الوقت_ مع غياب سوريا التي تربطها مع العراق حدود طولها حوالي 600 كم، انطلقت ما تسمى "قمة دول الجوار" ببغداد في ظل تمثيل دوليّ واسع وتأكيد على دور العراق كوسيط، بهدف تخفيف التوترات في الشرق الأوسط، وفي الوقت الذي غابت فيه أحد أهم دول الجوار العراقيّ، حضر القمة الرئيس الفرنسيّ، إيمانويل ماكرون، والرئيس المصريّ، عبد الفتاح السيسي، والملك الأردني، الملك عبدالله الثاني، وأمير قطر، تميم بن حمد، ويترأس حاكم دبي، محمد بن راشد، وفد الإمارات، ويمثل الكويت، صباح خالد الحمد الصباح، فيما يمثل السعودية وزير الخارجية فيصل بن فرحان، ويمثل الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، وزير الخارجيّة الجديد، حسين أمير عبد اللهيان، بالإضافة إلى وزير خارجية تركيا، أحمد داود أغلو.
وإنّ العراق الباحث من خلال هذا المؤتمر عن الدعم لاستعادة الاستقرار الأمنيّ والاقتصاديّ وتعزيز دوره الإقليميّ، والذي يعاني بشدّة من أزمات اقتصاديّة وسياسيّة واجتماعيّة كبيرة، غيّب سوريا التي تعاني منذ10 سنوات من حرب ضروس، وتعيش أوضاعاً معيشيّة واقتصاديّة مأساويّة، ما يعني غياب الرغبة الاقليميّة والدوليّة في إيجاد عمليّة سياسيّة لإنهاء الأزمة السورية.
وبما أنّ حكومة رئيس الوزراء العراقيّ، مصطفى الكاظمي، تدعي حرصها على إيجاد السلام في المنطقة بما ينعكس على أوضاعها البلاد الداخليّة، وإعادة تأثير العراق كقوة إقليميّة هامة في الشرق الأوسط عبر أخذ المبادرة في محاولة حل بعض المشكلات العالقة منذ سنوات وبالأخص فيما يتعلق بالملف السوريّ، كان يجب عليها استضافة سوريا على رأس قائمة المدعوين، لمناقشة التحديات السياسيّة والأمنيّة والاقتصاديّة التي تواجهها دول المنطقة، ومحاولة إعادة المياه إلى مجاريها بين بعض الدول التي تعيش علاقات متوترة للغاية، فما الفائدة من سماع كلمات بعض الدول العربيّة والأوروبيّة التي أصدعت رؤوسنا منذ عقد من الزمن؟، دون أيّ نتائج تذكر.
سر الغياب الرسميّ لسوريا عن "قمة دول الجوار" في بغداد، كان نتيجة ضغوط كبيرة على العراق لمنعه من توجيه الدعوة إلى الحكومة السوريّة، على الرغم من أنّ سوريا من أهم دول الجوار، ولها امتداد جغرافيّ وتاريخيّ وشعبيّ مع بلاد الرافدين، إضافة إلى التحديات المشتركة في الكثير من القضايا، وأبرزها قضيّة الجماعات والتنظيمات الإرهابيّة المسلحة المدعومة خارجيّاً بشكل غير محدود، مع وجود قوات أجنبيّة محتلة، خاصة في الأجزاء الشماليّة للبلدين.
وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، لم يخف أنّ سوريا هي قضية خلافيّة دوليّاً وإقليميّاً، متحدثاً أنّ الحكومة السورية تتفهم الموقف العراقيّ بعدم دعوة دمشق إلى الاجتماع لإبعاد الخلافات، رغم أنّه أوضح أنّ الغاية من قمة بغداد هو تخفيف التوتر في المنطقة بما يفضي إلى تخفيف الاحتقان في الداخل العراقيّ، حيث إنّ الرغبة العراقيّة في توجيه الدعوة إلى سوريا قوبلت بالرفض من قبل دول عدة، ربما بسبب عدم رغبتهم في تهدئة الأجواء وتحسين الوضع الأمنيّ في المنطقة، والدليل على ذلك ما أشار إليه مؤخراً عضو لجنة العلاقات الخارجيّة في البرلمان العراقيّ، النائب عامر الفائز، حول أنّ حكومة الكاظمي تحاول إقناع كل من باريس والرياض وأبوظبي من أجل توجيه الدعوة لدمشق للمشاركة في قمة "دول جوار العراق"، وتقوم بإجراء مشاورات واسعة مع بعض الأطراف الإقليميّة والدوليّة، لإقناعها بأهميّة وضرورة المشاركة السورية باعتبارها من أكثر الدول المعنيّة بهذا المؤتمر، ولا يجوز الاستمرار في عزلها عربيّاً.
وتنبع أهميّة مشاركة سوريا، من أنّها تفتح الباب أمام تحسن كبير في المنطقة على جميع الأصعدة، حيث إنّ حلحلة المشاكل مع سوريا وفيها يعني تغيراً كبيراً في الظروف السياسيّة الحاليّة، باعتبارها محور استقطاب هام بين دول الخليج من جهة وتركيا من جهة أخرى إضافة إلى أنّ تداعيات نجاح القمة في العراق ستمتد إلى لبنان الغارق بالمشاكل الاقتصاديّة والسياسيّة، ودول المغرب العربيّ كذلك.
ونتيجة الضغوط المفروضة على الحكومة العراقيّة، غابت سوريا عن القمة رغم الأهميّة القصوى لحضورها باعتبارها "حجر الزاوية" في استقرار وأمن المنطقة، كما أنّ القمة عُقدت في الأساس بحسب ما أعلن عنها لتصفية الأجواء على المستويين الإقليميّ والداخليّ للعراق، لكن أعداء دمشق نجحوا في تغييبها عن قمة دول جوار العراق، لأنّ ذلك سيكون بمثابة اعتراف واضح وصريح بانتصارها السياسيّ كما العسكريّ وطعنة في خاصرة "المعارضة السورية" المشتتة والمنقسمة على ذاتها بشكل لا يوصف.
وإنّ الخطوة الجديدة للعراق جاءت بعد غياب طويل عن الساحة السياسيّة، وأعقبت ظهوراً كبيراً للعراق في عدة ملفات بعد أن أخذ دور "نقطة الوصل" من خلال دور هام في تخفيف حدة الخلافات الإقليميّة، لكن ومع استبعاد سوريا عن المؤتمر من المؤكد أن هدف القمة الرئيس لن ينجح، ولكن ربما يعود العراق قليلاً إلى الدور القياديّ العربيّ وينأى بنفسه عن الصراعات الإقليميّة، عبر استكمال جهود العراق في تطبيع العلاقات بين دول الجوار، وبالأخص بين إيران والسعودية، وبين أنقرة وعدة دول عربية، ليبقى التحدي الأبرز بالنسبة للعراق جمع قادة بعض الدول والوصول إلى هدف تحقيق الاستقرار الإقليميّ المنشود، بما يمكن بالفعل من مواجهة التحديات الكثيرة في الشرق الأوسط، بدءاً من تهديدات الإرهاب ومروراً بسرطان الاحتلال وليس انتهاءاً عند المشكلات الاقتصاديّة.
ومن الجدير بالذكر، أنّ رئيس الوزراء العراقيّ يحاول منذ استلامه السلطة في مايو/ أيار 2020، إخراج بلاده من بؤرة الصراع والعودة به إلى حاضنته العربية، واستعادة دوره العربيّ والإقليميّ ليتمكن من النهوض بالأعباء والمسؤوليات الوطنية والقوميّة، ومن هذا المنطلق قام بالعديد من الجوالات العربيّة والدوليّة، واستضاف العديد من اللقاءات الإقليميّة، كما احتضن مؤخراً ما يعرف بـ "قمة الشام الجديدة" مع مصر والأردن.
خلاصة القول، قتل غياب سوريا القمة العراقيّة لدول الجوار في مهدها، ولم يتمكن المسؤولون العراقيون من إيجاد أيّ تبرير منطقيّ لعدم توجيه الدعوة لدمشق، في "خطأ تاريخيّ" لن يغتفر، وسيترك بالطبع ندبة سياسيّة كبيرة في العلاقات بين البلدين الشقيقين (بحسب توصيف الشعبين السوريّ والعراقيّ)، ليبقى السؤال الأكبر "لماذا غُيبت سوريا عن قمة بغداد؟ ولماذا يُفرض على الجانب العراقيّ قرارات تمنعه من تحقيق كامل سيادته على أرضه؟، ما دامت القمة لدول جوار العراق وسوريا هي الدولة الثانية الأوسع حدوداً مع العراق بعد الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة.