الوقت - بعد الزيارة المهمة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى الصين الأسبوع الماضي، والتي ركزت على تعزيز العلاقات بين البلدين، سافر السيد إبراهيم رئيسي، رئيس جمهورية إيران الإسلامية، رسميًا إلى موسكو اعتبارًا من الأربعاء الماضي بدعوة رسمية من الكرملين، ليسجل قبل نهاية السنة الأولى من رئاسته التي تدوم 4 سنوات، سجلاً مثمراً في مجال السياسة الخارجية لعرضه على الرأي العام.
لا شك أن العلاقات بين إيران وروسيا، كجارتين تاريخيتين ودولتين مهمتين ومؤثرتين في مجال التطورات الدولية، كانت على طريق التعاون الواسع وحتى الوحدة في العقد الماضي، لكن مع وصول حكومة السيد رئيسي إلى السلطة وجهود هذه الحكومة لتعزيز العلاقات مع الشرق، ينبغي اعتبار هذه الزيارة ونتائجها فصلًا جديدًا في العلاقات بين البلدين.
نتيجةً لذلك، بالإضافة إلى القضايا التي تمت مناقشتها وأي اتفاقيات حدثت أثناء الزيارة، يجب تحليل طبيعة دعوة بوتين للرئيس الإيراني بعد أشهر قليلة من تشكيل الحكومة الجديدة وقبولها من قبل طهران، فضلاً عن أسباب أهمية زيارة رئيسي لموسكو.
المصالح والمتطلبات المتبادلة للتحالف مع المحور الشرقي
من القضايا المهمة التي يمكن أخذها في الاعتبار عند دراسة طبيعة زيارة الرئيس الإيراني لموسكو، هي حضور إيران في المحور الشرقي الذي يتضمن متغيرين استراتيجيين، هما التطلع إلى الشرق وموقع إيران في تعزيز المحور الشرقي.
بعبارة أخرى، كان هناك في السنوات الأخيرة وجهة نظر ذات شقين بين إيران والقوى الشرقية الكبرى، بما في ذلك روسيا والصين وحتى الهند، لتطوير العلاقات وتشكيل التحالفات، كل منها لها المتطلبات والفوائد التي يستلزمها مثل هذا التحالف.
فمن ناحية، بينما يسمي المحللون العالميون القرن الحادي والعشرين قرن تراجع الهيمنة الغربية وقرن آسيا وجمهورية إيران الإسلامية، وفقًا لاستراتيجية المرشد الأعلى، التي تحدد الأطر الرئيسية لاستراتيجية السياسة الخارجية الإيرانية، فقد اتخذت إيران نهج التطلع إلی الشرق.
ووفقًا لتقارير البنك الدولي، من بين القوى الاقتصادية الست الكبرى في عام 2040، ستكون أربع قوى غير غربية(بالمعنى العام): وهي الصين والهند واليابان وروسيا.
إن بروز الصين كقوة اقتصادية وعلمية وتكنولوجية مستقبلية في العالم، وكذلك المصالح المشتركة في تعاون طهران الدولي مع روسيا والصين في مواجهة الأحادية والهيمنة والتدخلات الغربية، هي السمات الرئيسية للتوجه نحو الشرق.
الصين دولة مهمة في حد ذاتها وعضو في أكبر المنظمات الاقتصادية، بما في ذلك الكتلة الجديدة، والتي تسمى التعاون الاقتصادي الإقليمي الشامل.
وفقًا لذلك، تسعى الدول أيضًا إلى نوع من إعادة تحديد علاقاتها مع الصين، کما تسعى إلى التواجد في التكتلات الاقتصادية وربما السياسية في آسيا. واليوم أيضًا، تتنافس جميع دول العالم على الطرق السريعة التجارية، وتدور منافسة جديدة بين الدول على هذه الطرق السريعة.
في غضون ذلك، تحتوي مشاريع الترانزيت الهامة مثل مشروع "مبادرة الحزام والطريق" ومشروع "ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب"، على فرص تاريخية تسعى جمهورية إيران الإسلامية من قبل للاستفادة منها.
لكن من ناحية أخرى، ولأسباب مختلفة، فإن استيعاب إيران في المحور الشرقي له أهمية استراتيجية لروسيا والصين أيضًا. والدليل على ذلك هو عضوية إيران في منظمة اقتصادية مثل شنغهاي، وتوقيع التجارة الحرة مع الاتحاد الأوراسي في عام 1397(بما في ذلك أرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وروسيا) وربما في المستقبل بريكس(بما في ذلك الصين وروسيا والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل).
في الماضي، كان العداء بين الجمهورية الإسلامية والحكومة الأمريكية دائمًا هو العقبة الأبرز عند الحديث عن العقبات التي تحول دون انضمام إيران رسميًا إلى منظمة شنغهاي، لكن القبول الرسمي لعضوية إيران هذا العام أظهر أن إيران لعبت دورًا مهمًا في تعزيز المحور الشرقي.
أولاً، بالنسبة للصين وروسيا، فإن دور إيران في مواجهة الهيمنة الأمريكية أمر أساسي. الولايات المتحدة بلد محاط من الجانبين بالمحيط. وبالتالي، فإن أداة هذا البلد للحفاظ على الهيمنة والسيطرة عليها وتوسيعها هي القوة البحرية، والتي تؤدي في النهاية إلى الهيمنة على المحيطات.
وعندما تريد القوى العظمى محاربة الهيمنة الأمريكية، فإنها تنظر إلی القضايا بنظرة مرکزية، وتوجه انتباهها الكامل لإيجاد طرق للسيطرة على قلب أوراسيا. ويعتبر طريق الحرير الجديد محاولةً في نفس الاتجاه بالضبط، وعلى الرغم من أن الصين كانت منشئ هذه المبادرة، إلا أنها ليست الفاعل الوحيد.
تحاول روسيا أيضًا الهيمنة على السواحل المرکزية منذ عام 2000 كقوة مرکزية، وتسعى لتحقيق هذا الهدف من خلال فكرة إنشاء "ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب". يدخل هذا الممر باكو من استراخان، وبعد مروره عبر إيران والاتصال ببندر عباس وتشابهار، يمتد باتجاه الهند.
وثانيًا، بينما ركزت إدارة بايدن، مثل إدارة ترامب، إستراتيجيتها الأساسية للسياسة الخارجية الأمريكية على احتواء الصين، فإن إيران مهمة بالنسبة للصينيين لأسباب متنوعة أيضًا.
العامل الأول في أهمية إيران بالنسبة للصين، هو وصولها إلى الخليج الفارسي وموارد الطاقة عن طريق البر. وثانيًا، إيران هي الوحيدة التي تنتهج سياسات طاقة مستقلة، وتتبعها دائمًا؛ إلى الحد الذي لا يمكن مقارنتها بالسعودية أو الإمارات في هذا الصدد.
الروس أيضًا، الذين کافحوا لقرون للوصول إلى المياه الدافئة، وسعوا لاستعادة نفوذهم في الشرق الأوسط العربي على مدى العقدين الماضيين في ظل حكم بوتين، يرون التعاون مع جمهورية إيران الإسلامية جسرًا للنجاح.
أهداف ومواضيع محادثات رئيسي في الكرملين
تعزيز التعاون بين البلدين في مختلف القطاعات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والثقافية، هو محور مشاورات الرئيس الإيراني مع قادة الكرملين.
ويمكن رؤية تجليات خطة العمل هذه في إعداد وثيقة استراتيجية لمدة 20 عامًا من التعاون بين البلدين، والتي بالتأكيد جزء مهم من موضوع المفاوضات بين وفدي الجانبين.
مع انتهاء الاتفاقية التي استمرت 20 عامًا بين البلدين في عام 2021، وعلى الرغم من تمديد هذه الوثيقة تلقائيًا لمدة 5 سنوات أخرى، وضعت طهران وموسكو إحياء هذه الوثيقة على جدول الأعمال بناءً على الظروف العالمية الجديدة، وتعزيز العلاقات بين البلدين في السنوات الأخيرة، والنتيجة هي محاولة صياغة وثيقة إستراتيجية مدتها 20 عامًا.
وعلى الرغم من أن المسؤولين الإيرانيين يقولون إنه من غير المتوقع التوصل إلى اتفاق مدته 20 عامًا خلال هذه الزيارة، إلا أنها يمكن أن تعزز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وتمهد الطريق لعضوية إيران الدائمة في الاتحاد الأوراسي.
وحسب إبراهيم رضائي، رئيس مجموعة الصداقة البرلمانية الإيرانية الروسية، يبلغ حجم التبادل التجاري الحالي بين البلدين حوالي 3 مليارات دولار، وقد دعا الجانبان في المحادثات إلى تعزيزه على أساس القدرات الاقتصادية الحالية للبلدين.
ونظراً للعقوبات المشتركة التي فرضها الغرب، وخاصة الإدارة الأمريكية، على البلدين، فإن تعزيز التعاون الاقتصادي يمكن أن يكون فعالاً للغاية في تحييد هذه العقوبات.
کما أن المحادثات حول القضايا الإقليمية هي جزء مهم آخر من محادثات رئيسي مع قادة الكرملين. وتعدّ المناقشات حول قضايا مثل الأزمة السورية، وقضية أفغانستان، والمساعدة في حل مشاكل هذا البلد، والتعاون المستمر في مكافحة الإرهاب، والحفاظ على السلام والاستقرار في جنوب القوقاز، من بين القضايا المهمة في التعاون بين البلدين.
الجزء الآخر من أهمية زيارة السيد رئيسي يتعلق بالملف النووي والمفاوضات الجارية بين إيران ومجموعة 5 + 1 حالياً. ففي حين لم يتم إحراز تقدم كبير حتى الآن في عملية التفاوض، يمكن لروسيا والصين لعب دور نشط في إجبار الولايات المتحدة وأوروبا على الوفاء بالتزاماتهما برفع العقوبات عن إيران.