الوقت _ مؤخراً، ضجت وسائل الإعلام العربيّة والأجنبيّة بما كشفته سوريا حول رفع الأمانة العامة للإنتربول الدوليّ (منظمة الشرطة الجنائيّة الدوليّة) الحظر المفروض على دمشق، واستعادة مكتب سوريا كافة صلاحياته، وتُعد تلك المنظمة أكبر جهة شرطيّة دولية أُنشأت عام 1923، ومكونة من قوات شرطة لـ 194 دولة، ومقرها الرئيس في مدينة ليون الفرنسيّة، في خطوة وُصفت بأنّها "مهمة وتاريخيّة" في أعقاب استعادة الجيش العربيّ السوريّ السيطرة على معظم الأراضي السوريّة من سيطرة الإرهابيين، ما يشير بشكل جليّ إلى بدء مرحلة التعاون الدوليّ مع الدولة السوريّة والاعتراف بحقيقة الواقع الجديد الذي فرضته التطورات الميدانيّة.
بمجرد أن كشف مدير إدارة الأمن الجنائيّ السوريّ، العميد حسين جمعة، أنّ وفداً من الأمانة العامة للإنتربول الدولي سيزور العاصمة السوريّة دمشق الشهر القادم، برئاسة رئيس مكتب مكافحة الإرهاب في الأمانة العامة، وحضور عدد من المدربين، انتشر الخبر كالنار في الهشيم خاصة عقب الانتصارات الكبيرة التي حققتها سوريا في الميدان العسكريّ بعد دحر الجيش السوريّ المجموعات الإرهابيّة المسلحة في أغلب المناطق السورية وسيطرته على معظم مساحة البلاد، ومؤخراً بعد النصر المؤزّر الذي حققه الرئيس السوريّ، بشار الأسد، في الانتخابات الرئاسيّة السوريّة لعام 2021 بنسبة كبيرة عكست نتائجها جماهيريّته داخل البلاد وخارجها، إضافة لتقارير كثيرة تتحدث عن عودة تدريجيّة لبعض الدول التي قاطعت وحاربت دمشق لسنوات طويلة إلى العاصمة السوريّة عبر الطريق الدبلوماسيّ.
وفي ظل التغير المتوقع للمناخ السياسيّ، سبق هذا الخبر عودة للتقارب بين سوريا وأكثر الدول التي انخرطت في الحرب عليها وسعت بكل قوتها لإسقاط النظام الحاكم في البلاد، وبالطبع فشلت كل التحالفات السياسيّة والعسكريّة في مشاريعها التدميريّة، وهذا ما جعلهم اليوم يعودون بحقائبهم الدبلوماسيّة، حيث يتم الحديث عن أنّه خلال الزيارة ستكون هناك ورشة عمل حول موضوع التطبيقات الحديثة للإنتربول، باعتبار أنّ أعضاء الشرطة الدوليّة يتبادلون المعلومات عن المجرمين الدوليين، ويتعاونون فيما بينهم في مكافَحة الجرائم الدوليّة، مثل جرائم التزييف والتهريب وعمليات الشراء والبيع غير المشروعة للأسلحة، ويحتفظ أفرادُ المنظَّمة بسجلات الجرائم الدوليَّة، ويساعدون الأعضاء في النواحي العمليّة، ويقومون بتدريب وعمل استشارات لأفراد الشرطة، وهذا كله اعتراف دوليّ واضح وصريح بشرعيّة الدولة السوريّة.
أيضاً، إنّ أحد أهم ميزات رفع حظر الخدمات عن مكتب الانتربول في سوريا، هو قدرة المكتب على تقديم خدمات الإنتربول لمؤسسات الدولة السوريّة الأخرى، مثل الهجرة والجوازات، والجمارك العامة والمعابر الحدوديّة، فيما يتعلق بموضوع تهريب السيارات، وقاعدة بصمات المطلوبين في العالم وغيرها، إضافة إلى أن رفع الحظر يسهل موضوع الاتصال والخدمات، وخصوصا مع الأمانة العامة، وفقاً للعميد جمعة الذي أكّد وجود تعاون مسبق خلال الأشهر الماضية بين بعض الدول العربية و مكتب دمشق في الأمور الجنائيّة، بعد أن كانت النشرات الحمراء التي يرسلها مكتب دمشق للأمانة العامة، تخضع للتدقيق الشديد، ناهيك عن عدم استجابة الكثير من الدول الأوروبيّة وبعض الدول العربيّة للنشرات التي يصدرها المكتب عند مخاطبتها بشكل مباشر.
وفي هذا الخصوص، إنّ قيام اللجنة التنفيذيّة في الأمانة العامة للإنتربول الدوليّ برفع الحظر عن دمشق هي خطوة ذات دلالات ونتائج هامة، وقد اعتبر محللون أنّ ذلك يسير ضمن أجواء إيجابيّة واضحة المعالم على الصعيدين الإقليميّ والدوليّ، وتصب في اتجاه كسر جليد الحصار الدبلوماسيّ والسياسيّ والاقتصاديّ المفروض على الشعب السوريّ وحكومته.
من ناحية أخرى، يوحي القرار الدوليّ الأخير بوجود توافق دوليّ ما بين الأقطاب السياسيّة على إعادة الجمهوريّة العربيّة السوريّة إلى موقعها الطبيعيّ، كما أنّه بمثابة "إعطاء ضوء أخضر" لعودة التعاون الدوليّ وبالأخص الغربيّ مع السلطات السورية، وبالتالي فإنّ الإرهابيين لن يجدوا كالسابق ملاذات آمنة خارج الأراضي السوريّة دون أن يتعرضوا فيها للملاحقة والمساءلة، وهذا بدوره يعني تضييقاً على داعمي وممولي الإرهاب، وصافرة لبدء تخلي الدول الداعمة للإرهاب بشكل تدريجيّ عن علاقاتها مع الجماعات والتنظيمات الإرهابيّة، وإجبارها على تسليمهم أو طردهم من أراضيها.
وبالتالي، فإنّ ذلك سينعكس بشكل إيجابيّ على دعم الإرهاب وأدواته من بعض العواصم وأجهزة الاستخبارات ضد سوريا، والتراجع عن توظيف هذا الملف كأداة في التعاطي والضغط على الدولة السورية، وبالرغم من أن الإنتربول لا يمتلك سلطة إلزام على الدول لتسليم مطلوبين إلى دول أخرى، إلا أن وضع أسماء المطلوبين على "النشرة الحمراء" للإنتربول يضيّق على الإرهابيين ويعطي ملاحقتهم الطابع الدوليّ، ويدفع الدول إلى تسليمهم أو التخلي عن إيوائهم.
خلاصة القول، إن قرار رفع الحظر الذي دام لعقد من الزمن من قبل الإنتربول عن دمشق، يُحقق التعاون في مجال مكافحة الجريمة والإرهاب الدوليّ، ما يعني أنّ الدول التي تآمرت على سوريا وأرسلت الإرهابيين للأراضي السوريّة ترغب بمعرفة بيانات عن هؤلاء الإرهابيين، والدولة السورية لا شك أنّها تمتلك بنك معلومات هائلة عنهم، كما أنّ هذا القرار يعني الاعتراف بحقيقة شرعيّة الدولة السورية، ويمهد لعودتها بقوّة إلى الساحة الدوليّة، بعد أن أسقطت دمشق كل الرهانات.