الوقت- بينما لم يتبق سوى أيام قليلة على انتهاء وقف إطلاق النار في اليمن، فإن قادة حركة أنصار الله اليمنية مصممون على مطالبهم هذه المرة وجعلوا تمديد وقف إطلاق النار مرهونًا بتنفيذ شروطهم. وأعلنت جماعة أنصار الله في اجتماعها الأخير أن تمديد وقف إطلاق النار في اليمن مشروط بعمل التحالف السعودي المعتدي في إعادة فتح الطرق والمطارات والموانئ ودفع رواتب جميع موظفي الحكومة.
وأعلن المجلس السياسي الأعلى اليمني أن جميع المقترحات والخطط التي قدمت إلى المجلس الأعلى لهذا البلد أو ستعرض لاحقاً وستتم دراستها واتخاذ القرارات المناسبة بشأنها بناءً على المرونة الوطنية لليمن وتخفيضها من معاناة الشعب اليمني. كما أكد المجلس السياسي الأعلى اليمني في هذا الاجتماع أن زيادة التنازلات من وقف إطلاق النار وتعزيز الجوانب الإنسانية لهذا العمل، ومن أهمها دفع رواتب جميع موظفي الحكومة، وإعادة فتح المطارات، والموانئ والطرق، سوف تساعد على حل الصراع.
ولقد أعاد أنصار الله تأكيد شروطهم، في حين لم يفِ السعوديون بالتزاماتهم في الأشهر الستة الماضية منذ اتفاق وقف إطلاق النار مع التحالف المعتدي، وخرقوا دائمًا وقف إطلاق النار بهجماتهم المتكررة. بينما كان من المفترض، حسب الاتفاقات، إعادة فتح مطار صنعاء وتسيير رحلتين أسبوعياً لنقل المرضى والجرحى من الحرب إلى الأردن، لكن كان هناك الكثير من الانقطاعات من قبل السعوديين في هذا الصدد.
وكانت أهم بنود وقف إطلاق النار إعادة فتح الموانئ وتزويد اليمن بالوقود الذي أوقفته السعودية في هذا الاتجاه ولم تسمح بإعادة فتح الموانئ، ودائماً ما استولت على شحنات الوقود، الأمر الذي أدى إلى حدوص رد فعل حاد من أنصار الله. وبعد هذه الخروقات، لم يعد اليمنيون يثقون في تنفيذ بنود وقف إطلاق النار مع التحالف السعودي، ولهذا أعلنوا عن شروطهم النهائية هذه المرة، وهو إنذار للمعتدين إما للوفاء بالتزاماتهم أو الاستعداد لمواصلة الحرب، وبعد تمديد وقف إطلاق النار في أغسطس الماضي، أعلن أنصار الله أنهم لن يمددوه مرة أخرى في حالة انتهاك الاتفاقات، ورغم التحذيرات المتكررة، لم يستمع السعوديون لهذه التحذيرات.
هذه المرة، يخطط أنصار الله لإجبار السعوديين على إعادة فتح الموانئ والمطارات حتى يتمكنوا من نقل المزيد من المرضى خارج اليمن لتلقي العلاج. وحسب إحصائيات الأمم المتحدة، فإن ملايين اليمنيين يعانون من سوء التغذية ويحتاجون إلى مساعدة طبية، وخلال فترة وقف إطلاق النار، وبسبب خروقات السعوديين، لم يتم عمل سوى عدد قليل من الرحلات الجوية المحدودة إلى الأردن، وهو أمر ضئيل مقارنة بسكان اليمن. إن الزيادة في عدد المرضى في وضع يكون فيه اليمن تحت حصار بحري وإرسال مواد إنسانية لا يكفي لمداواة آلام اليمنيين، فهذه القضية يمكن أن تكون مزعجة لأنصار الله ولهذا ينوي قادة هذه الحركة إرسال أكبر عدد ممكن من المرضى لنقلهم إلى الخارج. وحسب الإحصائيات التي أعلنتها وزارة الصحة اليمنية، أصيب عشرات الآلاف من اليمنيين بأمراض معدية مثل الكوليرا التي يجب علاجها في أسرع وقت ممكن.
وشرط آخر لأنصار الله هو إعادة فتح الموانئ، وهو ما يصر عليه اليمنيون بشدة في اتفاقيات وقف إطلاق النار. وكان من المفترض إعادة فتح ميناء الحديدة لإرسال مساعدات إنسانية لحل جزء من مشاكل اليمن الغذائية والطبية، لكن السعوديين لم يفوا بالتزاماتهم في هذا الصدد. ويزعم السعوديون أنه إذا أعيد فتح الموانئ، فقد ترسل الدول الأجنبية أسلحة إلى أنصار الله تحت غطاء المساعدات الإنسانية، وهذه المزاعم حالت دون إعادة فتح الموانئ.
إن إلغاء الحصار الكامل وإعادة فتح الموانئ لهما أهمية خاصة لأنصار الله، لأنه في هذه الحالة، إضافة إلى تمهيد الطريق لإرسال مساعدات أممية، فمن ناحية أخرى، فإن السفن التي تحمل الوقود سوف تتمكن من نقلها بسهولة إلى اليمن. وفي الأشهر الأخيرة، استولى السعوديون على جميع شحنات الوقود اليمنية وأفرجوا عن بعضها بعد فترة مع تحذيرات أنصار الله ووسطاء الأمم المتحدة، لكن اليمنيين غاضبون للغاية من هذا الموضوع. وبالنظر إلى اقتراب فصل الشتاء، يحتاج اليمنيون إلى مزيد من موارد الوقود، وستؤدي مشكلة الوقود المتزايدة جنبًا إلى جنب مع المجاعة والحصار الجوي إلى حدوث أزمة جديدة لملايين اليمنيين. وتشير التقارير المنشورة إلى ندرة الوقود في اليمن لدرجة أن المخابز تستخدم الحطب بدلاً من الوقود، وستتضاعف هذه المشكلة في موسم البرد، وتخطط أنصار الله لتزويدها بالوقود الذي تحتاجه من خلال إعادة فتح المنافذ البحرية، لأنه إذا تم حل هذه المشكلة الصعبة وتم إرسال المساعدات الإنسانية إلى اليمن عبر الموانئ، فسيكون قادة أنصار الله قادرين على إدارة البلاد بشكل أفضل واتخاذ القرارات المناسبة لتنفيذ خططهم. لذلك يصر أنصار الله هذه المرة على عدم التقصير في تلبية مطالبهم.
جهود الولايات المتحدة والأمم المتحدة لإنقاذ السعودية
في حين أن أنصار الله ليسوا على استعداد للموافقة على وقف إطلاق النار الذي لا يفيد اليمنيين بأي ثمن، تحاول الولايات المتحدة والأمم المتحدة، كداعمين للمعتدين، إقناع أنصار الله باتفاق طويل الأمد ومستقر في اليمن. وفي لقاء عقده بين وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكين ورئيس المجلس الرئاسي اليمني في نيويورك، دعا بلينكين مجددًا إلى تمديد وقف إطلاق النار. وفي الأيام الأخيرة، حاول المندوب الأمريكي الخاص للشؤون اليمنية تمديد وقف إطلاق النار في اليمن مرة أخرى في اجتماع مع السلطات السعودية والعمانية. وأجرى ممثل الأمم المتحدة مؤخرا مشاورات مع قادة أنصار الله والسعوديين حتى يتمكنوا من التوصل إلى اتفاق مدته ستة أشهر.
ومن خلال تمديد وقف إطلاق النار في اليمن، تحاول أمريكا وقف عمليات أنصار الله ضد المنشآت النفطية والبنية التحتية للإمارات والسعودية. وباعتبار أن الغرب يواجه أزمة طاقة بعد الحرب في أوكرانيا ويحاول منع ارتفاع أسعار النفط في العالم، لذلك لا يعتبرون استمرار الحرب في اليمن فكرة جيدة، ولهذا يحاولون تمديد اتفاق وقف اطلاق النار لبضعة أشهر أخرى، لأن أنصار الله حذرت من أنه في حالة انتهاك وقف إطلاق النار فإنها ستستأنف عملياتها الصاروخية والطائرات المسيرة ضد المعتدين، وإذا تم استهداف المنشآت النفطية في السعودية والإمارات، فإن هذا الإجراء يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع الأسعار في الأسواق العالمية.
وفي الأسابيع الأخيرة، أقامت جماعة أنصار الله أكبر استعراض عسكري لها وكشفت النقاب عن أسلحتها الجديدة لتوجيه رسالة إلى المعتدين مفادها بأنه في حالة انتهاك وقف إطلاق النار واستمرار الحرب، فإن اليمنيين لن يقفوا مكتوفي الأيدي وسيستخدمون كل قوتهم لمواجهة الأعداء. ورغم أن اليمنيين أوقفوا عملياتهم العسكرية خلال فترة وقف إطلاق النار، إلا أنهم لم يبقوا مكتوفي الأيدي وسيستغلوا هذه الفرصة لتقوية وتطوير أسلحتهم، وهذا تحذير كبير لقادة الرياض ليكونوا عقلانيين وبدلاً من إثارة التوتر والقلق، يجب عليهم البحث عن طريقة لإنهاء الحرب.
وبإعلان شروطها مع السعوديين، يكون أنصار الله قد أكمل الحجة القائلة بأنه إذا كانوا يريدون حقاً إنهاء الحرب، فمن الأفضل الاستسلام لمطالب اليمنيين والتعويض عن هفواتهم السابقة في إعادة فتح الموانئ والمطارات، لأن استمرار الحرب سيكون له نتائج كارثية بالنسبة للمعتدين، وستخلق الكثير من التحديات الجديدة للسعوديين وداعميهم الغربيين.