الوقت - في خضم الانتفاضات العربية عام 2011، شهد الأردن، مثل العديد من الدول العربية الأخرى في غرب آسيا وشمال إفريقيا، العديد من المسيرات والتجمعات الاحتجاجية، لكن المغرب، كان قادرًا على إظهار نموذج بعيد عن الحرب الأهلية والصراع.
يمكن تقسيم عناوين الاحتجاجات الأردنية في السنوات الأخيرة إلى عدة فئات: 1- تنفيذ السياسات "الليبرالية الجديدة"، والخصخصة الفاسدة، وإلغاء دعم الخبز والوقود في عدة خطوات، وتحولات واسعة ومثيرة للتوتر في بعض الأحيان في الأنماط والنماذج العمرانية. 2- القانون الانتخابي الإشكالي الذي يجعل طريق الأحزاب وعراً ويسهِّل عملية انتخاب المرشحين العشائريين. 3- الضغوط القانونية وعبر القانونية على الأحزاب الإسلامية والماركسية والقومية. 4- علاقات الحكومة مع الكيان الصهيوني. 5- واستياء الفلسطينيين المقيمين المستمر من التمييز.
في عام 2011، تمكنت الحكومة الأردنية من فتح طريق للحوار بين المتظاهرين والحكومة، من خلال إنشاء منتدى ملكي وإجراء تعديلات صغيرة على الدستور.
من ناحية أخرى، كانت قيادة الاحتجاجات في أيدي الأحزاب التي كانت لا تزال قانونيةً، ولديها تصاريح عمل رغم الضغوط الكبيرة في السنوات السابقة. ولذلك، تمكنوا من تنظيم احتجاجات في الشوارع في إطار التجمعات الحزبية القانونية؛ وبالتالي، أصبحت الاحتجاجات في الأردن أقل عنفًا.
لكن عملية الإصلاح البطيئة، التي اتبعتها الحكومة في عامي 2011 و 2012، توقفت تدريجياً عن التحرك بل انقلبت رأسًا على عقب. في غضون ذلك، ومع جهود الحكومة وراء الكواليس، اشتدت الانقسامات الداخلية للتيار الإسلامي، وحدثت ثلاثة انقسامات مهمة في هيكل جماعة الإخوان المسلمين، حيث أصبحت أهم حركة سياسية معارضة في الأردن أضعف وأضعف.
والآن، في نهاية عام 2022، يمكن القول إنه لم يتلق أي من عناوين الاحتجاجات الأردنية استجابةً مناسبةً؛ لذلك، يمكن أن يوفر كل عنصر من العناصر المذكورة أرضيةً لنهوض جديد.
كما أن التيار الإسلامي منخرط في توترات داخلية شديدة، ويبدو أنه لا يملك القدرة على التنظيم كما كان قبل عشر سنوات. لذلك، يمكن توقع أنه في حال حدوث احتجاج، فسيظل أقل في إطار الاحتجاجات الحزبية المنظمة وأكثر عنفًا.
ربما في المستقبل غير البعيد، ستتم إضافة عنصر جديد إلى هذه الاحتجاجات. رانيا فيصل، ملكة ووالدة ولي عهد الأردن الحالي، هي ابنة رجل أعمال فلسطيني. وإذا أصبح حسين بن عبد الله ملكًا في السنوات المقبلة، فمن المتوقع أن ينضم محتجون من أصول "شرق الأردن" إلى المتظاهرين السابقين؛ متظاهرون قد لا يقبلون لابن فلسطيني أن يحكم أرضهم.
في قضية حمزة بن الحسين، کان يمکن العثور على أثر لعشائر شرق الأردن، وربما كان أحد أسباب ارتباطهم بحمزة، عدم رضاهم عن ولاية الحسين للعهد.
من ناحية أخرى، يمكن أن يشكل هذا العامل أيضًا تهديدًا مهمًا للحكومة الأردنية. إن جزءاً كبيراً من متظاهري الشوارع في الأردن منذ منتصف العقد الأول من القرن الحالي، هم "متقاعدو الجيش الساخطون"، وكان احتجاجهم الرئيسي هو تطبيق الخصخصة في الجيش، وفشل تنظيم الجيش في توفير ظروف تقاعد مناسبة لهم.
وبالنظر إلى حقيقة أن معظم الجنود الأردنيين من شرق الأردن، إذا تداخل اعتراضهم المحتمل على خلافة الحسين مع اعتراضهم على الخصخصة، فسيظهر تهديد خطير للحكومة الأردنية.
التحرکات الاحتجاجية کانت نشطةً في الأيام والأشهر الماضية أيضًا، وتعتبر الاعتقالات المتلاحقة للقوى التابعة لحزب "الشراكة والإنقاذ"(فرع من جماعة الإخوان المسلمين)، من بوادر الأجواء السياسية المتوترة في الأردن.
من جهة أخرى، في صيف 2022، دعت المعارضة الأردنية إلى تجمع احتجاجي يوم 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2022، في إطار مجموعة تسمى "الحراك الأردني الموحد"، وخرجت هذه المسيرة احتجاجاً على سياسات الحكومة، وإحياءً لذكرى التجمعات الشعبية في أكتوبر 2012.
وفي هذا الإطار، شهدت مدن أردنية مختلفة تنظيم هذه المظاهرات غير الكبيرة، وبعدها اعتقل "ثابت عساف" أمين سر "جبهة العمل الإسلامي" لعدة ساعات. ويُظهر هذا الاعتقال القصير أن الحكومة لا تزال تحمِّل التيار الإسلامي، وخاصةً ممثله الرئيسي جبهة العمل الإسلامي، مسؤولية أي حادث احتجاجي.
لكن في أحدث مشهد من سلسلة الاحتجاجات في الأردن، أعلن بشر الخصاونة(رئيس الوزراء الأردني) في 5 ديسمبر/كانون الأول 2022، رداً على إضراب مالكي الشاحنات وسيارات الركاب احتجاجاً على زيادة أسعار الوقود، أن الحكومة لم تعد قادرةً على تقديم دعم للوقود، ويجب تحديد سعر الوقود بالتماشي مع السعر العالمي. وکانت الحكومة الأردنية قد أعلنت الشهر الماضي أنها سترفع أسعار المحروقات مرةً أخری.
هذا الإضراب، الذي بدأ على ما يبدو في 4 ديسمبر/كانون الأول، تجاهله الإعلام الرسمي في بداية الأمر، لكن مع مرور الوقت، امتدّ نطاقه ليشمل معظم المدن في الأردن، فاضطرت وسائل الإعلام أيضًا إلى تغطيته.
حاولت الحكومة إنهاء الإضراب عبر الوعد بتقديم مساعدات مالية للسائقين، وحتى السلطات الأردنية أعلنت يوم الاثنين 12 ديسمبر/كانون الأول أن معظم المضربين قد عادوا إلى العمل.
لكن الإضرابات استمرت في مدن الأردن المهمة، مثل ميناء العقبة الاستراتيجي، وحسب أعضاء غرفة تجارة عمان، فقد تسببت في بقاء جزء كبير من البضائع المستوردة في هذا الميناء، وتعطل الصادرات الأردنية بشكل خطير.
لم تنته هذه الإضرابات رغم جهود الحكومة، وحتى في الأيام التي أعقبت 12 ديسمبر/كانون الأول، اشتبك المتظاهرون وقوات الشرطة في الشوارع.
اشتعلت نيران الصراع في مدن الجنوب، مثل معان والطفيلة والكرك، بشکل أکثر؛ وقتل نائب قائد شرطة معان برصاص "قناص" مساء الخميس 15 كانون الأول. نادرًا ما تؤدي النزاعات في الأردن إلى مقتل عناصر الشرطة، وقد يكون هذا مؤشر على نمط جديد من "الاحتجاج" علی الحكومة في الأردن.
لقد اشتدت حدة الصراع في الجنوب، لدرجة أن السفارة الأمريكية في الأردن حذرت المواطنين الأمريكيين المقيمين في هذا البلد من الذهاب إلى جنوب الأردن.
شهد شمال الأردن أيضاً تطورات يوم الخميس. حيث اعتقل سالم الفلاحات(المراقب العام لحزب الشراكة والإنقاذ) ورفاقه، بعد مشاركتهم في اعتصام احتجاجي في عمان. لم يستمر هذا الاعتقال أكثر من بضع ساعات، ولكن كما قلنا، فهو مؤشر على أن الحكومة الأردنية تعتبر الحركة الإسلامية هي القائد الرئيسي للاحتجاجات والإضرابات.
ومساء الأربعاء الماضي، اعتقل سليمان الجمعاني (رئيس اتحاد النقابات العمالية المستقلة) وسليمان السرياني (رئيس النقابة المستقلة لسائقي العمومي) اللذين دعيا الناس لحضور الاعتصام.
إن مرافقة التيار الإسلامي للإضرابات، والاعتقال المتزامن لقادة النقابات التي تقود الإضراب وقادة الأحزاب الإسلامية، يعزز اعتقادنا بأن للإسلاميين تأثيراً جيداً في العديد من النقابات العمالية.
لإنهاء الإضرابات، وعدت الحكومة بتقديم مساعدات مالية لمدة ثلاثة أشهر يمكن تمديدها. لذا، إذا تم إخماد هذه الموجة الاحتجاجية التي ظهرت في شکل إضراب وطني مؤقتًا، فستکون نارًا تحت الرماد وتشتعل بشرارة واحدة في الأشهر المقبلة.
في الختام، وإلی جانب قضية إضرابات الأسبوعين الماضيين في الأردن، من الجيد التفكير في بعض الفرضيات حول أعمال الشغب التي ترافقت مع الإضرابات.
في هذه الأيام وعندما كان هناك إضراب وأعمال شغب في شوارع الأردن، سافر بشر الخصاونة(رئيس وزراء الأردن) إلى السعودية، واجتمع مع محمد بن سلمان.
في هذا الاجتماع، وكما جرت العادة، تمت مناقشة العلاقات الطيبة بين البلدين. لكن لا يمكن أن ننسى أن العلاقة طويلة الأمد بين هذين البلدين قد تعرضت لأضرار جسيمة وغير مسبوقة.
وکانت هذه الأضرار نتيجة ضغوط السعودية على الأردن لقبول "صفقة القرن"، ودعم السعودية لقضية "حمزة بن الحسين" تحت ستار شخصيات مثل "باسم عوض الله".
الآن أيضًا، مع عودة حكومة نتنياهو في فلسطين المحتلة، ستضغط السعودية بلا شك على الأردن لقبول خطة نتنياهو في الضفة الغربية، كما فعلت في 2017-2020. لذلك، من الممكن أن نضع في اعتبارنا الفرضية القائلة بأن الجزء المشاغب من الاحتجاجات في الأردن هذه الأيام، مدعوم من قبل جهاز المخابرات السعودي.
شوهد في الأيام الماضية وسط الاحتجاجات قيام عدد من "المتظاهرين" بإلقاء الحجارة على حافلة تابعة لجامعة الطفيلة، بسبب اعتقاد المحرضين بأنها خرقت الإضراب في عموم البلاد.
هذا النمط من التعامل مع "غير المنضمين للإضراب"، شاهدناه في أحداث الأشهر القليلة الماضية في إيران أيضًا، وربما يمکن القول إن العقل المدبر لهذه المواجهات هو جهة واحدة، على الرغم من إدراكنا للفارق الكبير بين إيران والأردن.
كل ما قيل عن مجالات الاستياء في الأردن، سوف يقترن بلا شك بضغوط الکيان الصهيوني والسعودية على الأردن من أجل تنفيذ برنامج القضاء علی کل ما هو فلسطيني في الضفة الغربية بجدية أكبر، وبالتالي ينبغي توقع أيام أكثر صعوبةً للحكومة الأردنية.