الوقت- اجتمعت الدول المجاورة لأفغانستان وبعض الحكومات من خارج المنطقة في أوزبكستان لمدة يومين لمناقشة الوضع السياسي والأمني في هذا البلد المنكوب بالأزمة، ولكن بينما تمت دعوة حركة طالبان أيضًا لحضور الاجتماع لمناقشة شروط التعاون مع كابول للتعامل مع مشاكل أفغانستان، فاجأ مسؤولو طالبان الجميع بتصريحات غريبة. حيث أعلن أمير خان متقي، القائم بأعمال وزير الخارجية في حكومة طالبان، على هامش هذا الاجتماع الذي عقد في الأيام الماضية، أن هذه الحركة أفرجت عن 1800 أسير من تنظيم داعش الإرهابي من السجون الأفغانية. كانت هذه التصريحات بمثابة ماء بارد انصب في وجه دول المنطقة، التي كان همها الوحيد في العام الماضي هو التمكن من القضاء على الأزمة المتفاقمة في أفغانستان بعد وصول طالبان إلى السلطة من خلال التعاون المشترك.
ورغم أن حكومة طالبان لم تقبل الاتهامات بإطلاق سراح سجناء داعش منذ وصولها إلى السلطة، إلا أن هذه التصريحات الجديدة تعد اعترافًا واضحًا من هذه الحركة، ما يثبت أنها اتبعت نهجًا أكثر ليونة تجاه هذه الجماعة الإرهابية. وعلى الرغم من ادعاء حركة طالبان أنها تمكنت من السيطرة على أنشطة تنظيم الدولة الإسلامية داعش، إلا أنه تم تنفيذ عشرات العمليات الإرهابية في المدن الأفغانية، والتي قتل وجرح فيها مئات الأشخاص. وكل هذه العمليات نفذها تنظيم الدولة الإسلامية. لذلك، يبدو أن حكومة طالبان تركت أيدي تنظيم الدولة الإسلامية مفتوحة في أفغانستان.
وبالنظر إلى أن العديد من الاضطرابات والعمليات الإرهابية التي شهدتها أفغانستان في السنوات الأخيرة نفذها تنظيم الدولة الإسلامية وتولت هذه الجماعة التكفيرية مسؤوليتها، فإن هذا الامر يتعارض مع الوعود والشعارات التي قطعتها حركة طالبان في العام الماضي حول محاربة الإرهاب ومنع حدوث هجمات إرهابية من الأراضي الأفغانية ضد جيرانها، فضلاً عن الالتزام باحترام المواطنين السنة والشيعة على قدم المساواة وتشكيل حكومة شاملة، لكنها تتحرك في الاتجاه الآخر. ومن ناحية أخرى، قالت حركة طالبان مؤخرًا إنها ملتزمة بالاتفاقيات التي وقعتها مع الحكومة الأمريكية السابقة، وهو إجراء يلقي بظلاله على موقف دول الجوار من مصداقية طالبان وتعاونها معها.
وعلى الرغم من إطلاق سراح عناصر داعش من السجون أثناء سيطرة طالبان على كابول، إلا أن الإعلان عن هذا الخبر في الوضع الحالي وفي القمة الدولية في طشقند، يظهر أن طالبان تحاول تخويف دول المنطقة بإعلان مثل تلك الأخبار وإجبارهم على الاعتراف بها. لأن دول المنطقة قلقة للغاية من انتشار الإرهاب من أفغانستان وتبذل قصارى جهدها للقضاء على هذه التهديدات. وإذا استعاد 1800 من عناصر داعش حريتهم في أفغانستان، فيمكنهم تهديد المنطقة بأكملها وخلق أزمة جديدة وبما أن دول آسيا الوسطى عرضة للاندماج في هذه الجماعات المتطرفة بسبب الفقر والترويج الواسع للأفكار السلفية، فإن إحياء داعش يمكن أن يعرض جميع تلك البلدان للخطر.
كل شيء في مصلحة أمريكا
إن تعزيز داعش في أفغانستان هو سيناريو نفذته الولايات المتحدة منذ عدة سنوات لخلق حالة من انعدام الأمن على حدود إيران وروسيا وآسيا الوسطى، وفي الواقع، يعتبر تليين طالبان تجاه هذه المجموعة التكفيرية تهديداً على المنطقة. إن هذا الإجراء يشكك في شرعية طالبان على الساحة الداخلية والدولية، وكذلك قوة هذه الحركة في الاستمرار في الحكم في أفغانستان، والجهة الوحيدة التي سوف تستفيد من هذه اللعبة الخطيرة هي أمريكا التي سوف تتمكن من ضرب منافسيها بأقل تكلفة.
إن الاعلان عن خبر إطلاق طالبان لعناصر داعش، والذي صدر فور اتفاق هذه الحركة مع السلطات الأمريكية للإفراج عن جزء من أصول أفغانستان، مهم بطريقته الخاصة ويعزز الفرضية القائلة بأن واشنطن تنوي اللعب مع داعش مرة أخرى في المنطقة. وبالنظر إلى أنه بعد الحرب في أوكرانيا، تحاول أمريكا بكل الوسائل ضرب وعزل روسيا في العالم، يمكن لداعش أن يكون أحد خيارات البيت الأبيض لجعل حدود روسيا غير آمنة. لذلك، فإن اعتراف طالبان بهذه القضية هو شكل من أشكال تبرئة نفسها، والتظاهر بأنها قد حررت داعش بالفعل، وإذا استحوذت هذه المجموعة على السلطة في المستقبل، فإن طالبان ليست مسؤولة عن هذا الامر.
وبما أنه وفقًا للتقارير المنشورة في السنوات الأخيرة، فإن غالبية تنظيم داعش في أفغانستان يعتبرون من رعايا هذا البلد، وخاصة شعب البشتون، لذلك تعتبر بعض الجماعات المتحالفة مع طالبان أن داعش جزء منها. إن طريقة التفكير هذه لدى بعض حركات طالبان على الجانب الآخر من الحدود مع باكستان، مثل لشقر طيبة وشبكة حقاني، تجعل الكثير من الأفغان يشككون في وعود طالبان بإقامة العدل والأمن والقتال ضد الإرهابيين. لأن داعش قتلت آلاف الأفغان بعمليات إرهابية في السنوات القليلة الماضية وهناك كراهية عامة لهذه المجموعة في المجتمع الأفغاني، وتسامح طالبان مع داعش أدى إلى فصل الأفغان عن الحكومة المؤقتة وعزلهم عنها. إن تحرك طالبان للإفراج عن إرهابيي داعش لاستعادة السلطة في أفغانستان هو نوع من اللعبة على أرض الواقع للولايات المتحدة، التي تحاول إضعاف المثلث الإيراني الروسي الصيني بالاستعانة بهذه المجموعة التكفيرية. لكن طالبان تجهل حقيقة أن حكومة طالبان والمواطنين الأفغان يجب أن يدفعوا ثمن إحياء داعش، ولن يعاني الغربيون من هذا الامر بتاتا.
إن مستقبل الأوضاع في أفغانستان مفتوح على كل الاحتمالات، وخاصة في ظل تداعي مقومات الدولة من ناحية، وخبرة الفشل والتعثر في تأسيس نظام حكم فعال في البلاد من ناحية ثانية، والإرث الثقيل للحرب الأهلية الممتدة من ناحية ثالثة. ونظراً لأن طالبان هي القوة المسيطرة على الأرض في مرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي، فإن سلوكها يمثل العنصر الأهم في رسم ملامح هذا المستقبل، وخاصة فيما يتعلق بعلاقة الحركة بالتنظيمات الإرهابية. ومن المرجح أنه إذا ما فشلت طالبان في أن تسلك نهج الاعتدال والحوار والمصالحة وفق مقتضيات السيناريو الثالث السالف الذكر، فإن البلاد ستنزلق إلى مرحلة جديدة من الحرب الأهلية بكل ما يترتب عليها من فوضى، وتداعيات كارثية على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية أصلاً. وفي هذه الحالة سوف تكون طالبان هدفاً لتنظيم “داعش-ولاية خرسان”، ولقوى معارضة أخرى تناصبها العداء. ونتيجة لكل ذلك وغيره ستتجذر حالة الفشل والتصدع التي تعانيها الدولة الأفغانية؛ ما يجعلها ساحة لأمراء الحروب، وملاذاً للتنظيمات الإرهابية، سواء المؤيدة لطالبان مثل القاعدة أو المعارضة لها مثل داعش.