الوقت - أثار الهجوم الإرهابي الذي وقع يوم الأربعاء الماضي على مرقد "شاه جراغ"(عليه السلام) في مدينة شيراز الإيرانية، والذي أسفر عن استشهاد وجرح عدد من زواره، غضب واشمئزاز الشعب الإيراني، وعليه نزل مئات الآلاف من الإيرانيين يوم الجمعة في جميع أنحاء البلاد إلى الشوارع للتنديد بهذه الجريمة العمياء، وهتفوا بدعمهم الكامل لحراس أمن البلاد.
تنظيم داعش الإرهابي، الذي تولى المسؤولية عن هذا العمل المأساوي، واصل أنشطته في السنوات الأخيرة بشکل متفرق وفي خلايا صغيرة تحت الأرض في الدول المجاورة لإيران، مثل العراق وأفغانستان وباكستان، وبعض الدول الأخرى في المنطقة مثل اليمن وسوريا.
لكن الهجوم الإرهابي يوم الأربعاء الماضي، كان من العمليات القليلة التي تمكنت هذه المجموعة من تنفيذها في إيران خلال حياتها المخزية. ويرى العديد من خبراء الأمن أن هذا هو علامة على الدعم اللوجستي والاستخباراتي الذي يتجاوز قدرات هذه المجموعة المنهارة.
لذلك، وانطلاقاً من هذه الفرضيات، ناقش "الوقت" أبعاد الحادث الإرهابي في شيراز مع السيد هادي أفقهي، الخبير في شؤون غرب آسيا.
الاضطرابات توفر منصةً لعمليات داعش الإرهابية
يعتقد السيد أفقهي أن القبول بأن العمل الإرهابي في شيراز كان عمليةً فرديةً، أمر غير مقبول بأي حال من الأحوال. ويضيف: "إن التدريبات التي تلقاها هذا الإرهابي والإجراءات التي قام بها، مثل حمل ونقل الأسلحة وبيت فريقه، وكذلك خلفية مثل هذه العمليات الإرهابية، تشير إلى أنه يحظى بالتأكيد بدعم أجنبي، ليس فقط على المستوى الإقليمي، ولكن أيضًا على المستوى الدولي".
وقال الخبير في شؤون غرب آسيا: "لكن بشكل عام، يمكن القول إن داعش من صنع الأمريكيين، وإن الکيان الصهيوني شارك أيضًا في تنفيذ هذا البرنامج، وكانت تركيا حاضرةً أيضًا، وهي تدعم حاليًا الجماعات الإرهابية. آضافة إلى ذلك، كانت السعودية والإمارات من بين الجهات الفاعلة الدولية والإقليمية التي دعمت هذه المجموعة الإرهابية. أحيانًا يتصرف داعش كفريق أو يعمل بشكل فردي وانتحاري، وهذه هي الطرق التي يعمل بها الإرهابيون."
وتابع: "لذلك، فإن داعش يعمل في الواقع في ثلاث مستويات. المستوی الميداني والمستوی العملياتي والمستوی الاستراتيجي. جريمة شيراز كانت عملاً منظمًا ومحسوبًا بالكامل، وقد تم وضع الأسس اللازمة له بعد بدء أعمال الشغب في إيران. وعلى الرغم من القضاء علی العديد من الأعمال الميدانية، إلا أنها وفرت الغطاء اللازم لتنفيذ مثل هذه العمليات الإرهابية."
ويری السيد أفقهي أن "داعش ليس عملاً إرهابياً فحسب، بل هو عمل ثقافي أيضًا، وقد وفر المشاغبون هذه المنصة للإرهابيين. في خضم هذه الاضطرابات، تظهر أسلحة داعش، يوماً في طهران، ويومًا في شاه جراغ وآمل، ويوماً في أماكن أخرى، ويتم تنفيذ مثل هذه العمليات بسهولة."
ويضيف: "وسط هذه التجمعات، يقوم قتلة ومحترفون باغتيالات جبانة للباسيج والحرس الثوري الإيراني وقوات الشرطة. لذلك، فإن أي اضطراب له نوع من الغطاء لداعش ويخلق مساحةً لداعش للقيام بأعمال إرهابية. هذه قضايا منظمة ومخطط لها مسبقًا، وهي تسير بشكل هادف".
اختيار شيراز تم بشکل هادف
قال الخبير في القضايا الإقليمية عن سبب اختيار شيراز لتنفيذ هذا الهجوم الإرهابي: "أعتقد أنه في شيراز، مع هذا الإجراء، فإنهم يضربون عدة عصافير بحجر واحد. يُعرف تنظيم داعش الإرهابي بمعارضته للأماكن المقدسة والثقافة الحسينية(عليه السلام) والشعائر الدينية الشيعية. ويعتقد داعش أن الأماكن الدينية هي رمز للشيطان، ويقولون إن الشيعة روافض ومحكوم عليهم بالموت."
وأضاف: "في بيان نشره تنظيم داعش باللغة العربية، قال إن شاه جراغ مكان لزيارة الرافضة، أي مكان للشرك بالله. لذلك يريد داعش القول إنه لا يسمح بزيارة الأماكن المقدسة والعبادة فيها من قبل الشيعة الروافض والمشركين. والقضية الأخرى هي أنه في الأسابيع الأخيرة، كانت شيراز أكثر أمانًا تقريبًا من المحافظات الأخرى، وكان هناك عدد أقل من أعمال الشغب، وأرادوا زعزعة هذا الجو السلمي والروحي. والمسألة الأخرى هي أن هذا العمل الذي قام به داعش كان رسالةً إلى أعداء إيران، مفادها بأنه إذا دعمتمونا، فنحن قادرون على تنفيذ العمليات أينما تريدون، حتی يزيدوا الدعم الخارجي لهم".
ومضی قائلاً: "لذلك، كان اختيار شيراز هادفًا، وهذا العمل الإرهابي سيتحمل مسؤوليته أولئك الذين قدموا هذه الأرضية، وأقام هذا العمل الإرهابي الحجة لجميع المسؤولين السياسيين والأمنيين على عدم التسامح في مواجهة أعمال الشغب، ويجب التعامل مع مثل هذه الأعمال بحسم. بعض هؤلاء الناس على علم بمقتل الناس في شاه جراغ، وعلى الرغم من سفك هذه الدماء ظلماً، إلا أنهم ما زالوا يخالفون الأعراف، وهذا غير مقبول وإعلان حرب. لذلك، فإن التسامح مع المخالفين للمعايير بعد ذلك هو اضطهاد للناس الذين يؤمنون بالجمهورية الإسلامية، ويقولون إننا نتسامح مع أي مشاكل ونقص، ولكن لا ينبغي إهانة قضية الأمن وقيمنا الدينية."
فشل مؤامرة الأعداء في إحداث الانقسام
اعتبر السيد أفقهي أن محاولة الأعداء لإحداث صراع طائفي في إيران ليست بالشيء الجديد، قائلاً إن هذا العمل موجود دائمًا منذ بداية انتصار الثورة الإسلامية.
وحسب هذا الخبير: "في بداية الثورة، حاولوا بدء حرب شيعية سنية في كردستان وبلوشستان، لكنهم لم ينجحوا. في بداية الثورة، قال شخص يدعى عز الدين حسيني في مدينة مهاباد، إن حكومة الجمهورية الإسلامية "قاتلة أهل السنة". حتى أنهم حملوا الأسلحة وقطعوا رؤوس عدد من قوات الحرس الثوري الإيراني في مدينة باوة، والآن يلعب شخص يُدعى مولوي عبد الحميد في سيستان وبلوشستان نفس الدور، ويحرِّض علی الانقسام الديني المشؤوم ويثير الشعب السني، ويجب التعامل معه بحسم."
وقال: "لأنه في الأسابيع الأخيرة، أعلن مؤيدوه أنه أعلن نفسه خليفةً للمسلمين، وطلب من كل السنة مبايعته، ويريد مواجهة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بهذه الإجراءات، وهذه مقدمة لفصل سيستان وبلوشستان عن إيران. طبعاً، كانت هناك مؤامرات أكبر في الماضي ولم تنجح، وفي الحقيقة تم التعامل معها بعقلانية، وبخطة هادفة، وبأساليب حاسمة وشفافة."
وأضاف: "طالما أن مثل هذه الإجراءات لم تتجاوز الکلام، فإن الجمهورية الإسلامية تتسامح معها، ولکن إذا أرادت أن تكون مثل الحادثة الأخيرة في زاهدان وحمل الأسلحة، فإن الجمهورية الإسلامية قوية جدًا لدرجة أنها تستطيع ليس فقط استهداف هؤلاء الأشخاص فحسب، بل أيضًا السعودية بصواريخها وطائراتها دون طيار، وتسويتها بالأرض".
الناس يطلبون التعامل مع مثيري الشغب
وفيما يتعلق بشعارات الشعب الإيراني في التظاهرات الجماهيرية يوم الجمعة الماضي والتي نددت بأفعال المشاغبين، قال السيد أفقهي: "كمواطن، أنا مستاء حقاً من تسامح الحكومة تجاه المشاغبين. يقول المشاغبون إنهم يريدون أن يعيشوا مثل الأمريكيين، ويهتفون "المرأة، الحياة، الحرية" على النمط الغربي. لكن رجال الشرطة الغربيين أنفسهم يتعاملون مع المشاغبين بمنتهى الوحشية عندما تكون هناك أعمال شغب في الشوارع، ويجب أن تكون الشرطة الإيرانية مخولةً للتعامل مع المشاغبين بما فيه الکفاية."
وأضاف: "في بريطانيا، هناك قانون يسمى "اللمس"، ما يعني أن قيام المشاغب والمحتج بملامسة الشرطة سلمياً يعتبر جريمةً، هذا في حين أن الشرطة الإيرانية تتعرض للضرب على أيدي المشاغبين وحتى القتل على أيديهم، ويجب التعامل مع هذا النوع من الناس بشكل حاسم. إذا لم يكن لدى الشرطة الصلاحيات والتسهيلات اللازمة، فيجب إعطاؤهم المعدات اللازمة لأداء واجباتهم."
وختم السيد أفقهي بالقول: "في زمن الإمام الخميني(رحمه الله)، قيل للمنافقين الذين كانوا في السجن، إنه ينبغي عليهم إما أن يتوبوا أو يُعدموا، وطلبوا من الإمام الخميني الفتوی في ذلك. فقال إن هؤلاء إذا لم يتوبوا وأُطلق سراحهم، فإنهم سيحملون السلاح مرةً أخرى، ولذلك يجب إعدامهم. والآن، نزول الشعب إلی الشوارع أيضًا يعدّ علامةً على تأييد النظام، ومطالبتهم بالتعامل مع أعمال الشغب."