العربيّة المحتلة (الجولان، جنوب لبنان) من خلال الانجرار نحو اتفاقات العار لتمرير المشاريع التي تهدف إلى تصفيّة قضيّة الشعب الفلسطينيّ والعربيّ، والغوص في مشاريع التفتيت والتقسيم في المنطقة، ما يبرهن مرة أُخرى أنّ الأحرار سيبقون دوماً الصخرة الصلبة في وجه المخططات الصهيونيّة العدوانيّة، ولا ننسى أن قضيّة فلسطين ليست قضية العرب والمسلمين وحدهم، بل كل إنسان حرٍ على هذه الأرض.
