الوقت - "فجأة سيحلّ ليل على رؤوسهم"، هذا التصريح الأخير للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشأن عملية تركية محتملة على الأراضي السورية، وتستعد الآن القوات المسلحة التركية، إلى جانب الجيش السوري الحر، لشن الهجوم الرابع على الحدود السورية.
بالطبع لا بد من القول إن استعداد أنقرة لبدء عملية جديدة لا علاقة له بالأيام الأخيرة، وفي الحقيقة كانت تركيا تكافح من أجل غزو الأراضي السورية قبل الأزمة الأوكرانية. في نوفمبر من العام الماضي، ذكرت وسائل إعلام تركية أن قادة الجيش السوري التقوا بمسؤولين أتراك في أنقرة لمراجعة تفاصيل العملية. والآن، حسب الصحيفة التركية، تعتزم أنقرة إجراء عمليات في تل رفعت ومنبج وعين العرب والقامشلي ومحيط القامشلي حتى الحدود العراقية، وإنشاء ممر آمن من نهر دجلة إلى إدلب بعمق 30 كم؛ الغرض الأساسي من هذه العملية هو تطهير المنطقة، وعودة اللاجئين السوريين وإعادة توطينهم. كما تم الإعلان أنه من المتوقع أن يشارك نحو 50 ألف جندي في العملية.
لكن السؤال ما هو السبب الرئيسي وراء قيام أنقرة بعمليات في سوريا في ظل الوضع الراهن؟ الحقيقة هي أن القتال ضد جماعة حزب العمال الكردستاني وما تدعيه تركيا بشأن ارتباط بعض الأكراد السوريين بهذه المجموعة هو أحد الأهداف القديمة والمبدئية لتركيا، والتي يدعمها المجتمع التركي أيضًا؛ لذلك، يمكن أن يكون لتنفيذ العمليات في سوريا تأثير مباشر على سلة أصوات حزب العدالة والتنمية، تمامًا كما كان لتنفيذ أي عملية في سوريا تأثير على شعبية الحزب. لقد رأينا مثالاً على ذلك في الانتخابات المبكرة في تركيا عام 2018، والتي جرت خلال عملية غصن الزيتون وتمكنت من التأثير بشكل إيجابي على عدد الأصوات المؤيدة لأردوغان. كما أعلن أردوغان عن خطة لإنشاء منطقة آمنة وإعادة اللاجئين السوريين في عام 2019، لكنه لم يحقق هدفه في ذلك الوقت، ويبدو هذه المرة أنه ينوي الانتهاء من هدف تهيئة الظروف لعودة السوريين. لكن محللين يقولون إن إعادة توطين المهاجرين السوريين في المناطق الحدودية السورية تعني تخريب النسيج السكاني للبلاد، ويستشهد المسؤولون السوريون بهذا كمثال واضح على الاحتلال. إن تصميم أنقرة على إطلاق عملية جديدة في سوريا في وقت تستمر فيه الحرب الأوكرانية وتولي الحكومات اهتمامًا للتطورات في كييف يظهر أن أردوغان يحاول اغتنام هذه الفرصة ومهاجمة سوريا.
إحياء سياسة عبد الحميد الثاني في سوريا
لكن بإلقاء نظرة على سياسة الحكومة التركية في سوريا، يمكننا أن نرى بسهولة أن ما تم تبنيه في موقف أنقرة من التطورات في سوريا يشبه السياسة الخارجية للسلطان العثماني الأخير، عبد الحميد الثاني، الذي لدى أردوغان نفسه احترام خاص له، وتم إنتاج العديد من المسلسلات والأفلام الوثائقية عن عبد الحميد ثاني وبثها بناءً على أوامر شخصية من اردوغان. إذا أردنا إعطاء وصف عام لنوع سياسة آخر سلاطين الحكومة العثمانية وتشابه هذه السياسة مع سلوك أردوغان، يجب أن نقول إن عبد الحميد الثاني كان له معيار مزدوج في سياسته الخارجية. قبل مئة عام حاول السلطان عبد الحميد التعاون مع كل الحكومات الغربية من خلال موازنة القوى الغربية الكبرى والاستفادة من خلافاتهم بغض النظر عن تضارب المصالح بينه وبينها وهو نوع من التناقض في السياسة الخارجية لذلك السلطان العثماني. باختصار، كانت سياسة عبد الحميد هي "اعتماد قوة عظمى على أخرى". على الرغم من أن هذه السياسة أدت إلى استمرارية الحكومة العثمانية لفترة قصيرة، إلا أنها لم تستغرق وقتًا طويلاً حتى نهاية الحكم وبداية انهيار الدولة العثمانية. والآن ينتهج أردوغان السياسة نفسها في سوريا دون أن يتعلم مما حدث للسلطان عبد الحميد. وهذا يعني أن تركيا لديها معايير مزدوجة تجاه روسيا والولايات المتحدة كقوتين عظميين، لأن حكومة أنقرة، على الرغم من تعاونها مع روسيا وإيران في قمة أستانا، تتعاون أيضًا مع الولايات المتحدة. بالطبع، هذا السلوك المزدوج ليس فقط ضد روسيا والولايات المتحدة، على سبيل المثال، يزعم أردوغان أنه يدعم وحدة أراضي سوريا، لكنه يغزو دمشق دون تنسيق مع الحكومة. وتنتقد أنقرة دعم واشنطن للقوى الإرهابية، لكنها تظل حليفًا لها في المنطقة وفي سوريا.
يشار إلى أن تركيا تشترك في حدود طولها 911 كيلومترًا مع سوريا، وهي أطول حدود برية لتركيا، وسوريا بوابة لتركيا لدخول الشرق الأوسط. لذلك فإن أي تطورات سياسية واجتماعية واقتصادية في سوريا تؤثر على تركيا، لكن أنقرة بدأت تتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد وتعمق الأزمة في سوريا، بغض النظر عن هذا الموضوع، مع بدء الأزمة في سوريا عام 2011. وبينما تدعي تركيا أنها تحافظ على وحدة أراضي سوريا، التي تواصل احتلال أراضيها. هذه تساؤلات حول السلوك المتناقض للحكومة التركية في سوريا، ما يدل على أن سلوك سياسة أردوغان الخارجية ليس من طبيعة العثمانية الجديدة، بل من نوع جديد من سياسة عبد الحميد الثاني.