الوقت - في موقف حاولت فيه الدول الغربية منذ 11 عامًا إعلان الحكومة السورية وبشار الأسد نفسه مجرمي حرب والدفاع عن الإرهابيين الذين يدعمونهم، لكن كل هذه التكتيكات لم تؤدِ إلى نتيجة، بل قد أثبتت سلطات دمشق عبر السنين الأخيرة أنها لم تكن تنتقم من المسلحين في فصائل المعارضة إلا بعد أن فسحت المجال أمامهم للعودة.
وفي هذا الصدد، وبمناسبة عيد الفطر، أصدر بشار الأسد مجددًا مرسوماً بالعفو العام عن مرتكبي الجرائم الإرهابية بحق المواطنين السوريين، وحسب الحكم فإن العفو لا يشمل العمليات الإرهابية التي أسفرت عن سقوط ضحايا. وأوضح بشار الأسد أن العفو ليس له أي تأثير على مطالبة الحقوق الشخصية، وأنه يمكن للمتضررين رفع شكوى أمام المحكمة المدنية في جميع القضايا.
أصدر الرئيس السوري بالفعل عدة قرارات بالعفو العام عن المواطنين السوريين في مختلف المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. في العام الأول من الأزمة السورية عام 2011، أصدر الأسد أمراً بالعفو العام عن مرتكبي أعمال العنف والجرائم لتهدئة الأوضاع الأمنية في البلاد. لكن بسبب تصاعد الأزمة من قبل الجماعات الإرهابية وداعميها الغربيين، لم ينجح هذا الأمر ولم يحول دون تصعيد الموقف.
كما أصدرت الحكومة السورية مرسوماً مماثلاً للجماعات الإرهابية في أغسطس / آب 2015 ينص على أنها ستعفو عنها إذا استسلمت. كذلك أصدر بشار الأسد عفواً عن الجنود الفارين من ساحة المعركة عام 2018. في السنوات الأخيرة، ومع انحسار شدة الاشتباكات بين قوات الجيش والإرهابيين، أصدرت دمشق عدة قرارات عفو، وسلم عدد من الإرهابيين أسلحتهم واستسلموا للجيش. بعد تحرير محافظتي دير الزور والرقة من الإرهابيين، أرسلت الحكومة السورية وفود سلام إلى المحافظات لإنهاء الاضطرابات والخلافات التي نشأت خلال سنوات الأزمة بين العشائر والحكومة. تظهر مثل هذه اللقاءات أن الحكومة السورية جادة في إعادة السلام والاستقرار والوحدة إلى المدن السورية. وتسعى لبناء مصالحة وطنية من خلال ضمان وجود حكومة شاملة لمتابعة عودة اللاجئين وإعادة بناء الدمار الذي خلفته الحرب في جميع المحافظات السورية.
استكمال الحجة على الإرهابيين
بمثل هذه الأوامر، يحاول بشار الأسد استقطاب بعض الإرهابيين إلى الحكومة الذين لم يرتكبوا جرائم بشرية، وإضعاف الجماعات الإرهابية من الداخل. وبما أن الإرهابيين يسيطرون حاليًا على محافظة إدلب فقط، فمن خلال فصل بعض الإرهابيين عن رفاقهم، يمكن للجيش السوري توجيه الضربة الأخيرة إلى أجساد هذه المجموعات وإغلاق ملف الإرهابيين في هذا البلد إلى الأبد. من جهة أخرى، يزيل مرسوم العفو حجة الإرهابيين بأنهم لا يستطيعون التوبة والاستسلام لأنهم يتعرضون للاضطهاد من قبل الجيش. يمكن دراسة مرسوم العفو الصادر عن بشار الأسد من أبعاد أخرى أيضًا. بما أن الحرب بين روسيا وأوكرانيا جارية حاليًا وقد عرقلت تركيا طريق نجاح روسيا في أوكرانيا بإغلاق الممرات البحرية، لذلك، يبدو أن الروس، كرد على تركيا، يحاولون على الأرجح ضرب الإرهابيين المدعومين من تركيا في محافظة إدلب. ولهذه الغاية، يعد مرسوم العفو الصادر عن بشار الأسد نوعًا من استكمال حجة على الإرهابيين الذين لم يرتكبوا جرائم إنسانية ويعتزمون الاستسلام إذا عفت دمشق عنهم. لأنه إذا كانت العملية الأخيرة لتحرير إدلب على جدول أعمال دمشق فلن يكون هناك إرهابيون بأمان، وهذا المرسوم سيقضي على قلق الإرهابيين الذين يعتقدون أنهم سيعاقبون إذا استسلموا.
سيناريو الخط الغربي
على الرغم من جهود الحكومة السورية لإنهاء الحرب المستمرة منذ 11 عامًا، تواصل الأطراف الخارجية اتباع سياسات هدامة. كلما اتخذت الحكومة السورية خطوات لإحلال السلام في البلاد، حاول الإعلام الغربي تشويه صورة دمشق في الرأي العام العالمي بادعاءات كاذبة، ويتكرر هذا السيناريو مرارًا وتكرارًا. وفي هذا الصدد، وفي نفس الوقت الذي أصدر فيه بشار الأسد أمرًا جديدًا بالعفو عن الإرهابيين، نشرت وسائل الإعلام الغربية مقطع فيديو يظهر ارتكاب الجيش السوري جرائم ضد الإنسانية عام 2013 في أطراف دمشق الجنوبية. يُظهر مقطع الفيديو غير المؤكّد 41 مدنياً سورياً معصوبي الأعين ومقيّد الأيدي يتم اعدامهم على يد ضابط أمن سوري ثم قام بحرق جثثهم. وانتشرت أفلام من هذا النوع على نطاق واسع في السنوات الأخيرة، حتى أن وسائل الإعلام الغربية نشرت مقاطع فيديو لهجمات كيماوية للجيش السوري على مدنيين في مناطق متفرقة من البلاد. لكن الأفلام صُممت بطريقة خرقاء لدرجة أنه ثبت على الفور أنها مزيفة، وحتى خبراء الأمم المتحدة لم يؤكدوا المزاعم بعد. الغربيون الذين فشلوا في الإطاحة بالحكومة السورية يحاولون إدامة الأزمة في سورية، ومن وقت لآخر، ومن أجل إضفاء الشرعية على جرائم الإرهابيين يطلقون مثل هذه الأفلام لإثارة الرأي العام العالمي ضد الحكومة السورية، لكن هذه السيناريوهات الرديئة لم تعد تعطي أصداءً في العالم. ومع الجرائم التي ارتكبها التكفيريون في سوريا وفي جميع أنحاء العالم، كشفت طبيعتهم الحقيقية للجميع، ولم يسمع منذ سنوات أي صوت يدعم الجماعات الإرهابية.
مرسوم عفو الأسد يضع حداً للإرهابيين وينص على أنهم إذا عادوا إلى جانب الحكومة فسوف يتم العفو عنهم دون عقاب. كما أن صدور مثل هذا المرسوم يغير موقف الرأي العام العالمي من الحكومة السورية التي رغم جرائم التكفيريين الواسعة الانتشار لم تغلق الأبواب أمامهم وفتحت لهم المجال للتوبة.