الوقت- على الرغم من الأهمية الكبيرة التي تحظى بها زيارة أربعينية الإمام الحسين عليه السلام، لازال الإعلام الغربي يسعى إلى تجاهل هذا الحدث العالمي بشكل متعمد أو إظهاره بشكل لايليق بعظمته.
فخلال زيارة الأربعين لهذا العام ووفقًا للإحصاءات الرسمية بلغ عدد الزائرين إلى مدينة كربلاء المقدسة أكثر من 22 مليون شخص من مختلف أنحاء العالم، فيما أشار وزير النقل العراقي إلى أن العدد وصل إلى 26 مليون زائر.
ورغم أن هذه الزيارة تحظى بأهمية دينية خاصة لدى المسلمين خصوصًا أتباع اهل البيت عليهم السلام، إلاّ انها تحظى ايضًا بأهمية خبرية كبيرة لعدة أسباب منها انها تقام في ظل هجمة إرهابية شرسة يتعرض لها العراق بشكل خاص والمنطقة بشكل عام، وما لهذا الأمر من تداعيات خطرة على أرواح ودماء الزائرين خصوصًا وان الكثير من المواكب والهيئات الحسينية قد تعرضت إلى هجمات إرهابية خلال السنوات الماضية راح ضحيتها المئات من الزوار أثناء توجههم إلى كربلاء المقدسة مشيًا على الاقدام من مسافات بعيدة جدًا من داخل العراق وأكثر من 70 دولة لاسيما من ایران وباكستان والهند وسوريا ولبنان وتركيا ودول مجلس التعاون ودول القوقاز والصین وسنغافورة ونیوزیلندا والكثير من الدول الغربية والأفريقية بينها نيجيريا وجنوب أفریقیا وتنزانیا وجزر القمر.
ورغم هذه الحقائق حاولت وسائل الإعلام الغربية التغافل عمدًا عن هذه الزيارة في وقت تسعى فيه هذه الوسائل إلى تغطية جميع الأخبار في شتى المجالات وفي مختلف أنحاء العالم مهما كانت صغيرة وبشكل مباشر في أحايين كثيرة وتسليط الضوء عليها من خلال التحليلات والتقارير الخبرية.
ومن حق المتابع أن يتساءل: كيف يتم تغطية مظاهرة صغيرة في لندن أو مسيرة لبضع مئات من الأشخاص في هونغ كونغ أو تجمع محدود في دول أخرى ويتم غض الطرف عن أعظم مسيرة بشرية سلمية في العالم حيث السيل الجارف من النساء والرجال والأطفال؟ خصوصًا أن الزائر بإمكانه أن يجد في هذه المسيرة قصصًا من الفداء والصبر والتحمل والعطاء وكل مفردات الخلق الرفيع وما يحتوي على مادة ثريّة لإنتاج مسلسلات وأفلام تلفزيونية وسينمائية ضخمة باعتبإرها أعظم ملحمة إنسانية وحدثًا دينيًا لا نظير له في العالم تفوق حشوده وبأعداد كبيرة أعداد المسلمين المشاركين في موسم الحج الذي يجتمعون بمكة المكرمة من كل أنحاء العالم.
بالإضافة إلى ذلك تحمل زيارة الأربعين ميزة أخرى، فبينما ترتبط هذه الزيارة بالمسلمين الشيعة، إلاّ ان أهل السنة والنصارى والصابئة والإيزديين والطوائف الأخرى يساهمون في فعالياتها وتقديم الخدمات للزائرين. وهذه ميزة فريدة تتميز بها هذه المراسم الدينية، وهي تعني أن الجماهير وبمنأى عن اللون والعرق والمعتقد يعتبرون الإمام الحسين عليه السلام رمزًا عالميًا عابرًا للحدود.
فنجاح زيارة الأربعين في كافة المجالات وإستيعاب التزايد المطرد في أعداد الزوار من الداخل والخارج ومنع حصول أي خرق أمني يعكس بوضوح حسن الإدارة والتنظيم والجهود الاستثنائية لمختلف الجهات المشرفة عليها. وبملاحظة الظروف المعقدة التي يمر بها العراق يمثل هذا إنجازًا كبيرًا للعراقيين الذين ساهموا بروح الفريق الواحد بإنجاح هذه الزيارة. وهذا الأمر لايروق لوسائل الإعلام الغربية المرتبطة بالدوائر الصهيونية أن تظهره للعالم على حقيقته لأنه لايصب في مصلحتها.
ويشير الباحث الإعلامي الشهير (يوهان جالتونغ) لدى مناقشته القيم الإخبارية إلى أن الأحداث التي تتميز بواحدة من المميزات السبعة التي ذكرها في كتبه وأبحاثه والتي هي عبارة عن (الشمولية والشهرة والمفاجآت وضخامة أعداد المشاركين في صنع الحدث والفجائع الناجمة عن الصراعات والنزاعات والحالات الإستثنائية) يجب أن تبرز بشكل واضح في وسائل الإعلام كي تنال السبق الخبري من جهة، وترفع من مستوى المصداقية في تلقي الأخبار من قبل المستمع والمشاهد والقارئ من جهة أخرى.
ومن خلال تطبيق هذه المعايير التي حددها جالتونغ ينبغي أن تكون زيارة الأربعين في طليعة الأخبار التي تتناقلها وسائل الإعلام الغربية وبصورة واسعة ومفصّلة، لكنها لم تفعل ذلك بالشكل المطلوب. فما هي الأسباب والدوافع التي تقف وراء ذلك؟
يعتقد المراقبون ان هذا التعاطي غير المهني والتعامل غير المنطقي من قبل وسائل الإعلام الغربية مع زيارة الأربعين يكمن بما يلي:
1 - تعد زيارة الأربعين بهذا العدد الذي تراوح هذا العام بين 22 و26 مليون نسمة والخدمات الوافرة التي قُدمت خلالها وفي ظل ظروف أمنية معقدة وصعبة للغاية ومشاكل إقتصادية وسياسية كثيرة إنجازًا باهرًا حققه الشعب العراقي الذي يخوض حربًا شرسة ضد الإرهاب، وبالتالي فإن تسليط الضوء على هذه الزيارة سيصب في صالح هذا الشعب، في وقت تسعى فيه الدوائر الغربية وعلى رأسها الإدارة الأمريكية إلى تمزيق أوصاله والهيمنة على مقدراته خدمة للمشروع الصهيوأمريكي في المنطقة.
2 - يعلم الغرب تمامًا ان إيران ساهمت بشكل كبير وفعال في إنجاح زيارة الأربعين في جميع المجالات الأمنية والخدمية، ولهذا سعت وسائل إعلامه إلى تجاهل هذه الحقيقة لأنها تعتقد ان هذا النجاح يصب في صالح الجمهورية الإسلامية في إيران التي تدعم العراق في محاربة الإرهاب وتتصدى للمشروع الصهيوأمريكي في المنطقة من خلال دعمها الواضح لمحور المقاومة.
3 - المشاركة الواسعة من قبل الإيرانيين في زيارة الأربعين تحمل رسائل ودلالات واضحة في مقدمتها ان الإيرانيين الذين سارعوا لمساعدة العراقيين في وقف الهجمات الإرهابية هم على أهبة الاستعداد للتنسيق مع السلطات العراقية وإرسال قواتهم خلال ساعات لملاحقة التنظيمات الإرهابية والقضاء عليها.
4- من المعلوم ان المنظمات السرية الصهيونية العالمية هي التي تتحكم بوسائل الإعلام الغربية وهذا ما أكده راديو "اوستن" الأوروبي، ولهذا وصف الكثير من المراقبين فرض الحظر على تغطية زيارة الأربعين من قبل هذه الوسائل وتعمد تجاهل هذا الحدث العالمي بأنه خطيئة إعلامية. ويؤكد هؤلاء المراقبون ان هذه الخطيئة لم تأت من فراغ، بل ثمّة قوى سياسية تقف وراءها تمتلك زمام التأثير في توجيه الرأي العام العالمي من خلال هيمنتها على إدارة ماكنة الإعلام العالمي.