الوقت- سلطت العديد من التقارير الضوء على حالات الانتحار المتزايدة في أوساط الجنود الاسرائيليين، حيث كشفت أن معدل حالات الانتحار تزايد في الفترة الاخيرة بشكل كبير. وإضافة إلى التقارير التي تحدثت عن زيادة حالات الانتحار تم نشر العديد من التقارير ايضاً التي تحدثت أن أغلب الاسرائيليين مصابين بأمراض نفسية معقدة جداً ، وقال أطباء الامراض النفسية إن هناك علاقة كبيرة بين الأزمات النفسية المنتشرة في أوساط الجنود الاسرائيليين و تزايد حالات الانتحار، حيث يؤكد أطباء النفس أن الامراض والازمات التي يعاني منها الجنود أثرت بشكل كبير على طبيعة حياتهم، فعدد كبير من الجنود الذين يعانون من مشاكل نفسية كانوا ضحية لظاهرة الانتحار .
تزايد حالات الانتحار
وجدت دراسة أن العديد من حالات الانتحار في جيش الاحتلال الإسرائيلي لم يتم تشخيصها فقط باضطراب نفسي، بل إن معظم الجنود الذين انتحروا عانوا مدة طويلة من قلق بشأن المستقبل، وعاشوا حالة إحباط مستمرة وارتباكاً شديداً وشعوراً بعدم الانتماء للإطار العسكري، وفي هذا السياق فقد أظهرت إحصاءات رسمية لمركز الأبحاث في الكنيست أن إسرائيل تسجل 500 حالة انتحار سنويا، منها مئة حالة تسجل في صفوف جيل الشباب من 15 إلى 24 عاما.ويعتبر الانتحار سبب الوفاة الثاني لدى الفئة العمرية حتى منتصف العشرينيات التي تنخرط في جيش الاحتلال الإسرائيلي، سواء من فترة التأهيل بالتعليم الثانوي للتجنيد أو خلال الخدمة العسكرية الإلزامية وحتى في خدمة الاحتياط.
وتظهر الإحصاءات أن الانتحار ما زال هو السبب المركزي للوفاة في صفوف جنود الجيش الإسرائيلي، إذ شهدت هذه الظاهرة تصاعدا في السنوات الأخيرة رغم تراجعها في العام 2020 خلال جائحة كورونا، بتسجيل 9 حالات انتحار فقط من أصل 28 حالة وفاة سجلت بصفوف الجنود.لكن يبدو أن عدد حالات الانتحار في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي أعلى من ذلك، لأنه في بعض الحالات يتم توثيق الانتحار على أنه حادث تدريب أو غيره، ما يعني تعمد التكتم على الأعداد الحقيقية للجنود المنتحرين.
الدوافع والأسباب
انتشار ظاهرة الانتحار في جيش الاحتلال الإسرائيلي، لها العديد من الدوافع والأسباب، حيث إنه وكما تم التأكيد مسبقاً أنه لا يمكن عزل ظاهرة انتحار الجنود عن تفشي الامراض النفسية المعقدة في المجتمع الإسرائيلي، هنا يمكن القول إن أسباب الانتحار في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي تعود إلى انتشار الظاهرة في المجتمع الإسرائيلي وبين اليهود من مختلف الطوائف والشرائح العمرية والطبقات الاجتماعية، وذلك لأسباب نفسية واجتماعية واقتصادية ولا سيما مع ارتفاع معدلات البطالة والفقر. حيث أظهرت الإحصاءات الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة الإسرائيلية تسجيل 6215 محاولة انتحار خلال عام 2020، مع تراجع بنسبة 9% عن العام 2019 الذي سجلت خلاله 6861 محاولة انتحار.ويعود هذا التراجع إلى الإغلاق الذي شهدته إسرائيل خلال الجائحة، وتخصيص العيادات والمستشفيات في البلاد لمعالجة مرضى كورونا.
من جهةٍ اخرى تقول التقارير إن تنامي الاضطرابات النفسية بصفوف الجنود هو السبب الرئيسي للإقدام على الانتحار، ويعود ذلك لضغوط نفسية واجتماعية وكذلك أمنية وحالة الحرب والاقتتال المتواصلة.ووجدت دراسة أن العديد من حالات الانتحار في الجيش لم يتم تشخيصها فقط باضطراب نفسي، إذ إن معظم الجنود الذين انتحروا عانوا مدة طويلة من قلق بشأن المستقبل، وعاشوا حالة إحباط مستمر، وارتباكا شديدا، وشعورا بعدم الانتماء للإطار العسكري.وتشير البيانات إلى أنه خلال عام 2020 تم تسجيل 1710 طلبات من الجنود للحصول على خدمات صحة نفسية وعقلية، وصنّف 26 جنديا بأنهم في دائرة الخطر الشديد وتم إنقاذهم من الانتحار. وتعتبر الخدمة العسكرية عامل ضغط كبير عندما يتعلق الأمر بالخدمة القتالية والحالة الأمنية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، حيث تكون حياة الجندي في خطر.يضاف إلى ذلك الحاجة للتعامل مع الضباط بالجيش، ومع الأوامر والانضباط، والانفصال عن الوالدين والأصدقاء، وهذا من شأنه أن يسبب الاكتئاب والاضطراب النفسي الشديد، وفي كثير من الحالات يتم تركه دون تشخيص.فمن الأسباب التي تدفع الجنود الإسرائيليين للانتحار الشعور بالغربة وعدم الانتماء للإطار العسكري.
حالات الانتحار منذ بداية عام 2022.
أفادت هيئة البث الرسمية العبرية "كان" بأن عدد حالات الانتحار في الجيش الإسرائيلي سجلت قفزة في غضون نصف عام، حيث انتحر 11 جنديا منذ بداية عام 2022.وأشارت إلى أنه خلال العام المنصرم انتحر 11 جنديا وفي عام 2020 انتحر 9 جنود، وذكرت الهيئة أن رئيس قسم القوة العاملة في الجيش الإسرائيلي، يانيف عاشور، عقد جلسة طارئة مع مسؤولي الصحة النفسية لدراسة الأسباب التي أدت إلى هذا الارتفاع المقلق لهذه الحالات من الانتحار وارتباطها مع فترة كورونا ومتغيرات أخرى.وأضافت إنه "لم يصدر من الجلسة أي استنتاج واضح، لكن قادة الجيش أمروا بمضاعفة اليقظة والانتباه إلى الموضوع".وتابعت إن عاشور أمر بفتح خط ساخن للجيش الإسرائيلي.
وفي السياق نفسه فإن معدل حالات الانتحار التي سجلت في العقد الأخير في الكيان الصهيوني منذ 2010 حتى 2020 سجلت 5380 حالة انتحار، بمعدل 500 انتحار في كل عام تقريبا، منها مئة انتحار سنويا في صفوف جنود الجيش الإسرائيلي، علما أن الانتحار في صفوف اليهود الفلاشا أكثر 4 أضعاف من حالات الانتحار بين مختلف اليهود.وتظهر البيانات أن 80% من حالات الانتحار سجلت بصفوف الذكور و20% عند الإناث، وأن 60% من حالات الانتحار سجلت لدى الفئة العمرية من المرحلة الثانوية إلى عمر 26 عاما، وهي الفترات التي يتم فيها التأهيل للانخراط في الجيش أو فترة الخدمة العسكرية الإجبارية وكذلك فترة الخدمة بصفوف جيش الاحتياط.وتشير الإحصاءات إلى أن المجموعات السكانية الموجودة في دائرة خطر الانتحار هي في صفوف اليهود المهاجرين سواء من روسيا أو يهود الفلاشا وأفريقيا، وكذلك في صفوف المسنين والشريحة العمرية 75 عاما، وذلك لأسباب اقتصادية واجتماعية وشعورهم بالغربة في المجتمع الإسرائيلي
الفشل في تقليص ظاهرة الانتحار
رغم التكتم على تفشي وخطورة ظاهرة الانتحار على الجيش الصهيوني، يأخذ جيش الاحتلال الإسرائيلي هذه الظاهرة على محمل الجد، ويستثمر الكثير من الموارد للحد منها. ولكنه في المقابل فشل فشلاً ذريعاً في تقليص هذه الظاهرة فعلى الرغم من أنه في عام 2005 أسس جيش الاحتلال وحدة مختصة بالصحة النفسية، أطلقت برنامجا لمنع وتقليل حالات الانتحار في صفوف جنوده، كما تمت زيادة عدد ضباط الصحة النفسية المنتشرين في الوحدات الميدانية وعلى المستوى الميداني وخلال المعارك والقتال.وسعيا ايضاً لتقليص حالات الانتحار، قامت دائرة الصحة النفسية في الجيش بتجريد الجنود من الأسلحة، وتشكيل فرقة "حراس البوابة" بمختلف الوحدات العسكرية، مهمتها زيادة الوعي بشأن الاضطرابات النفسية وظاهرة الانتحار، عبر عقد محاضرات لتشخيص الحالات بغية إكساب الضباط والجنود الوعي والمهارات لمواجهة الحالات النفسية وأي ضائقة قد يمرون بها.كذلك تتم الاستعانة بالوسائل التكنولوجية، ومتابعة ورصد كتابات الجنود على شبكات التواصل الاجتماعي، واستخدام آليات إلكترونية لتحديد مكان الجنود المفقودين، أو الذين يوجدون في دائرة الخطر.
في الختام وما لا يخفى على أحد أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يتعمد دائماً حجب الحقائق بشأن تفشي ظاهرة الانتحار، ويتكتم على الأعداد الرسمية والحقيقية للجنود الذين يقدمون على الانتحار سنويا، ويبقى الانتحار هو السبب الرئيسي للوفاة بالجيش إذا لم يكن هناك حروب أو حملات عسكرية. في هذا السياق تقول مصادر اسرائيلية أن التكتم يأتي لأسباب أمنية ومن أجل الحفاظ على الدافع لدى الشباب للالتحاق والانخراط في الخدمة العسكرية الإجبارية، وأيضا من أجل الحفاظ على مشاعر الطوائف اليهودية المتدينة والمحافظة، ولضمان استمرار تطوع المئات من أبناء الجاليات اليهودية حول العالم في الجيش الإسرائيلي.