الوقت- بالتزامن مع مرور 65 عاماً على المجزرة التي ارتكبها العدو الصهيونيّ المجرم بحق مواطنين فلسطينيين عُزَّل في قرية "كفر قاسم" شرقي مدينة يافا (ما يُطلق عليها العدو تل أبيب) يوم 29 أكتوبر/ تشرين الأول 1956، والتي راح ضحيتها عشرات المدنيين الأبرياء نصفهم من الأطفال، لفت رئيس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، محمد بركة، في كلمة له الجمعة المنصرم، في مسيرة ومهرجان إحياء ذكرى المجزرة، إلى ما نشره المؤرخ الإسرائيليّ، آدام راز، حول أنّه عثر على ورقة صغيرة في أرشيف المحامي الذي دافع عن المجرم الذي أمر بارتكاب المجزرة، وقد كُتب عليها، أن مهمة مجزرة كفر قاسم هي أولاً: تطويق القرية، ثانيًا إبلاغ مسني القرية بأنّ عليهم الإجلاء عن القرية مع إمكانية عبورهم الحدود حتى الوقت المحدد خلال ثلاث ساعات، مضيفاً أنّه في 17 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، توفي قائد عصابة الايتسيل (عصابة يهوديّة إرهابيّة) وأحد المشاركين في مجزرة دير ياسين، بن تسيون كوهين، وهذا الشخص قال: "لو كان ثلاث إلى أربع قرى مثل دير ياسين، لما بقي عربيّ واحد في هذه البلاد، ما أضاف تأكيداً جديداً من الإسرائيليين أنفسهم على منهجيّة "الإبادة" التي يتبعها الاحتلال بحق أصحاب الأرض والمقدسات.
لا يخفى على أحد أنّ المشروع الصهيونيّ يستهدف الأمة وشبابها وتاريخها ومقدساتها، وقد دعا رئيس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية من كفر قاسم، إلى تعزيز الوحدة الوطنيّة، من أجل تحصيل حقوق الفلسطينيين دون مساومات ودون تنازلات، كونهم أصحاب الوطن، ولا يمكنهم أن يكونوا "كائنات أليفة في حظيرة الصهيونية" بحسب تعبيره، باعتبار أنّ هذه المجزرة كانت في صلب المشروع الصهيوني، فما لم يُستكمل في نكبة عام 1948 عند نشوء الدولة المزعومة، أرادوا استكماله في هذه المنطقة في العام 1956، تحت دخان الحرب التي شنها الصهاينة وفرنسا وبريطانيا على مصر، حيث إن مجزرة "كفر قاسم" كان لها هدف إجرامي، وهو أن ينفذوا عملية "طرد جماعيّ" لمن تبقى من الشعب الفلسطينيّ في بلاده.
وقد نفّذت العصابات الصهيونية الكثير من المجازر عقب إعلان قيام الدولة المزعومة "إسرائيل" على أنقاض فلسطين المحتلة وما زالت حتى اليوم، والهدف الأول والأخير هو سلب الأرض ونشر الرعب والدم لإثارة الحرب النفسيّة وزرع الذُعر بين الناس في القرى العربية الأخرى لدفع سكانها إلى الهرب من ديارهم، وإن هذه العقلية ما تزال تعشش في عقول الصهاينة، فهم لن ينجحوا في ترحيل الفلسطينيين من منطقة "المثلث" تحديدا، لكن ما يحدث الآن في موضوع الجريمة، هو إثبات ما يجول في داخلهم، فاستفحال الجريمة ليست خللا في عمل الأجهزة، وإنما بهدف تفتيت الشعب الفلسطيني، وبما أنّهم لم ينجحوا في العام 1956 بتحويله الى مشرّدين، ومذعورين خارج الوطن، فإنهم يريدوه أن يكون بفعل الجريمة، مفكك ومذعور داخل فلسطين الوطن.
وباعتبار أن جميع المجازر التي ارتكبتها مختلف العصابات الصهيونيّة -ومن ضمنها البالماخ والهاغاناه وإيتسيل- اشتركت بإلقاء المتفجرات على الفلسطينيين وفتح النار في جميع الاتجاهات، فضلاً عن استخدام الأسلحة البيضاء الحادة دون أي تمييز بين شباب أو مسنين أو أطفال ونساء، وتخلل بعضها شق رؤوس أطفال بالعصيّ، ولم يخل منزل من الجثث، ثم اقتادوا النساء والرجال وأبقوهم دون ماء أو طعام، وفجروا المنازل بمن فيها، فإن المطلوب هو أن يكونوا موحدين حول مطالبهم، وإن قدرهم وفقاً لبركة هو ليس ما تعرضه عليهم الحكومة الحالية، بإدخال جهاز الشاباك والجيش واستعمال الاعتقالات الإدارية، فهذه مواصفات حكم عسكري، بل قدرهم يجب ألا يكون إما تحت سطوة عصابات الاجرام، أو تحت الحكم العسكري، لأنهم أبناء هذا الوطن ويجب أن نكون موحدين حول حقوقهم ومقدساتهم وقدسهم وأقصاهم وبيوتهم وشعبهم، لأنهم جميعاً وباختصار "مهددون".
ولأن الاحتلال الصهيونيّ يهدف إلى جعل هذه المنطقة جيوسياسيّة واحدة تحكمها حكومة واحدة (جيوسياسيّة: السياسة المتعلقة بالسيطرة على الأرض وبسط نفوذ الدولة في أي مكان تستطيع الوصول إليه)، أي "أبرتهايد" (نظام فصل عنصريّ) بين النهر والبحر، يؤكد الفلسطينيون أنّهم ليسوا مقطوعين من شجرة، وليسوا كائنات أليفة في حظيرة صهيونية، كما أنّهم أصحاب الأرض والمقدسات، ولهم كامل الحق الكامل بذلك دون أيّ مساومات أو تنازلات.
وبالاستناد إلى تصريحات المسؤولين والمنظمات الصهيونيّة، فإنّ جرائم الصهاينة المُحتلين لا يمكن أن تتوقف بحق الفلسطينيين والعرب إلا باستئصال ذلك السرطان، كما أنّ الجلاد الصهيونيّ الرافض للوجود الفلسطينيّ بشكل مطلق، لا يمكن أن يتغير أبداً، لذلك يجب عدم الاكتراث لادعاءات "السلام" المُزيفة، ومن الضروريّ على المجتمع الدوليّ دعم الحقوق المشروعة للفلسطينيين على أراضيهم، إضافة لطرد الكيان الغاشم من الأراضي السوريّة واللبنانيّة المُحتلة.
خلاصة القول، يُغيب الكيان الصهيونيّ القاتل، القرارات الدوليّة بفرضه سياسة الأمر الواقع على الفلسطينيين واستباحته للدم الفلسطينيّ والعربيّ وخرقه الفاضح لكل القوانيّن والمواثيق الدوليّة المتعلقة بحقوق الإنسان، إضافة إلى مخطط الضم امتداداً لعملية التوسع على حساب الأرض والحقوق الوطنيّة للشعب الفلسطينيّ الأعزل، في إصرار واضح من حكومة العدو على قتل آخر رمق للسلام الذي يتحدث عنه البعض وبالأخص الولايات المتحدة التي أدخلت العديد من الدول الخليجيّة والعربيّة في حظيرة التطبيع مع الكيان الصهيونيّ، لكن الفلسطينيين مصممين أكثر من أيّ وقت مضى على المقاومة والوفاء لهذه الذاكرة المريرة، حتى تحرير آخر شبر من الأراضي المحتلة.