الوقت- وقّع الرئيس اللبناني "ميشال عون" ورئيس مجلس النواب "نبيه بري" ورئيس الوزراء اللبناني "نجيب ميقاتي" يوم الجمعة الماضي، خلال اجتماع ثلاثي مشترك، مرسوماً بتشكيل حكومة لبنانية بحيث يمتلك لبنان، بعد أكثر من عام على استقالة الحكومة برئاسة "حسن دياب"، حكومة من شأنها النهوض به وإخراجه اخيرا من الجمود السياسي. وبعد ذلك، أعلن الأمين العام لمجلس الوزراء اللبناني، "محمود مكية"، أن الرئيس "ميشال عون" أصدر ثلاثة قرارات بقبول استقالة حكومة "حسان دياب"، وترشيح "نجيب ميقاتي" رئيساً لمجلس الوزراء، وتشكيل حكومة جديدة برئاسته. وحول هذا السياق، قال "ميقاتي" عقب توليه منصبه "نركز حاليا على مكافحة كورونا وإعادة إعمار مرفأ بيروت ستكون إحدى أولوياتنا، وأمامنا ثمانية أشهر فقط لنفعل ما في وسعنا". وقال ميقاتي أيضا: "نحاول إعادة لبنان إلى المجتمع الدولي. ومن المستحيل ألا تكون لديك علاقات وثيقة مع الدول العربية. ونؤكد على ضرورة التنسيق مع جميع الأطراف. وسيتم طرد أي شخص يسعى إلى عرقلة أنشطة الحكومة. ونحن نعمل على تحقيق الخلاص الوطني". واضاف إن "المصرف المركزي اللبناني وحده ليس مسؤولا عن الازمة الحالية ونحن نحاول وقف السقوط الاقتصادي الذي يشهده لبنان".
وأشار إلى أن حكومته مكونة من اختصاصيين، وأنها تلتزم بوثيقة الوفاق الوطني، وستعمل على وقف الانهيار الحاصل في البلاد، وشدد على الحاجة إلى وصل ما انقطع من العلاقات مع العالم العربي والغربي. وقال إن سياسات التناحر والانقسامات يجب أن تنحى جانبا، مشيرا إلى أنه لا يمكنه الذهاب لإجراء مفاوضات مع صندوق النقد الدولي "آتي لأخذ موافقة عليها وترجع توقف بمحل آخر". كما تعهد بالسعي للحصول على دعم الدول العربية، مؤكدا "لن نوفر ثانية إلا وسنتصل بكل الهيئات الدولية كي نستطيع تأمين أبسط أمور الحياة التي صارت أساسية". وأضاف "علينا جميعا أن نتحمل، نحن اليوم في طائرة تقوم بهبوط اضطراري سريع، وما نطلبه من الركاب -أي من اللبنانيين- هو شد الأحزمة لنتمكن من الإقلاع سريعا، هناك شد أحزمة على الجميع".
ومن بين أعضاء حكومة "ميقاتي"، "فراس أبيض" الذي عرف بنجاحه في التعامل مع أزمة كورونا، وقد عين وزيرا للصحة، و"جورج قرداحي" الإعلامي المعروف وعين وزيرا للإعلام، والباحث المعروف "ناصر ياسين"، والذي عين وزيرا للبيئة. وعيّن "يوسف خليل" المسؤول الكبير بمصرف لبنان ومساعد حاكم المصرف "رياض سلامة" وزيرا للمالية في التشكيل الحكومي الجديد المقترح. وتضم حكومة ميقاتي امرأة واحدة هي "نجلا رياشي" وزيرة دولة لشؤون التنمية الإدارية. وعلى الرغم من أن معظم الوزراء لا ينتمون إلى أي تيار سياسي علنا لكن تمت تسميتهم من أحزاب وقادة سياسيين بارزين، ما يجعلهم محسوبين على هؤلاء، وفق تقارير إعلامية. و"ميقاتي" هو ثالث رئيس وزراء يكلف بتشكيل حكومة من الرئيس "عون" منذ استقالة حكومة "حسان دياب" قبل أكثر من عام بعد انفجار مرفأ بيروت ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية.
إن الحكومة اللبنانية الجديدة تشكلت في وقت كانت فيه جهات داخلية وخارجية تحاول منع حدوث مثل هذا الأمر من خلال وضع الكثير من العراقيل. ومن الأحزاب المحلية نذكر رئيس الوزراء اللبناني السابق "سعد الحريري" وفصيله حزب المستقبل. وكان "الحريري" نفسه متردداً في تشكيل حكومة جديدة برئاسة شخص آخر، إذ فشل هو نفسه في تشكيل حكومة. ومنذ ما يقرب من عام، حاولت بعض الجماعات والتيارات السياسية عرقلة تشكيل حكومة لبنانية جديدة من خلال الركوب على المطالب الاقتصادية للشعب. وفي الواقع، سعت هذه الأحزاب والتيارات السياسية إلى استغلال مطالب الشعب. وحاولت هذه المجموعات السياسية إخراج الناس إلى الشوارع ووضعهم أمام الحكومة اللبنانية. وكان الهدف الرئيسي لهذه الجماعات هو محاولة جلب الناس إلى الشوارع وإحداث ضغط اجتماعي على الرئاسة اللبنانية. ومن ناحية أخرى، بذل البعض قصارى جهدهم لتقديم "حزب الله" في لبنان على أنه السبب الرئيس للأزمة الاقتصادية والمعيشية في البلاد، من أجل وضع الناس في مواجهة مستقيمة مع "حزب الله".
لكن دور "حزب الله" اللبناني في حل أزمة الوقود للبنان لعب دوراً مهماً في إفشال هذه الجهود. ومن خلال استيراد الوقود الذي يحتاجه الشعب من جمهورية إيران الإسلامية، أظهر "حزب الله" اللبناني أنه لم يلعب فقط أدنى دور في جعل الاقتصاد اللبناني ومعيشتهم صعبة، بل اتخذ أيضًا طريق حل لهذه الأزمات بذكائه والنقطة الأخرى التي يجب ملاحظتها هي دور "حزب الله" اللبناني في التوسط في تشكيل حكومة جديدة خلال العام الماضي. وخلال ذلك الوقت، لم يدخر "حزب الله" اللبناني جهداً لتشكيل حكومة لبنانية جديدة في أسرع وقت ممكن. بل إن "حزب الله" وافق على تقديم تنازلات في حصته في هيكل الحكومة حتى تبدأ الحكومة اللبنانية عملها في أسرع وقت ممكن. وفي غضون ذلك، لم يتدخل "حزب الله" اللبناني بشكل بناء في الخلافات بينه وبين الرئيس اللبناني "ميشال عون" في أوقات مختلفة، لا في عهد "سعد الحريري" ولا في عهد "نجيب ميقاتي". لقد لعب "حزب الله" دور "الوسيط المحايد" في وقت كان فيه لبنان يعاني من فراغ سياسي ورفض حتى الوقوف إلى جانب "ميشال عون". لقد أظهر دور "حزب الله" هذا في لبنان حكمته وإبداعه، وفي النهاية تشكلت الحكومة اللبنانية أخيرًا في ظل هذا الدور الحكيم بعد فترة من فراغ السلطة. وبالنظر إلى الوضع السياسي والاقتصادي الحالي في لبنان، فإن تشكيل حكومة جديدة أمر مهم.
ردود فعل خارجية
على المستوى الخارجي، رحّب الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" بتشكيل حكومة في لبنان، واصفا الأمر بانه "خطوة لا غنى عنها" من أجل إخراج البلاد من الأزمة العميقة التي تجد نفسها فيها. وجاء في بيان للرئاسة الفرنسية أن "ماكرون" الذي غاص بعمق في الملف اللبناني، "يرحب بتشكيل حكومة جديدة في لبنان. إنها خطوة لا غنى عنها من أجل اتخاذ تدابير طارئة ينتظرها اللبنانيون لإخراج بلدهم من الأزمة العميقة التي يجد نفسه فيها". وأشار "ماكرون" إلى "ضرورة امتثال السياسيين للالتزامات التي قطعوها من أجل السماح بتنفيذ الإصلاحات اللازمة لمستقبل لبنان، وتمكين المجتمع الدولي من تقديم المساعدة الأساسية له". كما رأى أمين عام الأمم المتحدة "أنطونيو غوتيريش"، أن تشكيل حكومة جديدة في لبنان يمثل "خطوة بالغة الأهمية" للبلاد، متمنيا "كامل التوفيق" لرئيسها "نجيب ميقاتي".
وقال "غوتيريش" في مؤتمر صحافي "بالطبع هذا لا يكفي، هناك الكثير من الأمور الأخرى التي يتعين حلها، ولكن كانت (الحكومة) الشرط الأساسي ليكون كل شيء آخر ممكنا"، مشيرا إلى أنه عمل سابقا مع ميقاتي عندما كان يشغل منصب مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين. وتابع غوتيريش "آمل أن يكون قادرا على جمع مختلف أطياف اللبنانيين ومختلف القوى السياسية اللبنانية من أجل تمكين لبنان من تخطي الوضع المأساوي الذي يمر به حاليا". ومن جهته، رحّب وزير خارجية الاتحاد الأوروبي "جوزيب بوريل"، بتشكيل الحكومة بوصفها "المفتاح لمعالجة الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية الحالية، وتنفيذ إصلاحات طال انتظارها والتحضير لانتخابات العام 2022".
ويقع على عاتق الحكومة الجديدة التوصل سريعا إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي كخطوة أولى لإخراج لبنان من أزمته التي تتسم بنقص السيولة وبأزمات حادة في الوقود والكهرباء تنعكس على كل جوانب الحياة. كما عليها الإعداد للانتخابات البرلمانية المحددة في مايو/أيار، والتي يحرص المجتمع الدولي على إتمامها في مواعيدها. ومنذ أكثر من عام ربط المجتمع الدولي تقديمه أي دعم مالي بتشكيل حكومة من اختصاصيين تنكب على إجراء إصلاحات جذرية، واكتفى بانتظار تقديم مساعدات إنسانية عاجلة، من دون المرور بالمؤسسات الرسمية.