الوقت - أكثر من عشرة أشهر مضت على الانتخابات النيابية العراقية، لكن المجموعات السياسية لم تتمكن حتى الآن من التوصل إلى اتفاق على تشكيل الحكومة، وبسبب بعض التيارات السياسية، لا تزال الاختلافات السياسية في هذا البلد تتزايد يوما بعد يوم. ولم تنجح محاولات القادة السياسيين العراقيين لإقناع مقتدى الصدر بالتراجع عن مواقفه، والآن اجتمع قادة كل الجماعات مع بعضهم حتى يتمكنوا من التغلب على هذه المشاكل بالتفاهم المتبادل.
ولهذا الغرض، عقد يوم الاربعاء اجتماع لقادة الجماعات العراقية تحت عنوان "الحوار الوطني" بدعوة من رئيس الوزراء البلد مصطفى الكاظمي. وأكد الكاظمي في كلماته أن ما يحتاجه العراق الآن هو العقلانية السياسية للجماعات ووضع المصالح الوطنية فوق المصالح الحالية، ولن يتحقق هذا الهدف إلا من خلال الحوار السياسي. وشارك في هذا الاجتماع نوري المالكي وحيدر العبادي، رئيسان سابقان لمجلس الوزراء، وكذلك هادي العامري وفالح الفياض، اثنان من كبار مسؤولي الحشد الشعبي، نيابة عن الإطار التنسيقي. وحضر الاجتماع الرئيس العراقي برهم صالح من الاتحاد الوطني الكردستاني ومحمد الحلبوسي الزعيم السني في البرلمان وممثلو الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني الكردستاني.
وحسب البيان المعلن بعد هذا اللقاء، فإن المجتمعين أكدوا التزامهم بالمبادئ الوطنية وإيجاد حل لكل الأزمات بالحوار وبروح الأخوة والتعاون من أجل الحفاظ على وحدة العراق وأمن أهله. وأهمية أمن الدولة واستقرارها وأكدوا على النظام الديمقراطي القائم على الدستور. كما أشار المشاركون في هذا الاجتماع إلى أنه عندما تصل الأزمات السياسية إلى طريق مسدود وتترك الجماعات السياسية الوطنية قرارها للإجراءات القانونية في الانتخابات، فإن الذهاب إلى صناديق الاقتراع مرة أخرى على شكل انتخابات مبكرة لا يعتبر حدثًا استثنائيًا في تاريخ الأحداث الديمقراطية.
ودعا الأعضاء المشاركون التيار الصدري للمشاركة في الحوار الوطني من أجل إيجاد آلية لحل شامل للأزمة الحالية في العراق. كما اتفق الحضور على استمرار الحوار الوطني من أجل وضع خطة قانونية لحل الأزمات الحالية في هذا البلد. دعا القادة العراقيون إلى إنهاء أي توتر ميداني وإعلامي وسياسي في هذا البلد، وأكدوا على ضرورة حماية مؤسسات البلاد وتهدئة النقاشات بعيداً عن الأعمال الاستفزازية، وطالبوا في الوقت نفسه وسائل الإعلام والنخب في هذا البلد، بتأييد عملية الحوار الوطني ودعم العراق والسلم الاهلي في هذا البلد.
عقد اجتماع الحوارات الوطنية بعد أسابيع قليلة من احتلال عدد من أنصار التيار الصدري مبنى البرلمان العراقي في مواجهة تقديم محمد شياع السوداني كمرشح لرئاسة الوزراء، وأدى هذا التصرف إلى تفاقم الانقسامات السياسية، وحسب نتائج المباحثات الوطنية، يبدو أن ائتلاف التيار الصدري لم ينجح بشكل موضوعي في الأجواء السياسية للعراق. حيث منع البرلمان من تشكيل حكومة جديدة، حيث يريد الصدر حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، بينما يؤكد إطار التنسيق الشيعي على التشكيل الفوري للحكومة. ويأتي لقاء المباحثات الوطنية في وقت تحدث هادي العامري رئيس ائتلاف الفتح مع العديد من التيارات السياسية العراقية في الأسابيع الماضية حتى يتمكنوا من إيجاد حل للخروج من المشاكل السياسية.
تمت صياغة دستور العراق عام 2006 بمشاركة واسعة من المحامين الأمريكيين والأوروبيين، وقد قسمت السلطات بين الطوائف الدينية والعرقية التي تعيش في العراق، وبما أن أياً من المجموعات السياسية لم تتمكن من الفوز بأغلبية في البرلمان، فغالباً ما كانت عملية تشكيل الحكومة صعبة. وفي السنوات الأخيرة، وبسبب تدخلات السعودية وأمريكا في العملية السياسية في العراق، ازدادت الفجوات السياسية أيضا.
الصدر لا يريد سوى الانتخابات
عقد اجتماع الحوار الوطني مع غياب التيار الصدري، وفيما يشكل مقتدى الصدر وأنصاره أكبر عقبة في طريق تشكيل الحكومة، تعقد مثل هذه الاجتماعات لإرضاء المعارضة، بينما يتسبب هو في استمرار الانسداد السياسي. ويبدو أن مقتدى الصدر اتخذ قراره وأصر على مطالبه واعتبر اجتماع الحوار الوطني شكل ظاهريا فقط.
وفي هذا الصدد، أعلن محمد العراقي، وهو شخصية مقربة من التيار الصدري، ردا على اجتماع الحوارات الوطنية، أن لقاء الحوار الذي عقد بناء على طلب الكاظمي كان جديرا بالثناء، ولكن في هذا اللقاء تمت الإشارة فقط إلى نقاط لم تكن مفيدة ولا تخص الأمة ولا علاقة لها بخدمتهم ومطالبهم. وحسب العراقي، فإن هذا الاجتماع ليس مهما بالنسبة لنا ولا يسعني إلا أن أقول إنه لا ينبغي أن تزيد من غضب الناس عليك ولا تجعل الناس يخافون من العملية الديمقراطية التي تصنعونها بمقياسكم. كما نصح هذا الشخص المقرب من مقتدى الصدر المشاركين في هذا الاجتماع بأنه من أجل ملء المقاعد الفارغة، يجب أن يعقدوا اجتماعاتهم للجمهور وبثها على الهواء مباشرة حتى يعرف الناس القصص وراء الستار.
وكان مقتدى الصدر قد وجه لأنصاره في الأيام الأخيرة دعوة لمظاهرة مليونية، وكان من المفترض أن تقام هذه التظاهرة يوم السبت، لكن الصدر أرجأ هذه التظاهرة، وربما ينتظر ليرى إلى أين ستؤول نتائج اجتماع الحوار الوطني. وبما أن الاتفاق في الاجتماع الوطني لم يكن على ما يرضي الصدريين، فمن المحتمل أن الأيام المقبلة ستكون فوضوية في العراق وربما تبدأ احتجاجات الشوارع مرة أخرى. مقتدى الصدر يريد حل مجلس النواب وإجراء انتخابات مبكرة ويعتبر هذا السبيل الوحيد لتجاوز المأزق السياسي، لكن حتى الآن لم يوافق العراقيون على هذا الطلب، حتى مجلس القضاء الأعلى العراقي قال إنه لا يملك سلطة التعامل مع هذه القضية، وبهذا الموقف صب الماء النظيف على يد تيار الصدر.
باعتبار أن لقاء الحوار الوطني هو مزيج من قادة كل التيارات السياسية في العراق، فإن اتفاقيات هذا الاجتماع هي نهاية الحجة لتيار الصدر، وإذا اختار مقتدى وأنصاره الشارع بعد هذا الاجتماع لتحقيق مصالحهم، أي ضد المصالح التي اصطفها كل العراقيين فإن هذه القضية يمكن أن تؤدي إلى تقليص مصداقية الصدر. يعاني العراقيون منذ سنوات من انعدام الأمن والأزمات السياسية والاقتصادية ويريدون إنهاء هذه المشاكل، ومن يرمي بالحجارة في طريق هذه الأزمات سيثير غضب وكراهية الجمهور.
قبل شهرين طلب مقتدى الصدر من ممثلي هذه الحركة تقديم استقالاتهم إلى مجلس النواب، وبعد ذلك تم استبدالهم بممثلين جدد غالبيتهم من أعضاء هيئة التنسيق الشيعية، وتم تمهيد الطريق لانتخاب رئيس الوزراء. ولكن من خلال التحريض على الاحتجاجات في الشوارع، طال الجمود السياسي؛ وتحاول الجماعات العراقية إعادة الصدر إلى طريق السلام والمصالحة الوطنية حتى لا يستمر الحصار السياسي، لأن استمرار الأزمات ليس في مصلحة العراقيين ويمكن أن يخلق تحديات جديدة لهم.
وبما أن بعض الجهات الخارجية والداخلية تتطلع إلى فرصة لزعزعة أمن العراق، فإن القادة السياسيين يخشون من هذه القضية. مقتدى الصدر يعتبر زيادة سلطة اللجنة التنسيقية في مجلس النواب خلافا لرغباته، ويحاول قطع الطريق أمام مرشحي هذه اللجنة للوصول إلى البرلمان في انتخابات مبكرة، لكن بسبب تزايد شعبية الاطار التنسيقي وقوى المقاومة في العراق فإن هذه الجهود لن تذهب إلى أي مكان.