الوقت – يعتبر استمرار وجود القوات التركية في العراق إلى جانب موضوع انسحاب قوات الاحتلال الأجنبية من القضايا التي ظلت في صلب اهتمام وسائل الإعلام والرأي العام العراقي خلال السنوات القليلة الماضية. وفي السنوات الأخيرة، انتهكت الحكومة التركية بشكل متكرر سيادة العراق من خلال شن هجمات جوية وبرية بذريعة محاربة جماعة حزب العمال الكردستاني الإرهابية. وقد دفع ذلك المسؤولين العراقيين إلى الإعراب مرارا عن استيائهم من هجمات أنقرة وحتى إحالة الأمر إلى المحافل الدولية.
كما أن المندوب العراقي لدى الأمم المتحدة، اشتكى، يوم الخميس الماضي، في اجتماع مجلس الأمن، رسمياً من الوجود العسكري التركي على أراضي بلاده. لكن إضافة إلى رفع شكوى والإجراءات القانونية، تبنى عدد كبير من القوى العراقية المقاومة المسلحة لاستمرار الاحتلال التركي للجزء الشمالي من هذا البلد. وحتى في الأشهر الأخيرة، شهدنا هجمات من قبل قوى المقاومة العراقية على مواقع عسكرية تركية، كان آخرها توجيه ضربة بطائرة مسيرة (الأحد) إلى القوات التركية في معسكر بعشيقة.
ولتسليط الضوء أكثر، أجرى موقع "الوقت" حوارا مع خبير الشؤون الاقليمية "حسن هاني زاده"، بهدف مناقشة أوضاع الوجود العسكري التركي في العراق.
أهداف تركيا التوسعية في العراق
وبشأن أهداف تركيا من تنفيذ ضربات عسكرية متعددة شمال العراق، يعتقد حسن هاني زاده أن أنقرة لعبت دورا تدخلياً في الشؤون الداخلية للعراق، وخاصة في إقليم كردستان، في العقدين الأخيرين منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة. تظهر رؤية رجب طيب أردوغان العثمانية الجديدة، التي انعكست في محاولاته لتوسيع حدود تركيا وسيادتها الى عصر الإمبراطورية العثمانية، إن أنقرة لديها مواقف توسعية. ففي السنوات الأخيرة، نفذ الجيش التركي عدة ضربات تحت ذريعة مواجهة جماعة حزب العمال الكردستاني الإرهابية.
هذا في وقت كانت فيه حكومة إقليم كردستان على خلاف دائم مع قوات حزب العمال الكردستاني ولم تتعاون مع تلك الجماعة في إجراء عمليات انطلاقاً من المناطق العراقية ضد تركيا. في الوضع الحالي، يخضع جزء كبير من محافظة دهوك لسيطرة الجيش التركي ، وفي الوقت نفسه، تتدخل أنقرة بفاعلية في المنطقة الكردية. يسعى أردوغان على أقل تقدير إلى زيادة نفوذه في العراق وزيادة الضغط في بغداد باستخدام ذريعة محاربة الإرهاب. لكن النهج الرئيسي لتركيا يعتمد على انجاز التوسع في العراق.
لا يمكن أن يكون "ب ك ك" ذريعة للاعتداءات التركية
من جهة أخرى، أكد خبير الشؤون الدولية عدم وجود اتفاق بين بغداد وأنقرة على دخول القوات التركية إلى شمال العراق، وقال ان وجود ب ك ك في جبال قنديل شمال العراق ليس في حد ذاته إذناً لغزو الأراضي العراقية. بشكل أساسي، إذا كانت لدى الحكومة التركية مشكلة أمنية، فعليها التفاوض مع الحكومة المركزية العراقية؛ إن دخول أردوغان إلى العراق بذريعة تهديد أمن قواته يعد انتهاكا واضحا للسيادة الوطنية للعراق. في الواقع، تشير الهجمات الجوية والبرية التركية المتكررة على شمال العراق إلى أن تركيا لديها أهداف تفوق الحرب ضد الإرهاب. الآن يبدو أن الحكومة العراقية يجب أن تركز بشكل متزايد على إجبار تركيا على سحب قواتها وإنهاء انتهاك السيادة العراقية.
عضوية تركيا في الناتو هي سبب فشل شكاوى العراق في المحافل الدولية
وحول مسألة حدود أو تأثير الشكوى المقدمة للمحافل الدولية على استمرار العمليات العسكرية التركية على الأراضي العراقية، قال هاني زاده، إن الحكومة العراقية قدمت مرارا شكاوى ضد تركيا، لكنها لم تحظ باهتمام كبير بسبب حصانة تركيا من الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة. وحتى الآن لم تتمكن الحكومة العراقية من إصدار قرار أو حتى بيان عبر مجلس الأمن ضد العدوان والاحتلال التركي. ومع ذلك، على الرغم من فشل هذه الجهود بسبب عضوية تركيا في الناتو، إلا أنها قد تؤتي ثمارها في نهاية المطاف.
دور حزب بارزاني الدافع في الاحتلال التركي للعراق
وعن دور علاقات حزب بارزاني الطيبة مع أنقرة والخلافات بين بارزاني وحزب العمال الكردستاني في الدخول العسكري التركي الواسع الى الاراضي العراقية، قال الخبير في شؤون غرب آسيا، بشكل أساسي، ينبغي الانتباه إلى أن عائلة بارزاني لديهم مصالح شخصية كبيرة في علاقاتهم مع أنقرة. إنهم يصدرون عشرات الآلاف من براميل النفط يومياً إلى تركيا، ويذهب جزء كبير من الإيرادات إلى حساباتهم الشخصية. أيضاً، من خلال إعطاء الضوء الأخضر لهجمات تركيا، فإنهم يسعون بطريقة ما إلى تصفية حسابات مع الحزب الكردي المنافس لهم، اي حزب العمال الكردستاني. وهكذا يمكن القول ان الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي لعب دورا رئيسيا في الاحتلال التركي لشمال العراق.
سر الصمت الأمريكي تجاه الاعتداءات التركية على العراق
وعن الموقف الأمريكي السلبي ضد الهجمات التركية واستمرار وجود الجيش الأمريكي في العراق، يتابع هاني زاده حديثه، في هذا الشأن، تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من الإعلان الرسمي عن انتهاء انسحاب القوات الأمريكية من العراق، فإن بعض قوات هذا البلد لا تزال موجودة في إقليم كردستان وكذلك في مناطق وسط العراق. للأسف، ظل الأمريكيون صامتين دائماً تجاه الغزو العسكري التركي لشمال العراق. وهذا يظهر ان مصالح الولايات المتحدة وتركيا متشابكة.
تصاعد المقاومة ضد الاعتداءات التركية
وخلص الخبير في شؤون الإقليمية إلى أن أي مقاومة من قبل القوى العراقية للاعتداءات والاحتلال غير المشروع لهذا البلد من قبل الجيش التركي تتطلب تصريحاً من الحكومة المركزية. لكن في الأشهر الأخيرة، شهدنا بعض التيارات تشكل حلقات مقاومة ضد الاحتلال التركي نزولاً عند إرادة الشعب العراقي. تعتبر الأحداث الأخيرة في إقليم كردستان للقوات التركية مؤشرا على المقاومة الشعبية للعدوان العسكري التركي. بالتأكيد، ستزداد هذه المقاومة في المستقبل القريب، وعلى المدى الطويل، ستتكبد القوات التركية خسائر كبيرة.