الوقت- النظام الصهيوني لاعب مصطنع يقوم على توسع سياسي وأمني وإقليمي، وقد طعن هذا في شرعيته منذ إنشائه وأجبر الجهات التي تم انتهاكها والتوسع على المقاومة. ولقد واجهت هذه اللامشروعية، وخاصة اللاشرعية المحيطية بهذا النظام بخلق تهديدات مستمرة متعددة الأوجه حاولت السلطات وصناع القرار في هذا النظام تعزيز قوة الردع لمنع مثل هذه التهديدات الوجودية. وبالنظر إلى أن هذا النظام ليس لديه العديد من المتطلبات الأساسية لتعزيز قوة الردع الخاصة به، مثل العمق الاستراتيجي، والجغرافيا المحددة، والعدد الكبير من السكان، وبعبارة أخرى، فإن عتبة التهديد الخاصة تحتاج بشكل كبير لتعزيز متطلبات الردع الأخرى، مثل التحالفات مع القوى العظمى وتعزيز القدرات العسكرية والأمنية، واعتماد استراتيجيات هجومية ذات تهديد حقيقي، وتعزيز مقر القيادة القتالية، والحصول على أسلحة الدمار الشامل.
بالطبع، في هذه العملية، ألهم الانتصار النسبي للصهاينة في حروب شاملة مع الدول العربية، وكذلك العمليات العسكرية والأمنية العرضية، أصبحت قصة لسرد التفوق العسكري والأمني لهذا النظام. ولقد أدت هذه العملية إلى إقرار وتعميق مفهوم أن النظام الصهيوني هو القوة العسكرية والأمنية المتفوقة في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا، ونتيجة للاتفاقيات الاستراتيجية مع القوى العظمى مثل الولايات المتحدة الأمريكية ودولة الإمارات العربية المتحدة، فقد تم توفير الضمانات للحفاظ على هذا التفوق. وبعملية الردع هذه، استطاع النظام الصهيوني السيطرة على أزماته والتحديات الأمنية الدولية لأكثر من سبعين عامًا، لكن يبدو أن هذا الردع ينهار في السنوات الأخيرة. ويمكن تحديد عوامل هذه العملية المتنامية لانهيار قوة ردع الكيان الصهيوني على النحو التالي:
1. من الركائز الأساسية لقوة ردع النظام الصهيوني احتكاره للاسلحة النووية في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا، إلى جانب سياسة الغموض المتعمدة لهذا النظام. ووفقًا لتقرير في عام 2013، نقلاً عن مصادر من وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية، يمتلك النظام الصهيوني حاليًا 80 رأسًا نوويًا وله القدرة على إنتاج 190 رأسًا حربيًا إضافيًا. إن الجهود التي تبذلها جمهورية إيران الإسلامية في مجال القدرة النووية للأهداف غير الحربية تضر باحتكار هذا النظام للاسلحة النووية، ولهذا السبب تستخدم كل قدراتها السياسية والعسكرية والأمنية لوقف هذه العملية الإيرانية.
2 مع انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية وانطلاق الخطابات الحماسية الناتج عنها، تشكلت جبهة مقاومة ضد الغطرسة الغربية، حيث كانت جبهة المقاومة هذه في مجال القيادة أو في المنطقة. وتم تعزيز مجال القوى العاملة العسكرية والأمنية الكفؤة، وأيضا في مجال الأسلحة والمعدات، وخاصة الصواريخ والطائرات دون طيار، وتمكنت من الكشف عن نقاط الضعف العسكرية والأمنية، وخاصة الدفاع متعدد الطبقات لهذا النظام الغاصب، بما في ذلك منظومة بيكان ومنظومة فلاخان داود ونظام القبة الحديدية والأنظمة الإقليمية المشتركة، والتي، حسب السلطات الصهيونية والوثائق الاستراتيجية، تهدد التفوق العسكري للنظام الصهيوني باعتبارها ركيزة رادعة لهذا النظام.
وهناك قضية أخرى تتمثل في زيادة قوة جبهة المقاومة، وزيادة روح الانتصار والنهج القائم على الواجب في تدمير النظام الصهيوني. وتجدر الإشارة إلى أن أحد افتراضات الردع هو عقلانية الفاعل المنافس، والتي تقوم على التكلفة والمنفعة. ويبدو أن عناصر جبهة المقاومة، مع تعزيز قوتهم الموضوعية ومراعاة حسابات القوة العسكرية المتنافسة، هم على استعداد لزيادة مخاطر المواجهة ودفع تكاليف باهظة لتحقيق أهدافهم.
3. كان من ركائز قوة ردع الكيان الصهيوني الدعم الكامل من القوى الكبرى لتل أبيب في شكل تحالفات وائتلافات. لكن عوامل مثل: زيادة النقد لسياسات الكيان الصهيوني في الغرب، وتقليص تركيز الولايات المتحدة كأهم حليف دولي للنظام الصهيوني في حالة غرب آسيا والتركيز على حالات شرق آسيا و أوروبا الشرقية، إضافة إلى زيادة النفوذ والضغط من الدول الأخرى في المنطقة وتحقيق التوازن مع اللوبي الصهيوني، فقد تمكن هذا الامر بالمساعدة في إضعاف الدعم الغربي الكامل للنظام الصهيوني. وقد يؤدي تقليص ثقة الصهاينة في دعم الغرب على المدى الطويل إلى تعطيل استخدام ركيزة تعزيز قوة الردع هذه.
ركيزة أخرى لردع الكيان الصهيوني هي القصة الأسطورية لقوة الكيان الصهيوني العسكرية وأمنه والتي كانت توصف بإنه لا يقهر. لكن في هذه السنوات القليلة، وخاصة بعد استعادة حركة المقاومة اللبنانية لـ "حزب الله" جنوب لبنان والإجراءات الفعالة لحركة حماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة، تضررت هذه الرواية بشدة. بصرف النظر عن المجال العسكري، في المجال الأمني أيضًا، واجهت قصة اليد العليا الاستخباراتية والأمنية للمؤسسات الأمنية للنظام الصهيوني مثل الموساد في الحد من التهديدات الأمنية والأرستقراطية الاستخبارية والقضاء على المعارضة تحديًا. وحتى تكون هذه المؤسسات الأمنية ضعيفة فهي تواجه نقاط ضعف خطيرة في مجال المخابرات والاستخبارات المضادة وهذه المسألة عامل آخر يضعف قوة ردع هذا النظام.
ولقد حذر أحد كبار القادة السابقين في سلاح الجو الإسرائيلي قبل أيام من الوضع غير المنضبط للقواعد الجوية لهذا النظام وعدم كفاءتها في حال وقوع أي حرب في المستقبل. وفي مقال نشرته صحيفة "هآرتس"، اعترف اللواء إسحاق بريك، الذي تولى في السابق عدة مسؤوليات مثل قيادة الكتائب المدرعة لجيش النظام المحتل، بحالة الفوضى التي تعيشها القواعد الجوية للنظام وعدم استعداد هذه القوات لمواجهة التهديدات المحتملة. ولفت إلى أنها ستكون بلا شك الأهداف الاستراتيجية لأعداء إسرائيل في المعركة العسكرية القادمة.
وحول هذا السياق، أعرب بريك، منذ سنوات وهم يحاولون إنتاج صورة بطولية لسلاح الجو، وكأنه سلاح الجو الأفضل في العالم، وما دام الوضع على هذه الحال، فإنّ الجمهور يعتقد أن بإمكانه أن يكون مطمئناً. الواقع مختلف تماماً، وهذه نقطة في بحر المشاكل التي ستؤثّر بشدة في سلاح الجو في الحرب المقبلة المتعددة الساحات. توجد في سلاح الجو ثقافتان تنظيميتان. في كل ما يرتبط بتدريب الطيارين، قدراتهم التنفيذية، نوعية الطائرات والتحليق بها، استخلاص العبر وتطبيقها، وتحقيقات موثوقة، في كل هذه المواضيع القيادة العليا تصب غالبية اهتمامها. ثقافة تنظيمية في أفضل أحوالها. لكن في السلاح نفسه توجد ثقافة تنظيمية رديئة في كل ما يتعلق بإعداد قواعد سلاح الجو لحربٍ متعددة الساحات.
عندما أسس الصهاينة نظامهم المزيف في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، لم يتخيلوا يومًا أنه سيتعين عليهم التحدث عن انهيار إسرائيل. ولكن قضية زوال النظام الإسرائيلي الزائف، وخاصة في العقد الماضي، أصبحت قضية رئيسية في الأوساط الصهيونية. إن الاعتراف بانهيار الكيان الصهيوني وإبداء العديد من التعليقات في هذا الصدد هو موضوع يناقش على نطاق واسع من قبل الخبراء والمؤرخين ووسائل الإعلام الإسرائيلية. حيث قال راني دانيال، المحلل العسكري الصهيوني المتطرف المقرب من قادة الجيش الإسرائيلي: "لست متأكداً من أن أطفالي لديهم مستقبل في إسرائيل، ولا أعتقد أنهم سيبقون هنا". كما يعترف بني موريس، المؤرخ الصهيوني البارز، أنه بعد سنوات، سينتصر العرب والمسلمون في نهاية المطاف، وسيظل اليهود أقلية، أو يتعرضون للاضطهاد أو القتل، وفي هذه الأثناء، يمكن لليهود المحظوظين فقط الفرار إلى أوروبا و أمريكا. ويقول جدعون لوفي المحلل الصهيوني، في اليوم الثالث من معركة سيف القدس في مايو من العام الماضي عندما طوقت صواريخ المقاومة الفلسطينية الأراضي المحتلة من جميع الجهات، قال: "على الإسرائيليين أن يذهبوا إلى أوروبا وعلى الأوروبيين أن يقبلوهم كلاجئين، أعتقد أن هذا أفضل بكثير من أكلنا أحياء".
