الوقت - وجهت كل من الجزائر ودولة جنوب أفريقيا، اتهامات الى المغرب داخل مجلس الأمن بانتهاك حقوق الانسان، حيث تجدد التصعيد بين المغرب والجزائر على خلفية مقتل مواطنين موريتانيين قرب حدودهما مع الصحراء، الأمر الذي اعتبرته الجزائر في بيان أصدرته وزارة الخارجية “عملية اغتيال موجهة باستعمال أسلحة حربية متطورة من قبل المملكة المغربية”.
وفي بيان صادر عن وزارة الخارجية، دانت الجزائر الثلاثاء ما قالت إنه هجوم من المغرب على قافلة شاحنات في منطقة حدودية بين موريتانيا ومنطقة الصحراء الغربية المتنازع عليها، وقالت إن الهجوم سيعرّض محاولات الأمم المتحدة لتخفيف التوتر الإقليمي للخطر.
وقالت تقارير صحفية جزائرية بأن الهجوم وقع صباح الأحد في منطقة عين بنتلي.
وتضمن البيان الصادر عن الوزارة "الجزائر تدين عمليات الاغتيال الموجهة باستعمال أسلحة حربية متطورة... ضد مدنيين أبرياء".
وفي نوفمبر/تشرين الثاني تجاهلت الرباط اتهامات مماثلة عندما قالت الجزائر إن المغرب استهدفت سائقي شاحنات جزائريين في منطقة بشرق الصحراء الغربية، حيث قالت حركة البوليساريو في 2020 إنها ستستأنف "الكفاح المسلح".
من جهتها أكدت السلطات الموريتانية، الأربعاء، أن مواطنين قتلا في حادثة الاعتداء على قوافل تجارية في الحدود الشمالية، المحاذية للجزائر.
وأكد الناطق الرسمي باسم الحكومة أن موريتانيا لم تكن مستهدفة بما حدث، والاعتداء حصل خارج أراضيها، وهو ما يبرر عدم إصدار بيان رسمي من الخارجية بخصوصه.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، حيث وجه الوفد الممثل للجزائر، خلال اجتماع مجلس الأمن الدولي خصص للاعتداءات الجنسية تجاه النساء، اتهامات للمغرب.
وتبادل الوفدان الاتهامات، حيث قال نائب الممثل الدائم للمملكة المغربية لدى الأمم المتحدة، عمر القادري، إن الجزائر “منتهك متسلسل” لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني”.
لكن الوفد الجزائري فضح امام مجلس الامن الدولي الانتهاكات الجسيمة والمتكررة التي ترتكبها القوات المغربية ضد المدافعات الصحراويات عن حقوق الإنسان، فخلال النقاش المفتوح الذي عقده مجلس الأمن الاربعاء تحت عنوان “المرأة والسلام والأمن” بمبادرة من الرئاسة البريطانية حول موضوع "العنف الجنسي المرتبط بالنزاعات".
وتطرق الوفد الجزائري في هذا السياق للوقائع التي كشف عنها ائتلاف واسع من منظمات غير حكومية الذي ندد بالانتهاكات الجسيمة والمتكررة من قبل القوات المغربية التي تستخدم العنف الجنسي كوسيلة لترهيب المدافعات الصحراويات عن حقوق الإنسان كسلطانة خيا و أمينتو حيدار على سبيل الذكر لا الحصر.
كما لفت الوفد الجزائري إلى أن هذه الانتهاكات تم الإبلاغ عنها وتسجيلها أيضا من قبل المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالمدافعين عن حقوق الإنسان, ماري لولور, مؤكدا على أن هذه “الانتهاكات الممنهجة” تتطلب اهتماما أكبرا من جانب المجتمع الدولي و الهيئات المتخصصة ولا سيما مكتب الممثلة الخاصة للأمين العام المعنية بالعنف الجنسي في حالات النزاع باعتباره جزءاً من صميم ولايتها.
وعليه شدد الوفد على أن “الإحاطة العالمية والعادلة والمنصفة بمسألة العنف الجنسي في مناطق النزاع تتطلب من المجتمع الدولي ولا سيما مجلس الأمن التعامل مع جميع الحالات بما تقتضيه من موضوعية وعدم انتقائية ودون تحديد أولويات كون العنف الجنسي يجب إدانته أينما كان و أيا كان مرتكبوه وخاصة بالنسبة للانتهاكات الجسيمة في المناطق التي ترزح تحت الاحتلال الأجنبي.
كما رد الوفد الجزائري خلال المناقشات على الافتراءات التي ما فتئ يتعذر بها الوفد المغربي في كل مناسبة للتغطية على جرائمه في الاراضي الصحراوية المحتلة حيث فند الوفد بشكل خاص الادعاءات السافرة للممثل المغربي الذي حاول مخادعة المجتمع الدولي بمزاعمه الكاذبة.
كما أوضح الوفد الجزائري بأن تكرار الادعاءات الكاذبة بالتجنيد المزعوم للأطفال الصحراويين في مخيمات اللاجئين, “ما هو إلا دليل على المحاولات المغربية اليائسة لإقناع البعض بصحة افتراءاته التي تدحضها تقارير الأمم المتحدة ووكالاتها والمنظمات غير الحكومية التي تزور بانتظام مخيمات اللاجئين في تندوف وذلك لسبب بسيط هو عدم وجود هذه الظاهرة”.
وفي هذا الصدد, شدد الوفد الجزائري على سبيل التذكير على تصريحات الناطق الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة, في يناير الماضي, الذي فند بشكل قاطع الادعاءات الكاذبة التي أطلقتها وسائل الإعلام المغربية بشأن التواجد المزعوم لجنود أطفال خلال زيارة المبعوث الشخصي, ستافان دي ميستورا, لمخيمات اللاجئين الصحراويين في تندوف.
هذا التكذيب -يضيف الوفد الجزائري- يشكل ضربة “للمحاولات اليائسة والبائسة من قبل المغرب لتشويه النضال المشروع للشعب الصحراوي في ظل مناوراته المتجددة التي تهدف إلى تحويل نظر المجتمع الدولي عن حقيقة الصراع في الصحراء الغربية المرتبط بالاحتلال المغربي”.
وأوضح الوفد الجزائري لممثل المغرب أنه “بدلا من الانغماس في الدعاية وتزوير الحقائق كان من الأجدر به أن يولي مزيدا من الاهتمام لأوضاع أطفال بلاده الذين أنهكهم الجوع والفقر مع تسجيل معدلات عالية للتسرب المدرسي وتفشي تعاطي المخدرات في المحيط المدرسي”.
ومضى في السياق يقول “هؤلاء الأطفال الأبرياء الذين يتم استخدامهم من قبل المسؤولين المغربيين كأداة دبلوماسية لابتزاز الدول المجاورة من خلال تنظيم حملات هجرة غير نظامية كما يتم استعمالهم، رغما عنهم كعامل في الترويج للسياحة الجنسية في ظل انتشار ظاهرة الاعتداء الجنسي على الأطفال المعروفة لدى العام والخاص التي تندد بها حتى المنظمات غير الحكومية المغربية”.
بدوره ندد ممثل جنوب افريقيا على وجه الخصوص بـ”العنف الجنسي الممنهج” الذي تمارسه المغرب في الصحراء الغربية ما أثار رد فعل ممثل المغرب الذي لم يجد في تدخله إلا وصف تصريحات الدبلوماسي الجنوب افريقي بأنها “غير لائقة وذات دوافع سياسية”.
ومنذ عقود يسود التوتر العلاقات الثنائية بين المغرب والجزائر، بسبب دعم الجزائر جبهة البوليساريو التي تطالب باستقلال الصحراء الغربية في حين يعدها المغرب جزءا لا يتجزأ من أرضه ويعرض منحها حكما ذاتيا تحت سيادته.
وقطعت الجزائر العلاقات مع المغرب في أغسطس آب من العام الماضي، متهمة جارتها بالعمل مع الكيان الصهيوني للإضرار بأمنها وإشعال حرائق في منطقة القبائل ودعم جماعة تسعى لاستقلال المنطقة الناطقة بالأمازيغية.
وأغلقت بعد ذلك مجالها الجوي أمام جميع الطائرات المغربية وعلقت صفقة خط أنابيب ينقل الغاز إلى إسبانيا عبر المغرب.
وفي سياق ما حدث في مجلس الامن، حذر عمار بلاني المبعوث الخاص المكلف بالصحراء الغربية ودول المغرب العربي، المغرب، من احتمال امتداد الأعمال الحربية المغربية إلى الأراضي الجزائرية، حيث وعد بأن كل الأعمال العدائية لن تمر دون نتائج.
الدبلوماسي الجزائري، وفي تصريحات لموقع الشروق أونلاين، وصف هذه الهجمات “بالاغتيالات المدبرة ببرودة من قبل الحكومة المغربية”، والتي “لن تمر دون عواقب”، مضيفا أن “أي امتداد محتمل لهذه الأعمال العدائية إلى الأراضي الوطنية الجزائرية بإمكانه أن يكون ذريعة حرب”، “على الرغم من أن الجزائر أكدت مرارا أنها لن تشن الحرب إلا في حالة الدفاع عن النفس”.
وفي رده على سؤال حول خلفية هذه الاعتداءات المتكررة، يقول السفير الجزائري أن المخزن “يسعى بكل الطرق إلى عرقلة التجارة بين الجزائر وموريتانيا، وخاصة منذ زيارة الرئيس الموريتاني للجزائر وإبرام اتفاقية بين الحكومتين تتضمن إنجاز طريق يربط الجنوب الجزائري بمدينة زويرات الموريتانية (…) المغرب يهدف، إذن، إلى عرقلة وإجهاض التقارب الجزائري الموريتاني، ولا سيما في مجال التجارة”، يقول ذات المصدر مضيفا، أن الرباط تدرك جيدا “أن تعزيز التجارة بين الجزائر وموريتانيا سيمنح للأخيرة مساحة أكبر فيما يتعلق بالمسألة الاستراتيجية المتمثلة في تنويع تدفقاتها التجارية”.
ومن بين الأهداف الأخرى غير المعلنة “للتكالب” المغربي، يضيف بلاني، أهداف تتعلق بتبعية السوق المحلي الموريتاني إلى بعض المنتجات الاستهلاكية المغربية على غرار الحمضيات، والتي تمر عبر ممر الكركرات المتنازع عليه: “المغرب يخشى أن الطريق الرابط بين تندوف وزويرات سيلغي هذه الورقة كون المشروع سيسمح لموريتانيا بأن تنأى “بنفسها عن النظام التوسعي الذي لا يزال يحلم بمغرب كبير حدوده الخيالية على حدود نهر السنغال … هذه هي خبايا ودوافع الاغتيالات البشعة التي لا يمكن مقارنتها إلا بأعمال إرهاب الدولة التي يرتكبها المغرب بجبن ضد التجار المسالمين والمدنيين الأبرياء الذين لا يشكلون أي تهديد لقوات الاحتلال المغربية”.
ويرى المحلل السياسي الجزائري مختار مديوني، أن العمل الإرهابي الذي قام به المغرب ووصفه بيان الخارجية الجزائرية بأنه إرهاب دولة يؤكد بشكل أوضح أن مثل هذه الأعمال الجبانة ذات طابع إسرائيلي محض باعتباره استهدافا لمدنيين عزل في توقيت الفجر وهم يؤدون الصلاة وفي شهر يقدسه المسلمون.
وذهب المحلل السياسي، مختار مديوني، خلال لقاء خاص لإذاعة الجزائر الدولية حول الاغتيال المغربي خارج حدوده إلى أبعد من ذلك، عندما قال: “إن هذا العدوان المغربي يؤكد أن المغرب لم يعد يرسم سياسته الخارجية بنفسه وأن قيادة السياسة الخارجية المغربية صارت بشكل واضح بيد الكيان الإسرائيلي”.
من جهته، أكد الخبير الاستراتيجي، محند برقوق، “أن المغرب لا يمتلك قرارا وبمثل هذه الأعمال الإرهابية مجرد عنصر منفذ لخطط الصهيونية العالمية”.
وما يلفت الانتباه حسب محند برقوق أن بيان الخارجية الجزائرية كان متريثا جدا إلى غاية التحقق التام من حيثيات العمل الإرهابي المغربي ومن ثم جاء كرد فعل فاضح للسياسة المغربية التي لم تعد سيدة قرارها وأن استهداف المدنيين العزل الممارسين للتجارة من ثلاث دول في المنطقة يبرز درجة القلق التي بلغها نظام المخزن بسبب الارتباط الديناميكي الاقتصادي الجديد بين الجزائر وموريتانيا، كما أن العدوان المغربي الجديد يهدف إلى إنتاج شروط عدم الاستقرار في المنطقة ومحاولة جر دول الجوار إلى وضعيات غير آمنة .
وبخصوص إمكانية تسبب المغرب في اندلاع حرب في المنطقة، يرى الخبير الاستراتيجي محند برقوق “أن إنتاج الوضعيات غير الآمنة التي من شأنها إضعاف قدرات الدول على صناعة الاستقرار من جهة وكبحها عن الارتقاء الاقتصادي يختلف عن المفهوم الكلاسيكي للحرب وهو ما تدركه الجزائر جيدا، لذلك تفوت في كل مرة على المغرب الانسياق وراء أهدافه المفضوحة، والدليل هو عدم ردها بالشكل الذي يريده المغرب في العمل الإرهابي الأول مطلع نوفمبر 2021، حيث اعتمدت استراتيجية الجزائر على الرد بطرق قانونية وصلابة المواقف والحنكة على مستوى التعامل مع الاستفزاز المغربي .
وهذه العناصر الثلاثة تؤكد أن الجزائر تنتهج استراتيجية طويلة المدى هي بمثابة استراتيجية “إفشال” أهداف يحاول المغرب منذ انخراطه عام 1959 كفاعل ضمن السياسات الغربية والصهيونية تحقيقها، ضمن المشروع التفكيكي العالمي الذي له مظاهر عدة في مناطق مختلفة من العالم وليس فقط في منطقتنا.
ومن جانبه، يرى عضو مكتب تنسيق الأعمال المتعلقة بالألغام في الصحراء الغربية، غيثي النح، “أنه لا يوجد جيش معاصر في العالم يقبع جنوده تحت الأرض منذ 47 سنة إلا الجيش المغربي الذي لا يمتلك أي تكنولوجيا متطورة، إضافة إلى أن معظم الجنود المغاربة يعانون من أزمات نفسية خطيرة، تؤدي في غالب الأحيان إلى الانتحار، بسبب طول المدة التي يقضونها في الخنادق على طول جدار العار الذي أقامه المغرب ليقسم به الأراضي الصحراوية ويفصل بين سكانها”.
وعليه – يضيف المتحدث – “فإن اللجوء إلى الطائرات المسيرة التي صارت سلاحا رخيصا تستعمله حتى بعض العصابات المافياوية والجماعات الإرهابية يؤكد نقطة مهمة هي أن الجيش المغربي غير قادر حتى على المواجهة الميدانية تماما مثلما يحدث في الأراضي الفلسطينية، حيث يلجأ الاحتلال الإسرائيلي إلى القصف بالطائرات المسيرة لأهداف يدرك تماما أنه لن يستطيع الوصول إليها أمام بسالة المقاومة الفلسطينية”.
كما يرى غيثي النح “أن الهدف السياسي الرئيس من الأعمال المغربية العدوانية الجبانة وخاصة أنها تتخذ من الحدود الصحراوية الموريتانية مسرحا لها، هو الفصل بين شعوب المنطقة وقطع أواصر التواصل بينها، مبرزا بعض الأرقام التي تؤكد كلها أن الضحايا في كل مرة مدنيون عزل..”
وبدوره، يرى المحلل السياسي أحمد عظيمي “أن نظام الحكم في المغرب يعيش وضعا غير سليم بسبب غياب الملك المغربي الذي يقضي غالب أوقاته بقصره في فرنسا بسبب وضعه الصحي إضافة إلى مشكلاته العائلية، وهو ما يؤكده تسيير أمور الحكم من قبل ولي العهد الذي لا يزال في سن المراهقة ويستجيب طوعا ودونما أي إكراه لمخططات اللوبي الصهيوني المتواجد بقوة داخل نظام المخزن”.
هذا الوضع – يؤكد عظيمي – أنتج أزمة بعنوان: مع من يتم التعامل؟ فالمجموعة الدولية تواجه صعوبة في التعامل مع النظام المغربي بسبب أنه لم يعد يملك قرارا وليس سيد نفسه سواء على مستوى المحافل الدولية التي يبدو فيها المغرب دولة تحت الحماية الفرنسية أو على المستوى الداخلي، إذ أصبح الشعب المغربي ينظر بعين الريبة إلى سياسة دولته وأنها مجرد إملاءات خارجية ينفذها المخزن، كما أن السلطة لم تعد موحدة ويمكن اختصار الوضع في المغرب بأنه لا أحد يحكم.