الوقت- أعربت الحكومة التركية مرارًا عن رغبتها في استئناف العلاقات مع الكيان الصهيوني منذ أواخر عام 2020، ومع رجب طيب أردوغان خلال اجتماع في كانون الأول / ديسمبر 2021 مع يهود أتراك وأعضاء في التحالف الحاخامي في الدول الإسلامية. وشدد على أهمية العلاقات مع إسرائيل وأعلن أن علاقات الدولة مع الكيان الصهيوني ستعود إلى طبيعتها. دفع الضوء الأخضر من أردوغان لإسرائيل إسحاق هرتسوغ إلى السفر إلى تركيا في 9 آذار / مارس بدعوة رسمية من أردوغان، الأمر الذي أثار ردود فعل كثيرة، بغض النظر عن حساسية الرأي العام الإسرائيلي تجاه القضية الفلسطينية.
من شعار العداء إلى يد الصداقة
مع زيارة هرتسوغ إلى تركيا، التقى رئيسا تركيا والكيان الصهيوني مرة أخرى بعد 14 عامًا. وجاء الاجتماع بعد أن استدعت حكومة أردوغان سفيرها لدى إسرائيل في 2018 ردا على نقل العاصمة الإسرائيلية إلى القدس. ومع بداية تطبيع العلاقات بين الدول العربية وهذا الكيان، كان النظام التركي قد أعرب عن احتجاجه على هذه العملية وأدانها. وأدت التوترات والتحديات مثل احتجاج الحكومة التركية على الإجراءات الصهيونية مثل تمدد المستوطنات ومعاملته للفلسطينيين، واستياء تل أبيب من تركيا لدعمها لحركة حماس وسماحها للعمل في أنقرة من ناحية أخرى، إلى فتور العلاقات بين أنقرة وتل أبيب لكن على الرغم من هذه الظروف، فإن عوامل مثل الأزمة الاقتصادية في تركيا وعزلتها الإقليمية والدولية جعلت استئناف العلاقات السياسية مع إسرائيل خيارًا سهلاً لفك عقد الحكومة التركية في علاقاتها الخارجية. وبدعوة رسمية من رئيس إسرائيل لزيارة تركيا، نسيت الدولة عداءها مع هذا الكيان في العقد الماضي، وتوقفت عن ترديد الشعارات المؤيدة لفلسطين.
ردود الفعل الداخلية والخارجية على الزيارة
كانت زيارة إسحاق هرتسوغ إلى تركيا هي الأولى لمسؤول إسرائيلي منذ عام 2008، والتي وصفها أردوغان بأنها "نقطة تحول تاريخية وجديدة في العلاقات الثنائية". لكن على عكس الحكومة التركية، اعتبرت الأحزاب والرأي العام التركيين، بما للمكانة الخاصة لفلسطين عندهم، هذا التصرف من جانب حكومة أردوغان خيانة للقضية الفلسطينية من خلال إصدار البيانات والنزول إلى الشوارع للاحتجاج، ضد هذه الزيارة. عندما سافر هرتسوغ إلى تركيا، أضرم الشعب التركي النار في أعلام الكيان الصهيوني التي رفعت في الشوارع للترحيب به. واستمر المحتجون بالتظاهر في أنقرة واسطنبول وغازي عنتاب والحدود والعديد من المدن الأخرى منذ الأربعاء 9 مارس، ورفعوا أعلام المقاومة وصور الشهيد قاسم سليماني في الشوارع؛ ورددوا شعارات الموت لأمريكا والموت لإسرائيل ويحيا الجهاد ويحيا لحزب الله، وأعربوا عن معارضتهم لهذه الزيارة. في غضون ذلك، أصدرت بعض الأطراف التركية، مثل حزب السعادة، بيانًا يدين الاجتماع. ووصف الحزب تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني بأنه خيانة من جانب تركيا للفلسطينيين وقال في بيان: القتلة ليسوا مقبولين في بلدنا على الإطلاق. ما الذي تغير اليوم؟ ما الذي تغير حتى زمن توجيه هذه الدعوة؟ ما الفرق بين رجل اسمه هرتسوغ وقاتل اسمه نتنياهو؟ هل انتهى اضطهاد إخواننا المسلمين في فلسطين؟ هل تم رفع الحصار عن غزة؟ نحن نرفض تقديم الحجج الواهية من أجل التطبيع. أولئك الذين يقصفون القدس وغزة، ويدوسون قبلتنا الأولى في المسجد الأقصى بأحذيتهم القذرة، ويذبحون المظلومين من أطفال ونساء وشيوخ، لا مكان لهم في بلادنا. لقد اتخذت الحكومة خطوة أخرى محرجة اليوم! لن تقبل هذه الأراضي المقدسة ولا صدور هذه الأمة أي عدوان! لن نظل صامتين حتى يدرك الرئيس التركي رغبة الأراضي التي يحكمها. إذا كانت علاقاتك مع إسرائيل تطبيع، فأنت تعلم أن العلاقات مع فلسطين والمسلمين الذين تم تفجيرهم بقنابل الفوسفور في غزة أصبحت غير طبيعية". كما احتشد "حزب السعادة التركي" في ساحة امينونو باسطنبول معلنا معارضته للرحلة والدفاع عن فلسطين. ورفع المتظاهرون لافتات كتب عليها "لا نقبل هرتسوغ في بلادنا".
في غضون ذلك، كانت فصائل المقاومة الفلسطينية من أبرز المعارضين للرحلة، وأصدرت بيانات عبرت عن معارضتها وأسفها لهذه الزيارة. وقالت حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في بيان لها: "نجدد معارضتنا الشديدة لاستئناف علاقات تركيا مع الكيان الصهيوني المحتل، وندعو إلى مزيد من الدعم للشعب الفلسطيني لإنهاء الاحتلال واستعادة حقوقنا المحرومة. إننا نستنكر هذه الزيارات إلى الدول الإسلامية والعربية التي تمثل العمق الاستراتيجي للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة. كما تؤكد موقفها المبدئي الرافض لأي علاقة بالعدو الصهيوني الذي يتعدى على مقدساتنا ويسعى لتهويد القدس والمسجد الأقصى ويواصل محاصرته واعتدائه على سكان غزة ويأسر آلاف الأشخاص، يقتل الاطفال ويدمر منازل الفلسطينيين ويشرد أبناء هذه الامة ".
من جهتها، استنكرت حركة الجهاد الاسلامي في فلسطين استقبال هرتسوغ في تركيا، مؤكدةً أنّ "هذه الزيارة تأتي على وقع التصعيد العدواني الصهيوني ضد أهلنا في القدس، ومخططات العدو لتهويد المقدسات واقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى المبارك، وتمثل انحيازاً للعدو في مواجهة جهاد الشعب الفلسطيني". واعتبرت الحركة أنّ "السعي لاستعادة العلاقات مع العدو بذريعة مصلحة هذه الدولة أو تلك، هو خذلان للقدس وفلسطين". بالإضافة إلى ذلك، ردت شخصيات مختلفة في العالم الإسلامي على الزيارة، حيث غرد الشيخ عصام تليمة، المساعد المقرب لمفتي السنة المصري يوسف القرضاوي: " قل لأردوغان بفتوى الشيخ القرضاوي أن يداك التي صافحة تلك الايادي يجب أن تطهر بماء البحار السبعة". كما أصدر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بيانا أدان فيه زيارة الرئيس الإسرائيلي لأنقرة والترحيب الرسمي من أردوغان، واصفا إياها بأنها خطوة نحو تطبيع العلاقات مع كيان الاحتلال في القدس، الأمر الذي يصب في مصلحة الكيان وينتقص من النضال الفلسطيني. كما اعتبرت الحركة الإسلامية الأفغانية زيارة إسحاق هرتسوغ لتركيا وبداية علاقات جديدة بين تركيا والكيان هو تستر وصرف للرأي العام عن عدم فاعلية سياسات أردوغان ولتأكيد كل الأعمال اللاإنسانية لكيان الاحتلال الصهيوني في فلسطين وأجزاء أخرى من العالم الإسلامي، ندين هذا النهج المنافق. ودعا الدول الإسلامية إلى التصرف بشكل مناسب وفي الوقت المناسب ضد مثل هذه الأعمال التي يقوم بها حكام الدول الإسلامية.
وكنتيجة، فإن دعوة أردوغان للرئيس الإسرائيلي ولقائه مع هرتسوغ تسببت في غموض شديد في شعارات أردوغان الداعمة للقضية الفلسطينية. وأظهرت أن حكومة هذا البلد تسعى أيضًا، مثل دول عربية أخرى قامت بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، إلى اختزال قضية فلسطين من منظور إقليمي وإسلامي إلى قضية داخلية.