الوقت- بعد إعلان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي منذ أيام أنه " حان الوقت لرفع سعر الخبز" تصدر هاشتاغ "إلا رغيف الخبز" بين مواقع التواصل الاجتماعي قائمة الأعلى تداولاً للتعبير عن احتجاجهم حول قيام الحكومة المصرية برفع أسعار الخبز قريباً، والذي يطلق المصريون عليه لقب "العيش" في إشارة للاعتماد عليه بشكل أساسي في معيشتهم وسط حالة من الغضب بين معارضي القرار، وأعاد العديد من النشطاء تداول كلمة سابقة للرئيس المصري كان قد وعد من خلالها بعدم المساس برغيف الخبز حيث قال "لم يمس و لن يمس".
جاء ذلك خلال افتتاح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي المدينة الصناعية الغذائية “ستيلو فودز” في محافظة المنوفية، دون أن يحدد حجم الزيادة المتوقعة على سعر رغيف الخبز المدعوم، مكتفياً بالقول: "رفع سعر الخبز المدعوم لا يعني رفع الدعم كلياً"، وحسب البيان المالي للموازنة العامة المصرية للعام الحالي 2020-2021 فإن منظومة الخبز تغطي نحو 71 مليون مستفيد، بواقع 5 أرغفة للموطن يومياً، إذ يبلغ سعر الرغيف الواحد 0.05 جنيها.
واستنكر مغردون توجه الدولة لرفع ثمن الخبز، محذرين من تأثير القرار على استقرار النظام، مذكّرين بانتفاضة الخبز عام 1977 في عهد الرئيس أنور السادات، والتي أطلق عليها "انتفاضة الحرامية" بعد تظاهر مصريين في الشوارع احتجاجا على رفع أسعار سلع وخدمات أساسية على رأسها الخبز. حيث كتب الناشط المصري عبد الله الشريف تغريدة قال فيها إن إعلان السيسي، يعد بمثابة “جس نبض” الشارع قبل اتخاذ القرار، مشيرا إلى قرار مماثل اتخذه الرئيس السابق أنور السادات عام 1977، وقامت على إثره ثورة الخبز، كما فعلها بورقيبة في تونس عام 1984، وقوبل قراره بانتفاضة الخبز، مطالباً السيسي بألا “يعبث بسلعة القراء الوحيدة يا صاحب القصور”. كما اعتبر محمود رفعت المختص بالقانون الدولي أن قرار السيسي "عبث في حياة المصريين ولن يتأثر به سوى الطبقات المطحونة، وسخر الناشط حمادة الزناتي من رفع سخر الخبز بأنه سيؤدي إلى تقدم مصر قائلاُ " "أخيراً ستسدد مصر ديونها من فارق الوزن في رغيف العيش وكله بيصب في مصلحة المواطن، وهنكون في مصافي الدول المتقدمة، ولسه لما يترفع الدعم بشكل كامل ويبقى رغيف الخبز تجاري بنصف جنيه، هنسبق تركيا وأوروبا كلها لأننا بكل بساطة نخوض السباق عكس الاتجاه ربنا يلطف بعبادة الغلابة ويملأ بطونهم".
وفي بيان لحزب المحافظين قال " أرجوكم لا تقتربوا من دعم رغيف الخبز هناك ملايين من الناس رغيف الخبز هو ما ينقذهم من الجوع". فيما تحدث مدحت الزاهد رئيس حزب التحالف الشعبي عن موقف الحزب قائلاُ " إن موقف حزب التحالف مع دعم الفقراء وإن الخبز أولوية وحصن الفقراء ضد الجوع". وأضاف: "أول وظيفة للدولة أن توفر العدالة لمواطنيها وأن توفر الحد الأدنى من الرعاية الاجتماعية، والناس من الصعب أن تنام على بطون خاوية". لافتاً إلى آخر تقرير للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء المصري، تحدث عن ارتفاع نسبة الفقر في مصر إلى 29 في المئة، وأن زيادة أسعار الكهرباء والوقود والخدمات والسلع بشكل عام والخبز ستجعل أكثر من ثلث المصريين تحت خط الفقر، ومنذ الإعلان عن القرار، نشرت وسائل إعلام مصرية تقارير وعناوين تحاول إظهار الرضا الشعبي عنه، بشكل أثار السخرية على نطاق واسع، إذ كتبت صحيفة اليوم المصري: في أول رد من الفلاحين بعد إعلان السيسي ضرورة رفع سعر الخبز "الرئيس استجاب لنا". وانتقد مغردون ومدونون توجيه الكثير من موارد الدولة للإنفاق على المشروعات الضخمة وخاصة مع تردي منظومتي الصحة والتعليم، في الوقت الذي تنفق فيه الدولة مبالغ بالمليارات على بناء عاصمة جديدة وشبكة للقطارات السريعة وقطار كهربائي ستنفذه شركة سيمنز الألمانية وسيتكلف نحو 360 مليار جنيه مصري أي ما يعادل 23 مليار دولار.
وهذه ليست المرة الأولى التي يثير فيها السيسي الجدل حول قرارات تتعلق بالخبز، إذ شهد العام الماضي اتخاذه قراراً بتقليل وزن الرغيف المدعوم بنحو عشرين غراماً ليصبح وزنه 90 غراماً.
ويعتقد مراقبون أن الرئيس المصري يدرك أن قراره رفع سعر الخبز سيثير الغضب الشعبي، عندما قال في سياق إعلانه عن القرار: “أعلنه بنفسي واتحمل مسؤوليته”، فهي المرة الأولى منذ 33 عاماً التي يشهد في الخبز المدعوم ارتفاعاً في الأسعار.
احتجاجات معيشية
لم تكن الاحتجاجات الشعبية الأولى من نوعها فقد تظاهر الآلاف من المواطنين العام الفائت في أنحاء متفرقة من المحافظات أبرزها القاهرة، والقليوبية، والمنوفية، ودمياط، والجيزة، والمنيا، وأسيوط، والأقصر، وأسوان، للمطالبة بإسقاط السيسي ونظامه، على خلفية تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، والتعسف الحكومي حيال ملف التصالح في مخالفات البناء. وتركزت المظاهرات في الأرياف والقرى والأحياء الشعبية التي كانت أكثر المناطق تضررا من عمليات الهدم والمخالفات.
وكان أستاذ الاقتصاد التطبيقي بجامعة "جونز هوبكنز" الأمريكية، البروفيسور ستيف هانكي قد أشار إلى أن "الصناعات المؤمّمة التي يديرها الجيش تؤدي إلى فساد هائل وامتيازات غير مبررة لكبار القادة العسكريين"، مشدّدا على أن "مستوى الفقر ارتفع بشكل كبير منذ تولي السيسي للسلطة. وكانت الحكومة المصرية قد رفعت الدعم عن الوقود والكهرباء، وحررت سعر صرف الدولار واتخذت إجراءات وصفت بالقاسية. لكن الخبز بقي بعيداً عن ذلك، محتفظاً بارتباطه الخاص بالفقراء منذ أن بدأ ما يُعرف ببرنامج الإصلاح الاقتصادي، الذي يطبق منذ عام2016 وقد بدأت من خلاله بتعويم الجنيه المصري، كما شمل إزالة الدعم عن المحروقات وفرض ضريبة القيمة المضافة، وحصلت مصر بموجبه على قرض قيمته 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي.
ختام القول، في ظل الأزمة الصحية العالمية وما تبعها من أزمة اقتصادية، إضافة إلى الظروف الخاصة المتعلقة بمصر مثل أزمة مياه النيل المتوقعة والجفاف وإنتاج القمح، " تصبح المسألة أكثر تعقيداً، بالتالي النتائج لن تكون إيجابية أبداً على مصر، وقد يمس هذا القرار لقمة عيش الفقير بالدرجة الأولى. وكانت مصر تستطيع إنتاج كل أو أغلب احتياجاتها من القمح فالمسألة تصبح أسهل لكن هناك عناصر داخلية وخارجية تجعل الأمور أصعب بالنسبة للمواطن المصري لأن لقمة العيش معتمدة بشكل أساسي في مصر على نهر النيل وهو اليوم محل نزاع مع إثيوبيا إضافة إلى الجفاف الكبير الذي يعم العالم فكيف يمكن أن يتحمل الفقراء - ونسبتهم كبيرة في مصر - مثل هذه الظروف ومعها زيادة سعر رغيف الخبز؟ هنا لقمة الفقير ستصبح أزمة بالفعل، ولذلك يجب أن يكون هناك بدائل فيما يتعلق بإنتاج القمح ومنسوب النيل وكيفية الاستفادة منه.