الوقت- حتى قبل أشهر قليلة، بدا من غير المرجح أن يلتقي وفد من طالبان في قلب أوروبا بمسؤولين غربيين.
لكن وقوع هذا الحدث في الشهر الأول من عام 2022 يتماشى مع التطورات المذهلة التي حدثت في أفغانستان منذ منتصف هذا العام وخلق قدرًا كبيرًا من الغموض حول مستقبل هذا البلد المهم في آسيا الوسطى. غموض مرعب لشعب أفغانستان المتضرر من سنوات من الحرب غير المثمرة واحتلال نفس هؤلاء الغربيين لبلادهم الذين يستضيفون اليوم مجموعة فرضت لسنوات، بحجة محاربتها، حربًا مدمرة على الأفغان. والغموض أيضا يشمل جيران أفغانستان الذين يدركون حقيقة أن الوضع في هذا البلد يمكن أن يكون له تأثير كبير على أمن واستقرار المنطقة.
هذا الغموض يصح أكثر على الخطط، أو بالأحرى الأحلام التي يتصورها الغرب لشعب أفغانستان والمنطقة، لأن مطالب طالبان ليست معقدة ومخفية في المفاوضات مع الأطراف الدولية، وخاصة الغرب، فطالبان تسعى في المقام الأول وقبل كل شيء إلى قبول دولي لحكومة الإمارة في أفغانستان من أجل تعزيز أسس حكومتها، سيؤدي الترويج لذلك بدوره إلى إضعاف موقف جماعات المعارضة داخل وخارج أفغانستان التي تريد ضغوطًا دولية على طالبان لتقاسم السلطة.
من ناحية أخرى، فإن الوضع الاقتصادي المزري في أفغانستان هذه الأيام ليس شيئًا يمكن لحكومة طالبان الوليدة علاجه بمفردها وعلى المدى القصير، وسيؤدي استمرار هذا الوضع الاقتصادي إلى تقويض الشرعية الداخلية لحكومة الإمارة الإسلامية بين الأفغان بشدة. ويعاني حالياً جزء كبير من المجتمع الأفغاني، وخاصة في المناطق الريفية والقبلية والجبلية البعيدة عن المدن الكبيرة، والتي تشكل جزءًا كبيرًا من سكان البلاد، من مجاعة وجوع غير مسبوقين. وفي الوقت نفسه، فإن قلة خبرة طالبان في الحكم وعدم وصولها إلى الموارد المالية الأفغانية في المؤسسات المالية الدولية، بسبب العقوبات الغربية، قد حرم الحكومة الجديدة من اتخاذ إجراءات فعالة.
لذلك يمكن القول إن حركة طالبان ، وهي سعيدة باستقبال الأوروبيين لوفدهم السياسي على الأراضي الأوروبية، كانت تأمل في تحقيق القضايا المذكورة أعلاه والتوجه إلى العاصمة النرويجية أوسلو. وفي هذا الصدد، وبحسب المتحدث باسم وزارة خارجية طالبان، عبد القهار بلخي، فإن التطورات في أفغانستان والأحوال الاقتصادية والمعيشية للشعب كانت محور الاجتماعات بين الوفد السياسي لهذه المجموعة وممثلي الولايات المتحدة وأوروبا.
حتى الآن في المفاوضات بين الغربيين وطالبان كانت المطالب الرئيسية للجانب الغربي هي ضمان حكومة شاملة من قبل طالبان، وقضايا حقوق الإنسان واحترام حقوق المرأة ومنع تنامي الإرهاب، لا سيما القاعدة في أفغانستان. لكن الغربيين، الذين فروا، وفقًا للقادة والاستراتيجيين الغربيين أنفسهم، من أفغانستان بسبب الهزيمة في حرب استمرت 20 عامًا خوفًا من عواقب استمرارها، يتعين عليهم الآن الجلوس مع العدو الذي هزمهم للتفاوض على سياسة الحكم وشروط التطبيع؟ ولكن هل يشير ذلك إلى كل النوايا الغربية في التفاوض مع طالبان؟
لا شك في أنه على الرغم من الانسحاب العسكري، فإن قضية أفغانستان لم تنته للولايات المتحدة، وقد تم وضع أهداف استراتيجية لأفغانستان ما بعد الوجود العسكري. لكن في الوقت الحالي، فإن أهم هدف للمفاوضات مع طالبان، القائمة على التأكيد على حقوق الإنسان والإرهاب والمساعدات الإنسانية للشعب، هو الحفاظ على هيبة قضية الأهداف الأولية المعلنة لغزو أفغانستان، فإن التستر على 20 عامًا من الجريمة وكذلك الهزيمة العسكرية أمر مخزٍ ويوهن مظهر الحلفاء.
لكن الأهداف والرؤية الإستراتيجية التي حددتها الولايات المتحدة لأفغانستان بعد الانسحاب العسكري لم تتماشى أبدًا مع الأهداف الدولية والإقليمية المتمثلة في تحقيق الاستقرار وتحسين الظروف الاقتصادية وإقامة حكومة شاملة تتمتع بشرعية عامة يمكنها حل الصراع العرقي والطائفي في أفغانستان وتحويله الى تمثيل سياسي. في الأساس، كانت الهيمنة الدولية والاهتمام بالمنافسات الجيوسياسية ضد دول أخرى مثل الصين وروسيا وإيران على رأس أولويات الحكومات الأمريكية، سواء في بداية الحرب الأفغانية وكيفية إنهاؤها بعد 20 عامًا، وهم يدركون أن عدم الاستقرار في أفغانستان له أضرار يمكن أن تسببها لخصوم الولايات المتحدة الإقليميين. من ناحية أخرى ، لدى اللاعبين المتنافسين لأمريكا في أفغانستان ، مثل الصين وروسيا وإيران، حوافز ومصالح مستدامة تحفزهم للمساعدة في حل مشاكل أفغانستان وإرساء أسس التنمية والاستقرار في البلاد.
لذلك، بغض النظر عن نتيجة محادثات طالبان مع الغرب، يجب على الحكومة الحالية والمستقبلية في كابول التركيز على تطوير التعاون الإقليمي مع جيرانها.