الوقت - رغم مرور العراق بأزمة كورونا وزيادة عائداته المالية نتيجة ارتفاع أسعار النفط العالمية، إلا أن الأزمة مستمرة على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
واجه العراق في السنوات القليلة الماضية، رغم دخوله حقبة ما بعد داعش، العديد من المشاكل، ما أدى إلى اندلاع احتجاجات كبيرة في تشرين الأول / أكتوبر 2019. وهكذا، لم تستطع الجهود السياسية بتلبية مطالب المحتجين، والتي اتخذت شكل تنحية عادل عبد المهدي ووصول مصطفى الكاظمي إلى السلطة، حتى الآن أن تشفي آلام المجتمع العراقي التي لا حصر لها. في أعقاب انتخابات 10 أكتوبر 2021، كانت هناك أزمة مستمرة على مستويات مختلفة في العراق، تبعتها الأزمة البيئية التي زادت من المشاكل المتراكمة في هذا البلد. أصبح الوضع الآن أن الاضطرابات السياسية والبيئية والاقتصادية قد تفجر السخط العام في لحظة كالبارود، وقد نشهد مرة أخرى احتجاجات واسعة في الشوارع ضد أداء الحكومة. في الواقع، بلغت الأزمة ذروتها على المستوى الكلي للمجتمع العراقي، وتبدو الحاجة إلى تغيير الوضع السياسي في هذا البلد أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.
الأزمة السياسية واستمرار الأوضاع الاقتصادية السيئة في العراق
يعد فشل تشكيل حكومة جديدة بعد نحو سبعة أشهر ونصف الشهر من الانتخابات النيابية الخامسة أهم سبب للأزمة السياسية في البلاد. تسببت التيارات السياسية المفرطة في تآكل عملية تشكيل الحكومة الجديدة، كما أزعجت المواطنين العراقيين بالسياسات الحزبية في البلاد. ويعتقد جزء كبير من الشعب العراقي أن الفشل في تشكيل حكومة جديدة أدى إلى التسويف في الحكم السياسي وفشله في معالجة العديد من المشاكل والأزمات الداخلية. وفي هذا الصدد قال قيس الخزعلي الامين العام لعصائب اهل الحق في العراق في كلمة له أمس ان ما يحدث الان هو صراع سياسي وتنافس يدفع الناس ثمنه. واضاف ان "العراقيين يواجهون مشاكل حقيقية وهم بحاجة الى حكومة". يجب على المجموعات السياسية أن تتصالح مع الشعب من أجل تشكيل حكومة بسرعة.
في غضون ذلك، صدر قرار المحكمة الاتحادية العراقية (121/2022) بتاريخ 15 مايو 2022 في تفسير المادة (64-ثانياً) من الدستور، والذي بموجبه لا يمكن للحكومة الحالية (حكومة مصطفى الكاظمي) اتخاذ أي إجراء. ما أثر على المستقبل السياسي والاجتماعي والاقتصادي، بل إنه جعل من تشكيل الحكومة الجديدة معضلة سياسية للعراق أكبر من أي وقت مضى. في أعقاب الحكم الأخير الصادر عن المحكمة الفيدرالية، لم يعد بإمكان حكومة الكاظمي اتخاذ أي قرارات رئيسية وتلعب فقط دور حكومة "تصريف الأعمال" لإدارة الشؤون اليومية. يأتي كل هذا في وقت يحتاج فيه العراق إلى حكومة قوية لاتخاذ قرارات مهمة في مختلف المجالات. قد يصبح استمرار الوضع الحالي، الذي يقيد يد الحكومة عمليًا بتقديم مشروع قانون موازنة 2023، أرضية لأزمة في العراق في الأشهر القليلة المقبلة.
من ناحية أخرى، وعلى الرغم من إحصاءات صندوق النقد الدولي التي تظهر زيادة في عائدات العراق النفطية في حقبة ما قبل كورونا، فإن المشاكل الاقتصادية للشعب لا تزال عاملا في زيادة الاستياء. لا يزال ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة أوبك، وعلى الرغم من زيادة بنسبة 67 في المئة في أسعار النفط، يواجه تضخمًا بنسبة 6.9 في المئة في أسعار المواد الغذائية، واستمرار الفساد الاقتصادي العام في القطاعين على المستويين العام والخاص، ونقص فرص العمل للشباب بسبب المشاكل الهيكلية في صنع القرار الحكومي. في مثل هذه الحالة، يبدو أن السخط العام على وشك الانفجار بشكل أكثر خطورة من أي وقت مضى، والسبيل الوحيد لمنع مثل هذا الانفجار، هو إزالة العوائق أمام تشكيل حكومة وحدة وطنية قوية مع حضور كل التيارات السياسية العراقية.
الأزمة البيئية وضرورات تشكيل حكومة شاملة
إضافة إلى تعليق تشكيل الحكومة وتصاعد المشاكل الاقتصادية، فإن الأزمة البيئية الأخيرة ونقص الكهرباء في المستقبل القريب في الصيف من العوامل التي يمكن أن تؤدي إلى تفاقم الأزمة وإثارة الاحتجاجات الشعبية في العراق. في الأسابيع القليلة الماضية، اجتاحت عدة موجات من العواصف الترابية مدن عراقية، أدت في بعض الحالات إلى إغلاق المطارات، وحوادث سيارات خطيرة ووفيات، وأكثر من 5000 حالة ضيق في التنفس واضطرابات تنفسية حادة. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة أولاً إلى أن أنشطة داعش في المناطق الصحراوية بغرب العراق وسوريا، والتي حالت دون اتخاذ تدابير مثل التغطية أو التنمية الاقتصادية للمنطقة لمنع الهجرة القسرية للسكان المحليين، هي واحدة من أسباب أزمة الغبار. كما أن موضوع العواصف الترابية هو بالأساس قضية إقليمية ودولية تتطلب من الحكومة العراقية التفاوض مع الدول الأخرى. لذلك فإن معالجة هذه القضية الآن تتطلب تشكيل حكومة قوية بحضور جميع الفئات. في غضون ذلك، من واجب النخب السياسية العراقية اتخاذ خطوة نحو حل الخلافات السياسية وتشكيل حكومة وحدة وطنية قبل اندلاع الاحتجاجات الشعبية وتصبح الأوضاع في البلاد أكثر وأكثر خطورة.