الوقت_ في الوقت الذي تستعد فيه تركيا لشنّ عملية عسكريّة جديدة في الشمال السوريّ على حدودها الجنوبيّة، لاستكمال ما تُسميه "المنطقة الآمنة" التي تسعى إليها هناك، تندلع اشتباكات كثيرة بين جماعات المعارضة أو "الجيش الحر" قبل الهجوم التركي الموعود، فيما لا ترغب أنقرة بأيّ تشويش كما يقول محللون على عمليتها العسكرية المقبلة، فيما تتحدث وسائل إعلام نقلاً عن الأهالي ومصادر من قوات المعارضة السورية أنّ اشتباكات بين فصائل المعارضة السورية المسلحة المدعومة من تركيا انتهت يوم الأحد الفائت بعد الاتفاق على "هدنة"، والفصائل الإسلاميّة المشدّدة المتحاربة فيما بينها هي "فيلق الشام" و"الجبهة الشامية" و"جيش الإسلام" و"أحرار الشام"، وتعتبر جزءا من جماعات إرهابيّة أكبر وضمن تحالف ما يُطلق على نفسه "الجيش السوري الحر" لجماعات المعارضة الإسلاميّة المسلحة المدعومة من الأتراك.
بينما يحشد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لشن عملية عسكرية واسعة في الشمال السوريّ، لإزالة خطر الإرهاب عن الحدود الجنوبية لتركيا حسب زعمه، لقي 8 أشخاص على الأقل حتفهم وأصيب العشرات السبت المنصرم، في قتال بين الفصائل الإسلامية السورية التابعة لتركيا بالقرب من مدينة الباب في محافظة حلب شمال غرب سوريا، ولولا تدخل "الآمر" التركيّ لما توصلت القوات الإسلاميّة المتشدّدة لاتفاق الهدنة، وخاصة أن تركيا تحتفظ بالآلاف من القوات داخل شمال غرب سوريا، حسب الإعلام الغربيّ.
وإنّ تفاصيل الخلاف أشار إليها بوضوح الإعلام الرسميّ السوريّ، حيث بيّن أن خلافاً وقع بين مجموعات إرهابية تابعة للاحتلال التركي في قرية تل ذايب بمنطقة رأس العين المحتلة، للسيطرة على محطة محروقات ومساحة من الأراضي المحيطة، وتطور الخلاف إلى اندلاع اقتتال عنيف بمختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، ودفعت الاشتباكات ما تسمى "هيئة تحرير الشام" أو "جبهة النصرة" الفرع السابق لتنظيم القاعدة، إلى الانتشار في مناطق خاضعة لسيطرة خصومها في الجيش السوري الحر التابع لتركيا، ما أثار مخاوفاً من سعيها للتوسع خارج المناطق التي تسيطر عليها في محافظة إدلب إلى منطقة عفرين، وقالت مصادر محلية حسب مواقع إخباريّة، إن هيئة تحرير الشام، أرسلت جزءاً من قواتها إلى منطقة عفرين لمساندة حركة أحرار الشام ضد الجبهة الشامية، مشيرة إلى أن العديد من الطرق في مناطق عفرين وأعزاز أغلقت بسبب المواجهات الأخيرة.
وبعد أنّ فرضت تركيا هدنتها على عصاباتها الإسلاميّة المتشدّدة، أعادت الفصائل الإرهابيّة مقرات أحرار الشام وعادت إلى مواقعها السابقة، وأنهى الاتفاق مؤقتاً شبح إطالة أمد القتال، حيث إنّ منطقة شمال غرب سوريا بالقرب من الحدود التركية هي المنطقة الأخيرة التي لا تزال في أيدي الجماعات الإرهابيّة التي تعمل بإمرة أنقرة لتحقيق مصالحها القذرة في سوريا بعد أن فشلت كل مساعي جماعة الإخوان ومن مثلها في استغلال أحداث عام 2011 ومدّ "الجماعات الجهاديّة" المتشدّدة بكل ما هو ممكن لإسقاط "معادلة سوريا"، لتبقى السيطرة مقسمة بين الجماعات الإرهابيّة المدعومة من تركيا.
وتسيطر فصائل المعارضة السورية التابعة لأنقرة على مناطق عفرين وريف حلب الشرقي والرقة الشمالي والحسكة الغربيّ، في حين تسيطر هيئة تحرير الشام وجناحها المدنيّ "حكومة الإنقاذ" على مدينة إدلب وريفها، وتوجد بعض الفصائل المتحالفة معها في خطوط التماس مع القوات الحكوميّة في ريف إدلب وحماة واللاذقية، وتفصل التوجهات أو الاختلافات الأيّديولوجيّة بين الإسلاميين المسلحين وجماعات المعارضة المدعومة من تركيا التي نفذت بمساعدة القوات السوريّة التي تسير بإمرتها أربع عمليات في شمال سوريا منذ عام 2016، واحتلت مئات الكيلومترات من الأراضي السوريّة، ويقول قادة المسلحين السوريين: "كثفنا استعدادنا لدعم أيّ توغل تركيّ".
أما على المستوى السوريّ، يتقرب السياسيون الأكراد من دمشق لردع العمليّة التركيّة بعد سنوات من الارتهان لأميركا، في وقت تشدّد فيه سوريا على ضرورة ضمان المجتمع الدوليّ عدم وصول الأسلحة بما فيها الصغيرة والخفيفة إلى التنظيمات الإرهابيّة فيها، لختم الانتصارات الكبيرة التي حققها الجيش العربيّ السوريّ والقوات الرديفة والداعمة من محور المقاومة في الميدان العسكريّ بعد دحر المجموعات الإرهابيّة المسلحة في أغلب المناطق السورية وسيطرته على معظم مساحة البلاد، ما أدى إلى وصول دمشق إلى مرحلة سياسيّة وعسكريّة مهمة ربما تكون "فاتحة خير" لتحرير كامل الأراضي السوريّة، في حال اقتنعت بعض الدول بكسر تآمرها غير المسبوق.
ومن ناحية المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السوريّة، لا تخفي دمشق نيتها استعادة الأراضي المتبقية من الفصائل الإرهابيّة والمسلحة سواء في المناطق الشماليّة الشرقيّة التي تسيطر عليها بعض الجماعات الكرديّة الانفصاليّة، أو المناطق الشماليّة الغربيّة التي تسيطر عليها بعض الجماعات الإرهابيّة والمسلحة المدعومة من تركيا، وقد أشارت الجمهوريّة السوريّة إلى أن دولاً معروفة قامت على مدى السنوات العشر الماضية بإمداد تلك التنظيمات وفي مقدمتها "داعش" و"جبهة النصرة" بمختلف أنواع الأسلحة وكان لهذا النهج العدوانيّ آثار جسيمة في إطالة أمد الأزمة السوريّة وإزهاق أرواح آلاف الأبرياء.
نتيجة لكل ما ذُكر، إنّ ما تشهده المعارضة السوريّة المسلحة والتنظيمات الإرهابيّة المنخرطة معها في خندق تركيا من اقتتال داخليّ، عانت منه المعارضة منذ بدء أحداث ما يُطلق عليه "الربيع العربيّ" الذي لم يكن له من اسمه نصيب في عام 2011، بعد أن حولت بعض الدول العربية والغربيّة سوريا إلى ساحة مفتوحة أمام مختلف التنظيمات الإرهابيّة وعلى رأسها تنظيمات داعش والنصرة والقاعدة المتطرف، رغم أنّها تشكل خطراً حقيقيّاً ليس فقط على سوريا وأمنها القوميّ، بل أيضاً على الدول المجاورة والداعمة بشكل كامل، فيما تؤكّد دمشق على أهمية تحرير كامل التراب السوري من أي شكل من أشكال الاحتلال.