الوقت - بينما تحاول بعض الدول العربية تطبيع علاقاتها مع الکيان الصهيوني بأسرع وقت ممكن، تم الكشف في الأيام الأخيرة عن جريمة قديمة ارتكبها الصهاينة، يمكن أن يكون لها تأثير سلبي على العلاقات بين الکيان الصهيوني والعرب.
بعد أكثر من خمسين عامًا، كشفت إحدی وسائل الإعلام التابعة للكيان الصهيوني أنه خلال حرب 1967 مع الدول العربية، قام جيش الکيان بدفن جثث بعض الجنود المصريين في مقبرة جماعية، ثم قام ببناء موقف للسيارات عليها.
احتل الکيان الصهيوني هذه المنطقة خلال حرب عام 1967، وشرَّد سكان قراها الثلاث الشهيرة "عمواس ويالو والمجدل"، وأوجد مناطق غابية فيها.
وفي الثمانينيات، بنت إسرائيل منتجعًا صغيرًا في هذه المنطقة، يحتوي على نسخ طبق الأصل ومبان مصغرة مثل مدن مماثلة في بلدان أخرى حول العالم.
وقال جندي صهيوني سابق، ربما كان حاضرًا وقت الجريمة، إن من تمَّ إحضارهم ودفنهم في مقبرة جماعية كانوا جنودًا تم حرقهم، لأن هذه المنطقة كانت مليئةً بالأشواك والأعشاب بارتفاع متر ونصف، واشتعلت النيران في الأشواك بسرعة.
ويقال إن نحو 20 جنديًا مصريًا أسرهم الصهاينة ذبحوا على أيدي الصهاينة، وهذا الکيان قد كتم هذه الجريمة حتى الآن.
كانت حرب 1967 هي الحرب الثالثة في سلسلة المعارك بين العرب والکيان الصهيوني، والتي بدأت بهجوم جوي إسرائيلي مفاجئ على القواعد الجوية المصرية في 5 يونيو 1967، ونجح الکيان في إخراج قطاع غزة وصحراء سيناء من سيطرة مصر، والقدس الشرقية والضفة الغربية لنهر الأردن من سيطرة الأردن، ومرتفعات الجولان من سيطرة سوريا، وحتى الآن لا تزال هذه المناطق محتلة من قبل الصهاينة.
فضح المقبرة الجماعية للجنود المصريين ليس المثال الوحيد لمثل هذه الجرائم، وتاريخ الکيان الصهيوني المزيف مليء بالمجازر التي ارتكبت بحق المسلمين في المنطقة في العقود الأخيرة.
وأعلن المؤرخون أن عدد المجازر التي ارتكبها الکيان الصهيوني تراوحت بين 10 و70، استهدفت بالأساس المدنيين وحتى القوافل الطبية. إضافة إلى ذلك، يعتبر المؤرخون الفلسطينيون 68 قرية ضحيةً لهذه المجازر.
كما تؤكد أرشيفات الكيان الصهيوني المجازر التي حدثت في القرى العربية، وأسوأها مجزرة "دير ياسين" عام 1948، عندما قتل الصهاينة 250 فلسطينياً.
رد فعل المصريين
نشر هذا النبأ نکأ جراح قلوب العرب وخاصةً الشعب المصري، وأثار موجةً من ردود الفعل المصرية ضد تل أبيب. ورداً على هذه الجريمة، طلبت الحكومة المصرية من سلطات تل أبيب تقديم تفسيرات منطقية.
كما أعلن المتحدث باسم الرئاسة المصرية، أن يائير لبيد رئيس وزراء الكيان الصهيوني أكد في اتصال هاتفي مع رئيس هذا البلد عبد الفتاح السيسي، أن الجانب الإسرائيلي سيتعامل مع هذه القضية بشفافية كاملة، وسيستمر التنسيق مع السلطات المصرية فيما يتعلق بتطورات هذه القضية للوصول إلى الحقيقة.
ورداً على هذه الجريمة، أعلنت حركة حماس أن "الكشف عن ارتكاب جيش الاحتلال الإسرائيلي لجريمة وحشية بعدوان 1967 تمثلت بإحراق عشرات الجنود المصريين وهم أحياء، يفضح حجم الإرهاب والسادية التي تحكم سلوكه في كل حروبه ضد أمتنا".
يأتي ادعاء الصهاينة للتحقيق في هذا المجال، في حين أنه في العقود الأخيرة تم الإبلاغ عن العديد من الجرائم من قبل جنود الکيان ضد الفلسطينيين وفي حروبهم الأربعة مع العرب، ولكن حتى الآن لم يتم التوصل إلى النتيجة المطلوبة.
ومن الأمثلة الواضحة على ذلك مقتل صحفية قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة، الذي نفذه الجيش الصهيوني مؤخرًا أمام الكاميرات وأمام أعين مئات الفلسطينيين، لكن في النهاية طمس التحقيق الأمريكي الصهيوني هذه الجريمة، وادعى أن الصحفية قتلت برصاصة ربما أطلقت من أسلحة إسرائيلية ولکن كانت عملاً غير مقصود.
لذلك، فإن التحقيق حول الجنود الذين قتلوا قبل 55 عامًا وكومة من التراب على أجسادهم، لن يقدم شيئًا. ومن المحتمل أن الصهاينة، ومن أجل تخفيف حساسية وضغط الرأي العام المصري، سينسبون هذا التصرف إلى جنودهم أثناء الحرب، ويحاولون التستر على هذه المأساة الإنسانية بدفع مبلغ لسلطات القاهرة.
وبينما تتمتع سلطات القاهرة بعلاقات وثيقة مع تل أبيب، ولکن كان عليها إظهار رد فعل حاسم على هذا الموقف تحت ضغط الرأي العام المصري. وأظهر رد فعل الحكومة المصرية أن الغضب العربي تجاه الصهاينة لا يزال حاداً في القلوب، ويغلي أمام جرائم هذا الکيان.
كامب ديفيد لم تغيِّر الرأي العام المصري
على الرغم من أن المصريين، عندما جلسوا حول طاولة مع الصهاينة ووقعوا اتفاقية "كامب ديفيد" المشينة، اعتقدوا أنهم بهذا العمل يمكن أن ينهوا التوترات العربية العبرية، إلا أن مرور الوقت أظهر أنه على عكس رجال الدولة العرب، فإن الرأي العام لا يميل إطلاقاً إلى قبول شرعية الاحتلال الصهيوني، وما زال يری أن إسرائيل هي أهم عدو للمسلمين.
كما اغتيل أنور السادات، رئيس مصر آنذاك والموقِّع علی كامب ديفيد، على يد قومي مصري، وهو ما أظهر أن الغضب والكراهية تجاه الصهاينة يسريان في دماء الأمة الإسلامية، وحتى إذا وافق القادة العرب على الاستسلام لتل أبيب، فإن الشعوب ليسوا على استعداد لمواكبة ذلك.
من ناحية أخرى، أظهر الكشف عن هذه الجرائم أن الجيش المصري لا يزال حساسًا تجاه التهديد الوجودي للکيان الصهيوني، ويرى أن أسلحة الدمار الشامل في تل أبيب، مثل الأسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية، تشكل تهديدًا لأمن مصر وسلامة أراضيها.
وعلى الرغم من أن السلطات الصهيونية تحاول إظهار نفسها كأصدقاء وحلفاء للمصريين في الظاهر، إلا أنهم في الخفاء لديهم عداء طويل الأمد للجيش المصري، ويسعون لإضعاف القوات المصرية حتى يتمكنوا من تعزيز أمنهم بشكل أكبر.
إن إضعاف الشعوب والجيوش الإسلامية هو مشروع إسرائيل طويل الأمد، ولن يختفي حتى مع تطبيع العلاقات، وخطة "من النيل إلى الفرات" تهدف إلى احتلال الأراضي العربية وحكم شعوب هذه المنطقة، ومنذ قيام الکيان الصهيوني المزيف كانت على رأس مخططات هذا الکيان.
وكلما قامت الحكومة المصرية برد جاد على جرائم تل أبيب ضد الفلسطينيين، يوقظ الإسرائيليون الخلايا النائمة للإرهابيين في صحراء سيناء لضرب الجيش المصري، وفي السنوات الأخيرة شهدنا مرات عديدة مثل هذه الإجراءات التي خططت لها تل أبيب.
وفي هذا الصدد، يمكن الإشارة إلى الهجمات الإرهابية على جنود مصريين في صحراء سيناء قبل شهرين، والتي قُتل خلالها 10 جنود مصريين وأصيب عدد آخر.
وکتبت صحيفة "رأي اليوم" حينها في تقرير، أن المراقبين الإقليميين أجمعوا على اعتقادهم أن الکيان الإسرائيلي يقف وراء هذا الهجوم وغيره من الاعتداءات المماثلة التي تستهدف الجيش المصري في منطقة سيناء وأماكن أخرى، لأن هذا الجيش هو الجيش العربي الوحيد الذي يواصل العمل بقوة وتماسك، بعد إضعاف الجيش العراقي وتآكل الجيش السوري في حرب الـ 11 عامًا على هذا البلد، ويعتبر تهديدًا خطيرًا للصهاينة.
لذلك، يمكن القول إنه على الرغم من العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة وتل أبيب، فإن العداء بين الجانبين لا يزال قائماً، والصهاينة لا يتحملون أي قوة حول الأراضي المحتلة، ويحاولون بكل قوتهم القضاء عليها وإضعافها.
إن فضح جرائم من هذا النوع، والتي توجد بكثرة في سجل الکيان الصهيوني، هو تحذير لقادة العرب الذين يميلون إلی التسوية، من أن الصهاينة لا يلتزمون بأي قيود إنسانية في مواجهة العرب، وهذه الجرائم لن تكون موجهةً فقط لشعب مصر وفلسطين، وأن الأنظمة العربية الأخرى لن تكون في مأمن من جرائم تل أبيب، وقد يعيد التاريخ نفسه في المستقبل لهذه الأنظمة أيضًا.