الوقت- مع فشل حركة طالبان في إرساء الأمن والاستقرار في أفغانستان منذ توليها السلطة، تصاعدت الانقسامات الداخلية داخل الحكومة المؤقتة، ومع انتشار شائعات عن محاولة اغتيال فاشلة لوزير دفاع طالبان على يد جماعة حقاني، فإنة من الممكن ألا يقوم المجتمع الدولي بالاعتراف بحكومة طالبان المؤقتة. وبينما يزعم مسؤولو طالبان أنهم تمكنوا من وضع حد للنزاع الطائفي وإحلال السلام في أفغانستان في الأشهر العشرة الماضية، هناك مؤشرات على أن العكس هو الصحيح. وإضافة إلى حقيقة أن التهديدات الإرهابية في أفغانستان قد اشتدت منذ استيلاء داعش على السلطة وتعرض العديد من المناطق الشيعية لهجوم من قبل الإرهابيين، بدأت بعض الحركات التابعة لحركة طالبان في الاختلاف مع الجماعة.
وقالت مصادر مطلعة إن الملا محمد يعقوب مجاهد، القائم بأعمال وزير الدفاع في حركة طالبان، كان هدفا لهجوم انتحاري في إقليم ننكرهار يوم السبت الماضي. وقيل إن وزير دفاع طالبان نجا من الهجوم الانتحاري، لكن بعض مرافقيه قُتلوا. ونفت طالبان على الفور محاولة اغتيال وزير الدفاع بالوكالة ووصفتها بأنها شائعة لا أساس لها. وقبل أيام، زعمت الجبهة الوطنية لتحرير أفغانستان مقتل عدد من مسؤولي طالبان وإصابة الملا يعقوب بجروح خطيرة في هجوم في كابول. ويأتي اغتيال الملا يعقوب وسط إشاعات أخيرة بأن شبكة حقاني تحاول اعتقاله أو اغتياله في ننكرهار. وعلى الرغم من أن طالبان نفت هذه المزاعم من أجل حماية سمعة حكومتها، إلا أنه يبدو أن طالبان بدأت الدخول في خلافات مع بعض حلفائها السابقين.
خلاف بين طالبان وجماعة حقاني
قاتلت طالبان وشبكة حقاني جنبًا إلى جنب مع القوات الأمريكية والحكومة المركزية على مدار العشرين عامًا الماضية، وعلى الرغم من أن الجانبين عملا معًا لسنوات كحليف مهم وخطير، إلا أن هناك أيضًا تنافسًا سنيًا في الأيام الأولى من الحضور في كابول. ومع الاستيلاء على كابول في أغسطس من العام الماضي، كانت هناك تقارير تنتشر عن انقسامات عميقة بين المجموعتين حول توزيع السلطة، حتى أثناء تقسيم السلطة في أفغانستان. كما وردت أنباء عن قيام مسؤولي جماعة حقاني بالضرب على الملا بردار، ما دفعه إلى مغادرة كابول لفترة.
وعلى الرغم من منح بعض المناصب الأمنية الرئيسية لجماعة حقاني، إلا أن هذه المجموعات تريد زيادة قوتها، نظرًا لشجاعتها على مدار العشرين عامًا الماضية. وتصر حركة طالبان، وخاصة عبد الغني بردار، على أن صعود طالبان إلى السلطة يستند إلى دبلوماسيته مع الأمريكيين في قطر، وأنهم يرون أنفسهم أكثر في الحكومة، لكن جماعة حقاني تعتقد أن ذلك تحقق من خلال الحرب و النضال. لذلك هناك وجهة نظر معتدلة ومتطرفة داخل الحكومة جعلت الخلافات تتزايد أكثر فأكثر. كان الملا بردار قد صرح سابقًا بأنه يجب احترام حقوق المرأة بالكامل، لكن حقاني يعتقد أن الحكومة تشكلت من خلال السلاح والحرب ويجب أن تدار بطرق أخرى. وعلى الرغم من أن جماعة حقاني جزء من منظمة طالبان الرسمية، إلا أنها تعمل دائمًا بشكل مستقل، ويقال إن جماعة حقاني مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالقاعدة.
وعلى الرغم من أن الملا بردار نفى وجود أي خلافات مع جماعة حقاني لإظهار عدم وجود شقاق في الحكومة، إلا أن التوترات بين الجانبين تصاعدت إلى درجة تحولوا في النهاية إلى زعيم طالبان الملا هبة الله لحل الخلاف. وفي اجتماع عُقد في قندهار قبل شهرين، حاول مسؤولو طالبان، بعد اجتماعهم مع الملا هبة الله، ظاهريًا تقليص نطاق الخلاف وتكريس كل جهودهم لإرضاء المجتمع الدولي. وبالنظر إلى أن جماعة حقاني تريد اتباع سياسات عنيفة وهي مدرجة على القائمة الأمريكية للجماعات الإرهابية، ويرى الغربيون أن وجود أعضائها هو إحدى العقبات أمام تحديد حكومة طالبان المؤقتة، إلا أن الخلافات ستزداد في المستقبل، لأن قادة طالبان المعتدلين يجب أن يختاروا بين البقاء في السلطة مع التفاعل الخارجي والتعاون مع حركة حقاني المتطرفة. إن محاولة طالبان لإزالة جماعة حقاني من السلطة يمكن أن تؤدي إلى حرب أهلية في أفغانستان. ولقد حددت الولايات المتحدة مكافأة قدرها 10 ملايين دولار مقابل معلومات تؤدي إلى القبض على سراج الدين حقاني، زعيم جماعة حقاني.
وجماعة حقاني وزعماء آخرون في طالبان على خلاف منذ سنوات، والآن أدى الضغط الدولي ورفض المجتمع الدولي الاعتراف بحكومة طالبان المؤقتة بسبب إدراج عناصر من جماعة حقاني على قائمة المنظمات الإرهابية إلى الانقسام، ما أدى إلى تزايد الخلافات بين الجماعتين. ويمكن لهذه الاضطرابات داخل الجماعة، إلى جانب السخط الشعبي ومن قبل زعماء التيارات السياسية الأفغانية الأخرى، أن تدفع الحكومة المؤقتة إلى حافة الانهيار.
دور باكستان التدخلي
على الرغم من أن الخلافات بين طالبان وجماعة حقاني تتعلق أكثر بالحصول على السلطة داخل أفغانستان، إلا أن دور الجهات الأجنبية، وخاصة باكستان واضح. فقبل صعود طالبان إلى السلطة العام الماضي، كانت باكستان قد جعلت أفغانستان غير آمنة لمدة 20 عامًا من خلال دعم الجماعة ضد الحكومة المركزية بمساعدة الأمريكيين، والآن بعد أن أصبحت طالبان في السلطة، فقد أثارت باكستان الكثير من الانقسامات بين قادة الجماعة.
وعندما اشتد الصراع على السلطة بين طالبان وجماعة حقاني، ذهب رئيس جهاز استخبارات الجيش الباكستاني (ISI) إلى كابول، وبعد عقده اجتماع مع قادة طالبان، تم إصدار قائمة وزارية مؤقتة تظهر دور إسلام أباد ونفوذها في طالبان. لقد خلقت باكستان انقسامات بين طالبان وجماعة حقاني حتى لا تصل المجموعتان إلى السلطة معًا. ويعتقد بعض المحللين أن تعيين عدد كبير من الأعضاء رفيعي المستوى في جماعة حقاني، التي تربطها علاقة وثيقة بباكستان في الماضي، قد يمنح باكستان نفوذاً لتوسيع نفوذها في أفغانستان. وبناءً على ذلك، تتمتع الحكومة المؤقتة بتمثيل كبير لجماعة حقاني. كما أن انتخاب سراج الدين حقاني وزيراً للداخلية لا يترك مجالاً للشك في أن الحكومة الأفغانية قد اختيرت من قبل المخابرات الباكستانية.
وبعد انسحاب الأمريكيين من أفغانستان، تعتبر باكستان نفسها لاعباَ في الساحة السياسية والأمنية الجديدة في البلاد وتحاول إمساك طالبان بأيديها مثل الشمع من أجل السيطرة وإدارة سياسات هذا البلد وبالتالي فهي بحاجة إلى كل التيارات التابعة لحركة طالبان لاستخدام كفاءتها وقدراتها لصالحها عند الضرورة. كما أن تصاعد الهجمات الإرهابية في الأشهر الأخيرة بعد تصاعد التوترات بين إسلام أباد وطالبان لا يخلو من التنسيق الباكستاني، وقد أعلن المسؤولون الأفغان مرارًا عن هذا التدخل.
ومن ناحية، لا يريد المسؤولون الباكستانيون أن يكون لجماعة حقاني مزيد من السلطة على رأس هيكل سلطة حكومة طالبان، ومن ناحية أخرى، فإنهم يعتبرون وجود أعضاء هذه الجماعة في الهيئة الحكومية ضروريًا لتحقيق أهدافهم. وبالنظر إلى نفوذ باكستان داخل طالبان، فإنها ستستمر تدخلاتها في المستقبل، وستشتد الخلافات بين الجماعة وحلفائها السابقين. ومنذ أن كان النزاع الحدودي على خط دوراند بين أفغانستان وباكستان قائمًا منذ سنوات عديدة، أصبحت أفغانستان تشكل تهديدًا رئيسيًا لباكستان. ونتيجة لذلك، سعى المسؤولون الباكستانيون دائمًا إلى إبقاء التوترات داخل أفغانستان بين التيارات السياسية وطالبان من أجل صرف انتباههم عن القضايا الحدودية. وبالنظر إلى تاريخ جماعة حقاني الحافل بالعنف وإدراجها في قائمة الجماعات الإرهابية، تعتبر هذه الجماعة رقعة محرجة في الحكومة وستظل مشكلة رئيسية لطالبان، والتي ستكلف أفغانستان غالياً للتخلص منها. إن روابط حقاني السرية بإرهابيي داعش، ستضطر طالبان إلى قضاء الوقت الطويل في التعامل مع التهديدات الإرهابية بدلاً من إدارة البلاد.