الوقت- بينما سيطرت حركة طالبان على جميع المقاطعات والأراضي الأفغانية تقريبًا، لا تزال مدينة "بنجشير" خارج سيطرة هذه الجماعة. ولقد صرح "أحمد مسعود"، نجل البطل القومي لأفغانستان في ولاية "بنجشير" ، أنه لا يرحب بالحرب ولا يسعى للحرب، لكنه لا يرغب في الاستسلام، بل يسعى للحوار لإيجاد حل للأزمة التي تعصف بالبلاد. وشدد "أحمد مسعود" على أنه يريد تشكيل حكومة شاملة تضم كل الجماعات العرقية في أفغانستان، وأنه سوف يحمل السلاح إذا هاجمت طالبان مدينة "بنجشير" التي يقطن فيها. ومدينة "بنجشير" هي واحدة من 34 مقاطعة في أفغانستان ويبلغ عدد سكانها حوالي 150 ألف نسمة ومعظم سكانها من الطاجيك ويشكل الطاجيك 98.9٪ من سكان هذه المقاطعة.
"أحمد مسعود": سأقوم بثورة جديدة ضد "طالبان"
أعلن "أحمد مسعود"، نجل القائد الأفغاني الراحل، أنه لم يغادر أفغانستان وأنه سيقوم بثورة جديدة مثل ثورة والده، ويعتبر "أحمد مسعود" أحد القادة المسلحين في "بنجشير" شمالي كابل الذي يعلن رفض جماعته لأي اتفاق مع "طالبان". وقال "مسعود": "نترحم على قائدنا أحمد شاه مسعود، فهو القائد الذي قاتل طالبان حتى آخر لحظة في حياته، منذ 24 سنة و طالبان متسلطين علينا، وبسببهم تأذى الشعب الأفغاني". وأضاف: "لا نريد المصالحة ولا الاتفاق مع طالبان وسنقاتلهم حتى آخر لحظة في حياتنا". وكانت أنباء ترددت عن قيام "مسعود" بمغادرة البلاد، وأعلنت وكالة روسية قبل عدة أيام أن نجل القائد الأفغاني الراحل، "أحمد شاه مسعود"، غادر البلاد من ولاية "بنجشير" شمالي كابل على متن مروحية عسكرية يرافقه عدد من الشخصيات، لكن "مسعود" نفى ذلك، مؤكداً أنه "لم يغادر أفغانستان وأنه سيقوم بثورة جديدة مثل ثورة والده".
يذكر أن ولاية "بنشير" الأفغانية لا تزال الولاية الوحيدة التي لم يدخلها عناصر حركة "طالبان". وفي هذا السياق، أكد أحد القادة المسلحين في "بنجشير" شمالي كابل، ويُدعى "محمد بنشير"، رفض جماعته لأي اتفاق مع "طالبان"، معلناً الحرب ضدها. وذكرت بعض المصادر الاخبارية كذلك أن "عناصر حركة طالبان أطلقوا النار على مشاركين في مسيرة لدعم العلم الوطني لأفغانستان في مقاطعة ننكرهار، ما أدى الى سقوط قتلى وجرحى". وفي وقت سابق، ذكرت تلك التقارير الاخبارية، أن نائب الرئيس الأفغاني المستقيل "أشرف غني"، "أمر الله صالح"، أعلن نفسه رئيساً للبلاد. وأشارت تلك التقارير إلى أن إعلان "صالح" جاء بعد لقائه نجل "أحمد شاه مسعود" الذي قتلته "القاعدة" قبل هجمات 11 أيلول/سبتمبر. كما أعلن "صالح" أنه جمع أنصاره والدبابات والطائرات في "بنجشير" من أجل القتال، داعياً الأفغان إلى "الانضمام إلى المقاومة". وكان مسؤول من حركة "طالبان" أكد يوم الأربعاء الماضي، أن الحركة ستشارك في "حوار سلمي مع مسؤولي الحكومة السابقة لضمان شعورهم بالأمان".
من هو أحمد مسعود؟
"أحمد مسعود" (32 عاما) هو نجل "أحمد شاه مسعود"، أحد القادة الرئيسيين للمقاومة الأفغانية المناهضة للسوفييت في الثمانينات ولاقى "أحمد شاه مسعود" حتفه قبل أيام من هجمات 11 سبتمبر أيلول 2001 في الولايات المتحدة، على يد مسلحي تنظيم القاعدة الذين وجدوا ملاذا في أفغانستان تحت حكم طالبان، لكن اسمه ما زال له مكانته في أفغانستان وأنحاء العالم. وقد اعتبر بطلا قوميا بموجب مرسوم رئاسي في 2019 وإن كانت قوات "أسد بنجشير" تركت ذكريات متضاربة لدى سكان كابل الذين علقوا، مطلع تسعينات القرن الماضي، في القتال بين المجاهدين المتنافسين. ويقود "أحمد مسعود"، الذي تخرج في أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية البريطانية المرموقة، حزبا سياسيا اسمه "جبهة المقاومة". والاثنين الماضي، نشر عمودا في المجلة الفرنسية "لا ريغل دو جو"، أكد فيه أنه يريد أن يجعل معركة والده "حربه". ودعا الأفغان إلى الانضمام إليه "في معقلنا في بنجشير وهي آخر منطقة حرة في بلدنا المحتضر".
طالبان ترسل وفد الي بنجشير
أعرب متحدث باسم طالبان، يوم الاثنين الماضي، إن الحركة تتفاوض مع المسلحين في "بنجشير" لتجنب الحرب وإراقة الدماء. وأضاف المتحدث "استعدنا المناطق جميعها في بغلان التي سيطر عليها مسلحون سابقا"، فيما قال متحدث باسم القوات المناهضة لطالبان إن "قواتنا في بنجشير جاهزة للمقاومة". وأضاف المتحدث باسم القوات المناهضة لطالبان في "بنجشير"، أن هناك آلاف المقاتلين في المنطقة بقيادة أحمد مسعود، وأن قواته ستسعى للسلام قبل الدخول في الحرب، داعيا الحركة للدخول في مفاوضات جادة. وفي وقت تستمر عمليات الإجلاء الجوي من مطار كابل في أجواء من الفوضى، أعلنت حركة طالبان الأحد الماضي شن هجوم واسع النطاق على وادي "بنجشير"، المنطقة الوحيدة التي لا تزال خارج سيطرتها في أفغانستان. وكتبت الحركة في تغريدة على حسابها على "تويتر" بالغة العربية، إن "المئات من عناصرها يتوجهون نحو ولاية بنجشير للسيطرة عليها، بعد رفض مسؤولي الولاية المحليين تسليمها بشكل سلمي". وأظهر مقطع فيديو قصير رتلاً من الشاحنات التي تم الاستيلاء عليها وعليها علم طالبان الأبيض، لكنها لا تزال تحمل علامات على أنها حكومية، أثناء تحركها على طريق سريع. وكانت قوات حكومية سابقة تجمعت في وادي "بنجشير" المنطقة الجبلية الواقعة شمال كابل والمعروفة منذ فترة طويلة بأنها معقل لمعارضي طالبان. وحول هذا السياق، قال المتحدث باسم الجبهة المناهضة لطالبان، "علي ميسم نظري"، إن "جبهة المقاومة الوطنية مستعدة "لصراع طويل الأمد، لكنها ما زالت تسعى للتفاوض مع طالبان حول حكومة شاملة". وقال "نظري" إن "شروط اتفاق سلام مع طالبان هي اللامركزية وهو نظام يضمن العدالة الاجتماعية والمساواة والحقوق والحرية للجميع".
مخاوف بشأن إساءة استخدام الأجانب لقضية "بنجشير"
بينما يعلن "مسعود" الحرب على طالبان في بنجشير، هناك مخاوف من إساءة استخدام هذه المطالب الشعبية. حيث ذكرت صحيفة "واشنطن بوست"، على سبيل المثال، أن المقاتلين المناهضين لطالبان في ولاية بنجشير طلبوا من الدول الغربية تزويدهم بالأسلحة. وبحسب الصحيفة، فقد قال نجل "أحمد شاه مسعود"، الذي يعتبر نفسه زعيم جبهة المقاومة، إن "الولايات المتحدة وحلفاءها غادروا ساحة المعركة، لكن الولايات المتحدة يمكن أن تصبح قوة عظيمة مؤيده للديمقراطية في افغانستان". وأضاف، "إني أطلب من أصدقاء أفغانستان في الغرب، وفي واشنطن ونيويورك، وفي البرلمان والحكومة البريطانية لندن، حيث أنهيت تعليمي، وفي باريس حيث افتخروا العام الماضي واطلقوا أسم والدي على شارعًا هناك، أن يمدوا يد المساعدة لنا".
ومن ناحية أخرى، يعتقد الأفغان وعدد من السياسيين الأفغان أنه إذا لم يتم حل مشكلة بنجشير من خلال الحوار ولم يتم قبول مطالب "أحمد مسعود"، فسيكون هناك احتمال لحرب تستمر لسنوات طويلة. وفي غضون ذلك، وعلى الرغم من أنه من المتوقع أن تشكل حركة طالبان حكومة شاملة مع جميع الجماعات والاطياف العرقية قريبًا، إلا أن هناك مخاوف أيضًا من أن طالبان قد لن تقدم تنازلات لـ"أحمد مسعود" في ولاية بنجشير. وهذا الامر قد يمهد الطريق مرة أخرى الطريق للتدخل الأجنبي والغربي في أفغانستان. وهذا الامر توكدة دعوات "أحمد مسعود" للدول الغربية لتقديم مساعدات عسكرية له، وهذا قد يمهد الطريق للغرب للاستفادة من التوترات الداخلية في أفغانستان. لذلك، في الوضع الحالي، يبدو أن أفضل طريقة لأفغانستان لنزع فتيل الازمة هي من خلال الحوار وبذل جهود كافية لتشكيل حكومة شاملة.