الوقت- في الوقت الذي يُتهم فيه الكيان الصهيونيّ من قبل منظمات دوليّة حقوقية بانتهاج سياسات تمييز عنصريّ واضطهاد في معاملة الفلسطينيين، والأقلية العربيّة في الأراضي الفلسطينيّة المُحتلة، أوضحت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية مؤخراً، أن المنظمة الحقوقية الدوليّة تعتزم نشر تقرير يصف ممارسات "إسرائيل" تجاه الفلسطينيين بأنها "أبارتايد" أو فصل عنصري رغم محاولات تل أبيب بسحبه، باعتبار سياساتها ترقى إلى حد الجرائم ضد الإنسانيّة، في ظل تصاعد إجرام العدو الكيان الصهيونيّ الوحشيّ الذي لا يكف عن ارتكاب أشنع الجنايات بحق الفلسطينيين.
كيانٌ عنصريّ
في أعقاب المنهج الإسرائيليّ العنصريّ بحق أبناء فلسطين، تنضم منظمة العفو الدوليّة إلى منظمتي "بتسيلم" الحقوقيّة الإسرائيلية و"هيومن رايتس ووتش" في اتهام الكيان الغاصب بممارسة العنصريّة في الأراضي الفلسطينية وضد المواطنين العرب، الشيء الذي يضع العدو الغاشم أكثر فأكثرفي دائرة ممارسة الفصل العنصريّ والاضطهاد، لأنّ ذلك يُعد بمثابة شهادة دولية قويّة ومحقّة على نضال ومعاناة الشعب الفلسطينيّ الرازح تحت الاحتلال العسكريّ الصهيونيّ وسياساته الاستعماريّة والقمعيّة، ما يرغم المجتمع الدوليّ على تحمل مسؤولياته بشكل أسرع تجاه فلسطين، ومساءلة تل أبيب على جرائمها المتعددة بحق الشعب الفلسطينيّ، وتذكير الدول بالتزاماتها القانونيّة بموجب القانون الدوليّ، للجم خروقات الكيان المُعتدي التي تؤكّدها الأخبار الآتية من الأراضي الفلسطينيّة المحتلة كل يوم.
وباعتبار أنّ مثل هذه المواقف الدوليّة ستؤدي بالتأكيد إلى إجراءات عقابيّة واضحة وعمليّة ضد العصابات الصهيونيّة، استبقت وزارة الخارجية في حكومة العدو كعادتها التقرير معبرة أنّه "ينكر عمليا بشكل مطلق حق الصهاينة في الوجود"، لأنّه يفضح الممارسات العدوانيّة والهمجية للكيان، ويقوي بشكل كبير للغاية مقاطعة العدو الصهيونيّ، وبالأخص جرائم الحرب التي ارتبتها الآلة العسكرية للكيان في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة المحاصر، رغم كل محاولات تل أبيب لعرقلة أو إلغاء التحقيق بخصوص جرائم حرب ارتكبها العدو الغاصب، ناهيك عن ملفات الاستيطان، والأسرى، والعدوان على الفلسطينيين.
ويعقد الشعب الفلسطينيّ آمالاً كبيرة على مثل تلك القرارات الدولية، لأنّها ستفضي إلى ملاحقة الكيان المجرم ووضع حد لتماديه بارتكاب الجرائم بحق أصحاب الأرض، والدليل ما قاله وزير خارجية العدو، يائير لبيد، حول أنّ "منظمة العفو الدولية كانت يوما ما منظمة موقرة نحترمها جميعا، لكنها اليوم باتت عكس ذلك تماماً"، في الوقت الذي لا يكف فيه جنود الاحتلال المجرم عن استهداف وقتل وتهجير الفلسطينيين ونهب أراضيهم، في ظل مساعي قوات العدو للهيمنة على الفلسطينيين بالسيطرة على الأرض والتركيبة السكانيّة لمصلحة الإسرائيليين اليهود، بعد أن فرض المستعمرون هذا الكيان الباغي على العالم وعلى المنطقة، والتاريخ أكبر شاهد على الوحشيّة الصهيونيّة في فلسطين والمنطقة.
رد إسرائيليّ معهود
أثار الرد الإسرائيليّ على هذا التقرير حتى قبل أن ينشر سخرية واسعة، بالقول: "بدلاً من البحث عن الحقائق، تستشهد منظمة العفو بأكاذيب تنشرها منظمات إرهابية، وإنّ اسرائيل ليست كاملة لكنها ديموقراطيّة ملتزمة بالقانون الدوليّ ومنفتحة على التدقيق"، متناسيّاً جرائمهم التي شهدها العالم بأسره بحق الأبرياء، إضافة إلى تسارع المخططات الاستيطانيّة الصهيونيّة في الضفة الغربيّة المحتلة والقدس من أجل محاولة وسم هوية مدينة القدس كعاصمة يهوديّة لكيان الاحتلال القاتل واغتيال أيّ مساعٍ فلسطينيّة أو دوليّة لإقامة دولة فلسطينيّة في الأراضي المحتلة عام 1967 من جهة أخرى، ناهيك عن القيود الصهيونيّة على حركة الفلسطينيين والاستيلاء على أراض مملوكة لهم لإقامة مستوطنات يهوديّة في مناطق احتلتها في حرب عام 1967 باعتبارها أمثلة على سياسات تفرقة عنصريّة واضطهاد.
والغريب في تصريحات الكيان الصهيونيّ الذي يعترف بلسانه بأنّه لايمكن بأيّ حال من الأحوال أن يتوقف عن إجرامه وقضمه لأراضي الفلسطينيين وتهجيرهم، وخيرُ دليل على ذلك نص إعلان الدولة المزعومة، والذي يدعي أنّ أرض فلسطين هي مهد الشعب اليهوديّ، وفيها تكونت شخصيته الروحيّة والدينيّة والسياسيّة، وهناك أقام دولة للمرة الأولى، وخلق قيماً حضاريّة ذات مغزى قوميّ وإنسانيّ جامع، وأعطى للعالم كتاب الكتب الخالد، ويزعم الإعلان أنّ اليهود نُفيوا عنوة من بلادهم، ويعتبرون أنّ الفلسطينيين هم ضيوف في "إسرائيل" وأنّ الجرائم التي يرتكبونها بحقهم بمثابة استعادة لحرياتهم السياسية في فلسطين.
ومن الجدير بالذكر أنّ منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية أثارت قبل مدّة ضجة كبيرة، وهي مركز إسرائيليّ غير حكوميّ مختص بحقوق الإنسان في الأراضي التي يحتلها العدو الصهيونيّ الغاصب، حيث شدّدت على أنّ حقوق الفلسطينيين أقل من حقوق اليهود في المنطقة بأكملها بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن، وأنّهم يعيشون تحت أشكال مختلفة من السيطرة الصهيونيّة في الضفة الغربيّة وقطاع غزة والقدس الشرقيّة وداخل الأراضي المحتلة نفسها، ما أضاف تأكيداً جديداً من الإسرائيليين أنفسهم على منهجيّة الاحتلال العدوانيّة على أصحاب الأرض والمقدسات.
ولم تخفِ المنظمة الإسرائيليّة المناهضة للاحتلال الصهيونيّ في تقرير لها أنّ إحدى النقاط الرئيسيةّ في نتائجها هي أنّ هذه منطقة جيوسياسيّة واحدة تحكمها حكومة واحدة (جيوسياسيّة: السياسة المتعلقة بالسيطرة على الأرض وبسط نفوذ الدولة في أي مكان تستطيع الوصول إليه)، وأوضحت أنّ هذه ليست ديمقراطية بجانب احتلال، بل "أبرتهايد" (نظام فصل عنصريّ) بين النهر والبحر، وأنّ الكيان الصهيونيّ يخفي حقيقة أنّ ما يقارب الـ 7 ملايين يهودي و7 ملايين فلسطينيّ يعيشون في ظلّ نظام واحد ذي حقوق غير متساوية إلى حد كبير، كما أنّه لا يوجد معيار واحد يتساوى فيه الفلسطينيّ واليهوديّ في فلسطين المحتلة.
يُشار إلى أنّ منظمة "بتسيلم" تأسست في 3 فبراير/ شباط عام 1989 على يد إسرائيليين ذوي تأثير، بما فيهم محامون، أكاديميون، صحافيون، وأعضاء كنيست، وتهدف إلى توثيق وتثقيف الجمهور الإسرائيليّ بما يخص الاعتداءات على حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينيّة المحتلة، ومحاربة ظاهرة إنكارها السائد بينهم، بالإضافة إلى ذلك تقوم المنظمة بانتقاد خروقات حقوق الإنسان التي تتم في الأراضي المحتلة الموجهة ضد الفلسطينيين أو الإسرائيليين، وتعد من أشد منتقدي الكيان الصهيونيّ الذين استخدموا مصطلح “أبرتهايد - الفصل العنصريّ” لعقود من الزمن، تذكيرًا بنظام الحكم الأبيض والفصل العنصريّ في جنوب إفريقيا الذي انتهى عام 1994، فيما تُعرِّف المحكمة الجنائية الدوليّة "الأبرتهايد" بأنّه نظام مؤسسيّ لقمع وهيمنة منهجيين من قبل مجموعة عرقية واحدة، وفي السنوات الأخيرة مع ترسيخ الكيان الغاصب لاحتلاله الضفّة الغربيّة، تبنّى كتّاب إسرائيليون، وجنرالات سابقون وساسة معارضون لحكومتها اليمينيّة مصطلح “أبرتهايد” بشكل متزايد.
كذلك، اتهمت منظمة "هيومن رايتس ووتش" المعنية بحقوق الإنسان، الكيان القاتل بانتهاج سياسات تمييز عنصريّ واضطهاد في معاملة الفلسطينيين، والأقلية العربيّة في الأراضي الفلسطينيّة المُحتلة، مؤكّدة أنّ تلك السياسات ترقى إلى حد الجرائم ضد الإنسانيّة، في ظل المنهج العنصريّ الذي يتبعه العدو بحق الشعب الفلسطينيّ.
في النهاية، ليس لدى "إسرائيل" سوى اتهام أي منظمة دوليّة تنقد إجرامها بـ "معاداة السامية"، وهذا بالضبط ما حصل مع منظمة العفو الدولية التي ستفضح الجرائم الإسرائيليّة، وإنّ قول تل أبيب: " لو لم تكن إسرائيل دولة يهودية، فلن يتجرأ أحد في منظمة العفو الدولية على التحدث ضدها، لكن في هذه الحالة لا يوجد احتمال آخر"، يأتي ليحرف الأنظار عن حقيقة أنّ جرائم الصهاينة المُحتلين لا يمكن أن تتوقف بحق الفلسطينيين والعرب إلا باستئصال ذلك السرطان، لأنّ الجلاد الصهيونيّ الرافض لأدنى انتقاد لجناياته وللوجود الفلسطينيّ بشكل مطلق، لا يمكن أن يتغير دون فضح ممارساته الاستبدايّة ومقاطعته، ومن الضروريّ أن تتكاتف جهود المنظمات الدوليّة الحقوقيّة والمجتمع الدوليّ لدعم الحقوق المشروعة للفلسطينيين على أراضيهم، إضافة إلى طرد الكيان الغاشم من الأراضي السوريّة واللبنانيّة المُحتلة منذ عقود.