الوقت - تحولت جزيرة جربة في الجنوب التونسي إلى معزل مغلق أمنيا لحماية الوفود المشاركة في قمة الفرانكفونية. ويراهن النظام على القمة لتقديم صورة نظام منفتح سياسيا ومقبول دوليا على خلاف ما يروج معارضو الانقلاب.
وانطلقت السبت الدورة 18 لقمة الفرنكوفونية وذلك بمشاركة نحو تسعين وفدا و31 من القادة الكبار وعلى جدول أعمالهم التعاون الاقتصادي.
وتنعقد القمة بعدما جرى تأجيلها مرتين بسبب جائحة كورونا كما أُعلن رسمياً، ولكن أيضاً بسبب تردد بعض الدول بشأن عقدها في تونس، نتيجة الأوضاع السياسية التي لقيت انتقادات من عدد من الشخصيات الفاعلة في الفضاء الفرنكوفوني، وهو ما قد يلقي بظلاله على جزء من أعمال هذه الدورة.
وبالتزامن مع القمة، تعيش تونس أزمة سياسية حادة. ومُنع متظاهرون من الوصول إلى جزيرة جربة للاحتجاج على استمرار فقدان مهاجرين غير قانونيين في البحر منذ نهاية أيلول/سبتمبر الفائت وصدتهم قوات الشرطة باستعمال الغاز المسيل للدموع.
وترى المعارضة السياسية في البلاد وفي مقدمها حزب النهضة ذي المرجعية الاسلامية أن ما قام به سعيّد “انقلاب على الثورة”، في حين يؤكد الرئيس أن قراراته “تصحيح لمسار الثورة”.
وسيشكّل انعقاد القمة التي يحضرها كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، “نجاحا” دبلوماسيا للرئيس التونسي قيس سعيّد بعد قرابة 16 شهرا على بدء “احتكاره” السلطات في بلاده.
وتحتفل منظمة الفرنكوفونية التي تضم 88 عضوا بينهم تونس، بالذكرى الخمسين لتأسيسها. وكانت تونس من الدول المؤسسة للمنظمة في العام 1970 إلى جانب السنغال ونيجيريا وكمبوديا.
كما تشارك دول غير منضوية في الفرنكوفونية في إشغال القمة على غرار مصر ومولدافيا والإمارات العربية المتحدة وصربيا.
ومن المتوقع إعادة انتخاب الأمينة العامة للمنظمة الدولية للفرنكوفونية الرواندية لويز موشيكيوابو على رأس المنظمة لأربع سنوات جديدة، وهي المرشحة الوحيدة لهذا المنصب. ويشمل الفضاء الفرنكوفوني 321 مليون ناطق باللغة الفرنسية، ويتوقع أن يتضاعف عددهم بنهاية العام 2050 بفضل انتشار اللغة الفرنسية في القارة الإفريقية.
وأكدت الأمينة العامة على أن القمة“أكثر أهمية من أي وقت مضى”، وذلك ردا على تصاعد الانتقادات الموجهة إليها ومن بينها ما كتبه الكاتب السنغالي أمادو لمين صال في مقال، حول أن الفرنكوفونية “لا تُرى” و”لا تُسمع” على النطاق الدولي.
وأضافت الأمينة العامة “الفرنكوفونية بحال جيدة”، على الرغم من أن المنظمة “متواضعة” من حيث موازنتها التي لا تزيد على 100 مليون يورو.
وحسب مسؤول كبير في كندا، فإن المنظمة “يمكن أن تكون قوّة إيجابية” في القضايا العالمية مثل “تعزيز السلام والازدهار الاقتصادي وترسيخ الديموقراطية”.
ويتحدّث مسؤولون كنديون آخرون عن “مخاوف” بشأن “المشاركة الديموقراطية” في تونس منذ أن قرّر سعيّد في 25 تموز/يوليو الفائت احتكار السلطات في البلاد، مشددين على أن كندا ستثير هذا الموضوع خلال اجتماعات القمة.
ويرى الخبير السياسي الفرنسي فينسان جيسار أن انعقاد القمة يعدّ “نجاحًا” لسعيّد لأنه “سيخرجه من عزلته مؤقتا على الأقل”.
ويضيف “إنه نوع من التقاط أنفاس وتهدئة في علاقاته مع شركائه الغربيين الرئيسيين”، و”سيوظّف هذا الحدث لإضفاء الشرعية على تحوّل سلطوي يُنتقد بشدة” من المنظمات الحقوقية المحلية والدولية والأحزاب السياسية المعارضة.
وأكد 89 وفدا حضور المؤتمر، ومن بين أفرادها 31 رئيس دولة وحكومة و7 من قادة المنظمات الدولية والإقليمية، على ما أفادت السلطات التونسية.
وقال المنسق العام للقمة محمد الطرابلسي إن هذه الاجتماعات تمثل “اعترافا بدور تونس في العالم الناطق بالفرنسية وبدبلوماسيتها على المستويين الإقليمي والدولي” وهي فرصة “لتعزيز التعاون الاقتصادي”.
كما يشارك أعضاء آخرون في المنظمة الدولية للفرنكوفونية مثل مقاطعة كيبيك الكندية “لتعزيز حضورهم في إفريقيا الناطقة بالفرنسية حيث تتضاعف فرص الأعمال”.
وقالت المتحدثة باسم الفرنكوفونية في كيبيك كاترين بوشيه إن اللغة الفرنسية هي “لغة الأعمال الثالثة في العالم وتفتح لنا الأبواب، في سياق تنويع الأسواق وعمليات التوريد”.
وطُرحت فكرة “الفرنكوفونية الاقتصادية” في العام 2014 في قمّة المنظمة الدولية للفرنكوفونية في دكار، حسب الوزيرة السنغالية للفرنكوفونية بيندا مباو التي أشارت الى وجوب تقييم “البلدان الناطقة بالفرنسية على أساس قدرتها على الحد من الهوّة الرقمية في مجتمعاتها”.
وينظم على هامش القمة منتدى اقتصاديا عنوانه “الاتصال” و”الرقمنة” كمحركين أساسيين للتنمية.
من وجهة نظر أخرى يرى بعض المحللين أنه هذه القمة قامت لتجميع الدول الناطقة بالفرنسية، وهي في الحقيقة كلها مستعمرات فرنسية سابقة بما في ذلك مقاطعة الكيبك الكندية. لم تقدم هذه المنظمة سوى خدمة واحدة مهمة لفرنسا، هي الإبقاء على لغتها وثقافتها في أنظمة التعليم والثقافة والإدارة في هذه البلدان.
ولم تقدم منظمة الفرانكفونية منذ تأسيسها أي مساعدات تنموية نوعية لأي بلد من البلدان المنخرطة فيها، فحتى في تعليم الفرنسية تكتفي المنظمة بالتدخل في نوعية البرامج والدروس وحجم ساعات التدريس، بينما تعاني البلدان تكلفة هذه الدروس من موازناتها، فهي تعلّم لغة غيرها بحرّ مالها وهي الفقيرة دون أن تتلقى أي دعم. وتوفر المنظمة دعما للإنتاج السينمائي وتتدخل في السيناريو فتفرض رؤيتها الحداثية.
وتعتبر السينما التونسية مثالا صارخا على الولاء للثقافة الفرنسية، في انقطاع كامل عن الهموم المحلية والمرجعيات الثقافية الوطنية، دون أن نغفل أن أكبر المخرجين تلقوا تعليمهم وخبرتهم في فرنسا لكن على نفقة الدولة التونسية، لينتجوا ثقافة فرنسية لم يمكن إنتاجها تحت الاحتلال المباشر.
وأبرز ما أشار إليه بعض المحللين والمتابعين أن هناك خطابا معاديا لفرنسا يسري في منطقة المغرب العربي وأفريقيا، وقد عبرت فرنسا عن قلقلها وخاصة بعد الحالة الرواندية وما حرّكته من آمال انعتاق من فرنسا وثقافتها. وهذه القمة في تونس بالذات تعقد للرد على هذا الشعور العام المعادي لفرنسا وثقافتها، قمة تعلن أن لا خلاص من فرنسا فهي قدر المنطقة، لكن ماذا يمكنها أن تقدم للنظام التونسي الحالي؟
العالم القريب والبعيد يشاهد أزمة نظام تونس والحفرة الاقتصادية التي تردى فيها ولا يجد سلّما للخروج. هناك يقين بأن النظام محاصر من المؤسسات المالية المؤثرة بالنظر إلى ارتفاع المديونية وثبوت العجز عن الدفع، لذلك فإن هدفه الحالي من القمة هو أن يثبت مقبولية سياسية في الخارج وأن يتدبر بعض الدعم المالي بناء على ذلك، لكن هذا النظام يجهل فعلا أن هذه القمة تجتمع فيها بلدان فقيرة بل أفقر من تونس وليس لديها إلا الصبر وانتظار العطف الفرنسي.
إن مؤسسات الإقراض الدولية غير معنية بنشر الثقافة الفرنسية، لذلك فإن كسر الحصار السياسي لا يؤدي إلى كسر الحصار المالي. إن بلدا مثل كندا (وهو أغنى الدول المشاركة تحت الضغط الفرنسي) يدور في فلك المواقف الأمريكية يعرف جيدا أنه لا يمكنه تجاوز الخطوط الحمراء الأمريكية لدعم نظام سعيد، لذلك فإن الاحتمال الوحيد للدعم من كندا لن يتجاوز مساعدات ظرفية ستكون أقرب إلى المجاملات السياسية أو الصدقة، وهو تقليد كندي.