الوقت - بعد سنوات من بيع النفط بحرية من قبل حكومة شمال العراق شبه المستقلة بسبب الافتقار إلى الإشراف والمساءلة من الحكومة المركزية، يبدو الآن أن العواصف العنيفة في الطريق، وعلى أربيل أن تستعد لنهاية حقبة بيع موارد الإقليم بحرية.
الهجمات الصاروخية التي وقعت الأسبوع الماضي على حقل "كورمور" الغازي في مدينة "جمجمال" بمحافظة السليمانية، أدت إلى إشعال الصراع مرةً أخرى بين بغداد وأربيل حول إدارة حقول النفط والغاز في كردستان العراق، حيث توقفت بعض شركات النفط عن أنشطتها في هذا المجال خشية تفاقم الوضع.
تعدّ شركة "شلمبرجير" الدولية للنفط(أميركية ـ فرنسية)، ثاني شركة نفط دولية بعد شركة "بيكر هيوز" التي أعلنت انسحابها من حقول النفط والغاز في إقليم كردستان العراق هذا الأسبوع.
من جهة أخرى، أعلنت وسائل إعلام عراقية، أن شركة "دانة غاز"، أهم شركة إماراتية مستثمرة في قطاع الغاز بإقليم كردستان العراق، أوقفت أنشطتها في حقل "كورمور" الغازي.
كورمور هو واحد من أكبر مشاريع الغاز في كردستان العراق، وينتج نحو 452 مليون قدم مكعب من الغاز يومياً. و"دانة غاز" و"کرسنت بترولیوم" هما المشغلان المشتركان لحقلي كورمور وشيمي مول للغاز نيابةً عن شركة كونسورتيوم بيرل بتروليوم.
كما توقعت وسائل الإعلام العراقية أن تخضع شركة النفط الأمريكية "هاليبرتون" لحكم المحكمة المركزية العراقية، وتتوقف عن الاستثمار في كردستان العراق.
لكن تعليق نشاط هذه الشركات يجب أن يُنظر إليه على أنه تداعيات حكم المحكمة العراقية العليا بشأن البيع المستقل للموارد الهيدروكربونية من قبل حكومة الإقليم، الصادر في شباط الماضي، والذي يستمر حتى يومنا هذا.
وفقًا لأمر أعلى سلطة قضائية في العراق، فإن القانون الذي سمح لإقليم كردستان العراق شبه المستقل بإدارة وتجارة موارده من النفط والغاز "غير قانوني"، ويجب على أربيل تسليم كل إنتاجها من الهيدروكربونات إلى الحكومة الفيدرالية لهذا البلد.
أدى حكم المحكمة الاتحادية العراقية إلى توتر لفظي بين بغداد وأربيل حينها، حيث طعن قرار المحكمة الاتحادية في العقود التي وقعها الإقليم مع شركات النفط العالمية. حالياً، تعمل أكثر من 30 شركة نفطية في هذه المنطقة على أساس عقود طويلة الأجل مع إقليم كردستان.
وفي الشهر الماضي(أيار)، اقترحت وزارة النفط العراقية الاتحادية إنشاء شركة نفط جديدة في إقليم كردستان. وبشكل أكثر دقةً، وفقًا للتقارير، تطلب بغداد من إقليم كردستان السماح لشركة سومو بفتح مكتب لها في الإقليم، ووضع صادراته النفطية تحت إشراف الحكومة المركزية.
وأعلنت وزارة النفط العراقية في 12 مايو/أيار، أن تحليلاً لعقود التنقيب أظهر أن الشروط المالية في الصفقات الموقعة من قبل الحكومة الفيدرالية، كانت أفضل من تلك الخاصة بحكومة إقليم كردستان.
حسب معطيات وزارة النفط العراقية، صدرت أربيل 454 ألف برميل يوميًا من النفط الخام عبر ميناء جيهان التركي في أبريل، من إجمالي 3.834 ملايين برميل يوميًا في العراق.
وهذا يظهر انخفاضاً ملحوظاً في الإنتاج بالقياس إلی الذروة التي بلغت 600 ألف برميل يوميًا في أواخر عام 2017، قبل أن يستعيد الجيش العراقي العديد من حقول النفط في محافظة كركوك من قوات البشمركة التابعة للإقليم، والتي ادعت أنها استولت عليها عندما تمت الإطاحة بتنظيم داعش الإرهابي.
وبناءً على ذلك، فإن الحكومة ووزارة النفط العراقية، وبناءً على قرار المحكمة الاتحادية العراقية، تطالب حكومة إقليم كردستان أولاً بإلغاء قانون النفط والغاز لإقليم كردستان(رقم 22 لعام 2007)، والذي أبرمت بموجبه عقود مشاركة في الإنتاج مع شركات النفط الدولية.
ثانياً، لوزارة النفط الاتحادية الحق في متابعة أي عقود تبرمها حكومة إقليم كردستان العراق مع أطراف ثالثة، فيما يتعلق بالتنقيب عن النفط واستخراجه وتصديره وبيعه.
ثالثاً، لوزارة النفط وهيئة الرقابة الاتحادية العليا الحق في مراجعة أي عقد نفطي أبرمته حكومة إقليم كردستان. ورابعاً، على أربيل تسليم كل إنتاج النفط الذي استخرجته من حقول النفط إلى الحكومة الاتحادية.
وبينما تلجأ سلطات كردستان إلى المادتين 112 و 115 من الدستور العراقي لإدارة موارد النفط والغاز، بالقول إن "جميع الصلاحيات غير المنصوص عليها في السلطات المحلية الحصرية للحكومة الاتحادية هي ملك لسلطات الإقليم"، تشير بغداد وشركة النفط الحكومية العراقية(سومو) إلى المادة 111 التي تنص على أن "الغاز والنفط ملك لكل العراقيين في جميع المناطق والمحافظات".
بعد قرار المحكمة في 26 فبراير/شباط 2022، أمر وزير النفط العراقي بتشكيل لجنة لتنفيذ حكم المحكمة. ثم في 24 مارس/آذار 2022، أمر وزير النفط بحكومة إقليم كردستان بإرسال نسخ من جميع عقود النفط والغاز التي وقعها الإقليم منذ عام 2004 إلى بغداد لمراجعتها.
بعد ذلك، في 12 حزيران/يونيو، أجرى نائب وزير النفط العراقي كريم حطاب اتصالات مع جميع شركات النفط والغاز الأجنبية العاملة في العراق - في مختلف المجالات من الخدمات اللوجستية والاستشارات إلى الخدمات - للمطالبة بالتزامها بعدم العمل في إقليم كردستان العراق.
وأكد حطاب في بيان موجه لجميع الشركات: بالنسبة للعقود أو المشاريع القائمة في إقليم كردستان، على الشركات أن تتعهد بإلغائها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ الإخطار.
وفي بداية الشهر نفسه(حزيران)، بدأت المحكمة التجارية التابعة لمحكمة الاستئناف الاتحادية العراقية، التحقيق في الشكاوى المقدمة من وزارة النفط العراقية ضد سبع شركات نفط وغاز أجنبية تعمل في إقليم كردستان.
وکانت شرکات Western Zakros، Sharman، DNO، Genel Energy، HKN، AWACS و Golf Keystone، من الشركات التي تم استدعاؤها للمحكمة المختصة بتهمة العمل في البلاد خارج معايير الدستور العراقي.
ويأتي هذا الحدث في وضع يواجه فيه العراق أزمةً سياسيةً وخلافات حزبية حول تشكيل الحكومة منذ أشهر، ولا شك أنه ستكون قضية الطاقة من أهم الخيارات المطروحة على طاولة المفاوضات بين الأكراد والقوی الداعية للتحالف.
من ناحية أخرى، لدى كل من الحكومة العراقية وحكومة الإقليم مخاوف من شكاوى الشركات المستثمرة للهيئات الدولية المختصة وطلبات تعويضات كبيرة، ما يعزز الميل لحل الأمر على طاولة المفاوضات؛ الأمر الذي يدل على أن وصول غاز الإقليم إلى الأسواق الدولية أمامه طريق طويل.