الوقت - شبح الانفصال يهدد بانفراط العقد الاوروبي، الحكاية بدأت عندما انفصلت
القرم عن اكرانيا، تلتها مطالبة كتالونيا بالانفصال عن اسبانيا، و لحقتها تيرول
المطالبة بالانفصال عن النمسا، و على ما يبدو أن الحكاية ستستمر، فمنذ فوز حزب
المحافظين وزعيمه ديفيد كاميرون في الانتخابات البريطانية، والسؤال يتردّد في
العواصم الأوروبية حول مستقبل علاقة لندن بأوروبا. وتنتظر أوروبا لترى ما إذا كان
كاميرون سيتمكّن من إدارة الاستفتاء حول بقاء أو خروج بريطانيا من الاتحاد، بعد أن
وعد بإجرائه قبل نهاية العام 2017 وبشكل يضمن بقاء بريطانيا فيه. فهل يفعلها ديفيد
كاميرون ويرفع مستوى التحدي مع الأوروبيين و يعلن انفصال بريطانيا عن الاتحاد
الأوروبي؟ و ما هي الأسباب التي تدفع بريطانيا الى الانفصال عن الاتحاد الأوروبي؟
تقف بريطانيا أمام مفترق طرق صعب جداً، وكل شيء وارد في علاقتها مع بروكسل؛ فالتحدي الأوروبي فرض نفسه بقوة على المشهد السياسي البريطاني، خصوصاً بعد فوز حزب المحافظين في الانتخابات البرلمانية وتبنيه قضية الاستفتاء الشعبي المقرر إجراؤه خلال العامين المقبلين حول البقاء في الاتحاد الأوروبي أو الخروج منه. رئيس الوزراء ديفيد كاميرون الذي يتعرض لضغوط كبيرة داخل صفوف حزبه لمغادرة الكتلة الأوروبية، وضع نصب عينيه في الوقت المتاح له قبل موعد الاستفتاء مسألة إقناع الزعماء الأوروبيين بإجراء تعديلات على المعاهدة الأوروبية.
لكن يبدو أن حسابات الحقل البريطاني قد لا تتوافق مع البيدر الأوروبي في ظل «الفيتو» الفرنسي والألماني الرافض لإجراء اي تعديل على اتفاقية لشبونة. كل المؤشرات تدل على أن التوجه العام لدى البريطانيين هو التحرر من القيود الأوروبية المفروضة على «بلاد الضباب»، لكن في الوقت نفسه تبقى الحسابات الاقتصادية والسياسية حاضرة في رجحان الخيار الإنكليزي.
أسباب خروج بريطانيا
أولاً: الهجرة الأوروبية إلى بريطانيا قد تكون أحد أهم أسباب الصراخ البريطاني في وجه بروكسل، فالأرقام الرسمية تتحدث عن تدفق 286 ألف أوروبي إلى سوق العمل البريطاني واستفادتهم من نظام الإعانات الاجتماعية ــ أمر يقلق لندن للغاية. لذا، يسعى كاميرون إلى تعديل القواعد المرتبطة بالهجرة وبالمخصصات التي يفترض أن يحصل عليها المواطنون الأوروبيون في بريطانيا. لكنه يُقابَل برفض أوروبي، لأن بند حرية تنقل الأفراد في الاتفاقية الأوروبية يُعَدّ واحداً من أهم بنود النادي الأوروبي.
غير أن الضجيج والتذمر البريطاني من العمالة الأوروبية يراه آخرون مبالغاً فيه، إذ لفتت دراسة أعدتها جامعة لندن «UCL » إلى أن ضرائب العمال الأوروبيين رفدت الخزينة البريطانية بـ25 مليار جنيه استرليني خلال إحدى عشرة سنة، فضلاً عن أن نحو 45 في المئة من الأوروبيين هم أقل طلباً للاستفادة من الإعانات الاجتماعية من البريطانيين أنفسهم.
ثانياً: الاتحاد الأوروبي، كغيره من المنظمات الأوروبية، يفرض رسوماً على الدول المنضمة إليه، كل بحسب قوة اقتصاده وتعافيه. لكن بريطانيا التي تعتمد سياسة تقشفية بسبب العجز في موازنتها، تتذمر من الرسوم الأوروبية التي تثقل كاهل خزينتها التي يجب عليها دفع نحو 55 مليون جنيه إسترليني يومياً.
ثالثاً: المشككون البريطانيون يرون أن نظام الاتحاد الأوروبي يفتقر إلى الديموقراطية المعمول بها في النظام البريطاني، ويستشهدون بالصلاحيات الواسعة للمفوضية الأوروبية غير المنتخبة التي يحق لها وضع مشاريع قوانين على البرلمان الأوروبي المنتخب مباشرة من الشعوب الأوروبية.
رابعاً: في ظل التحديات الجيوسياسية التي تحيط بدول الاتحاد الأوروبي، تختمر في أذهان قادة الاتحاد فكرة إنشاء قوة عسكرية أوروبية موحدة، وقد عبّر رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، عن ذلك صراحة بداية العام الحالي، ودعا إلى إنشاء جيش مشترك للاتحاد الأوروبي للتصدي لروسيا وغيرها من التهديدات، فضلاً عن استعادة وضع الكتلة في السياسة الخارجية على مستوى العالم. لكن بريطانيا التي تمثل إلى جانب فرنسا أكبر قوتين عسكريتين في الكتلة تشعر بالقلق حيال إعطاء دور عسكري أكبر للاتحاد الأوروبي، خشية أن يقوّض ذلك دور حلف شمال الأطلسي.
خامساً: التحرر من القيود المفروضة على السيادة البريطانية. فخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يحرر الجسم القضائي من أحكام القيود القانونية، ولا سيما المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، بحيث تصبح أحكامها غير ملزمة للمحكمة العليا البريطانية.
سادساً: أزمة اللاجئين التي بدأت تهد كاهل الحكومة البريطانية وتشكل عبئاً كبيراً عليها، حيث حذر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في تصريح لصحيفة "الإندبندنت" من أن أزمة اللاجئين قد تكون سببا أساسياً في انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي بل قد تسرع به، وحذر من أن الهجرة الأوروبية وأزمة اللاجئين قد تدفع بريطانيا صوب باب الخروج من الاتحاد.
اذاً، الوضع في بريطانيا لا يبشر بالخير، وتكمن الخطورة في المسار الذي سيسلكه كاميرون في مقاربة أزمة العلاقة مع أوروبا، فهو في موقف لا يحسد عليه: إما التلاعب بما يراه مصلحة قومية لبريطانيا لإرضاء رغبات صقور حزب المحافظين المشككين بأوروبا، فيُفقد بلاده فرصة حجز مقعد أساسي في بروكسل وتعريض بريطانيا لخسائر اقتصادية فادحة، حيث تشير التوقعات إلى أن الخسائر قد تكون أكبر بالنسبة إلى بريطانيا من خسائر الاتحاد الأوروبي، أو أن يتعرض للإطاحة من صقور حزبه على غرار ما حصل لمصير سلفيه، رئيسي الوزراء مارغريت تاتشر والسير جون ميجور، في حال تبنيه البقاء في النادي الأوروبي. ويبقى السؤال بريطانيا الى أين؟