الوقت_ بعد أشهر من تولي جو بايدن السلطة في الولايات المتحدة، برز الاهتمام الأمريكيّ مؤخراً بالملف السوريّ، من خلال الإفصاح عن موقف واشنطن من عدة ملفات سوريّة، كمصير الاحتلال الأمريكيّ في البلاد، وقضية المعابر الإنسانية شمال سوريا، وبالأخص عقب فوز الرئيس السوريّ، بشار الأسد، بولاية جديدة ومطالبة العديد من الدول العربيّة بعودة سوريا إلى مقعدها بما تُسمى "جامعة الدول العربية"، حيث يترأس وزير الخارجية الأمريكيّ، أنتوني بلينكن اليوم الاثنين، اجتماع روما حول سوريا كأول لقاء وزاريّ يترأسه له عن سوريا منذ استلام بايدن الحكم، وقد وسّعت واشنطن قائمة المدعوين إلى الاجتماع لتضم الجامعة العربية، وذلك بهدف التطرق إلى ملف “إعادة العلاقات العربيّة مع دمشق”، والضغط على روسيا للموافقة على قرار الأمم المتحدة لإيصال المساعدات الإنسانيّة إلى سوريا “عبر الحدود”.
تشير تحليلات كثيرة إلى أنّ هذا التجمع الدوليّ الكبير يكتسب أهمية كبرى، فهو الأول لإدارة جو بايدن في ملف سوريا الغارقة في الحرب منذ 11 عاماً، كما أنه يأتي بعد أيام قليلة على قمة بايدن ونظيره الروسي، فلاديمير بوتن، في جنيف، ومن المقرر أن تشهد العاصمة الإيطالية روما، مؤتمر "التحالف الدوليّ لمحاربة داعش" على هامش الاجتماع الأول الذي ستعقده مجموعة السبعة الكبار بشأن الملف السوري.
وفي هذا الخصوص، سيشارك في المؤتمر إلى جانب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين و15 من نظرائه في “السبع الكبار” (فرنسا، وكندا، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان، وبريطانيا، والولايات المتحدة) و”المجموعة المصغرة” التي تضم (السعودية والأردن)، إضافة لـ "الجامعة العربيّة" وتركيا وقطر والاتحاد الأوروبيّ الذي يضم 28 دولة، في ظل أوضاع معيشيّة واقتصاديّة مأساويّة يعيشها السوريون.
وإنّ الحاضر الغائب في هذا الاجتماع سيكون "الجامعة العربية"، التي علّقت عضوية سوريا في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2011، رغم أنّ القرار تمّ دون إجماع عربيّ وخالف بشكل صارخ النظام الداخليّ للجامعة وعكس حينها حالة الارتباك والفشل العربيّ نتيجة المال الخليجيّ، في ظل اندلاع ما سُميت بـ "الثورات" أو "الربيع العربي" في معظم البلدان العربيّة.
والهدف الأوحد من الحضور الصوريّ للجامعة هو إثارة ملف "التطبيع مع دمشق"، في ظل مساعي أمريكا وبعض العواصم الغربيّة لعرقلة الجهود الراميّة إلى عودة دمشق إلى “بيتها العربيّ”، بعد توافق عربيّ كبير على إعادتها إلى عضوية الجامعة وتسلم مقعدها لتكون ضمن المنظومة العربيّة بدلاً من استمرار عزلها، بعد أن أفلست بعض الدول العربيّة التي دعمت الإرهاب في سوريا، تحت شعار "حماية الأمن القوميّ العربيّ، ومواجهة التدخلات الخارجيّة في المنطقة"، نتيجة للانتصارات الكبيرة التي حققتها سوريا في الميدان العسكريّ بعد دحر الجيش السوريّ المجموعات الإرهابيّة المسلحة في أغلب المناطق السورية وسيطرته على معظم مساحة البلاد، بدعم من الحلفاء خاصة محور المقاومة.
وبحسب صحف عربيّة، فإنّ اللقاء سيركز بشكل خاص على ملف المساعدات الإنسانيّة وتمديد آلية إيصالها عبر معابر الشمال السوريّ التي تنتهي في 10 الشهر المقبل، وإنّ الدول المشاركة تبلغت قبل بضعة أيام دعوة آيرلندا إلى جانب النرويج لأنهما مسؤولتان عن ملف الشؤون الإنسانيّة في نيويورك، فيما أبلغت الولايات المتحدة وفرنسا، دولاً عربيّة وأوروبيّة بضرورة ألا يكون "التطبيع العربيّ" مع دمشق "مجانيّاً" والتريث به إلى ما بعد معرفة موقف روسيا من التصويت على القرار الدوليّ لتمديد المساعدات عبر الحدود قبل انتهاء صلاحية القرار الحاليّ، وكان المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون، قد أعلن في وقت سابق أنّه ينوي التوجه إلى روسيا لإقناعها بضرورة تمديد آلية إيصال المساعدات الإنسانيّة عبر معابر الشمال السوريّ، أي دون التنسيق مع الدولة السورية بما يخالف القوانين الدوليّة.
ومن الجدير بالذكر أنّ هذا الاجتماع يأتي بعد قمة روسيّة - أمريكيّة ناقشت في جدول أعمالها ملف المعابر الإنسانيّة، ولم يتم الإعلان عن نتيجة نهائيّة للقرار الروسي بخصوص هذا الملف، في حين أفادت وسائل إعلام أمريكيّة عن احتمال عقد صفقة بين موسكو وواشنطن في سوريا تقضي بفتح هذه المعابر، ومن جهتها أعلنت روسيا في الحديث عن مخرجات هذه القمة عن إمكانيّة التعاون مع أمريكا في كل الملفات في سوريا المُنهكة من العقوبات الأمريكيّة والغربيّة التي تستهدف حياة المواطنين ولقمة عيشهم بشكل مباشر.
ولا يخفى على أحد أنّ السنوات الماضية أثبتت أنّ تعليق عضوية سوريا أضر أكثر بكثير مما كان متوقعاً إرضاءً لبعض العواصم النفطيّة، واليوم تتجدد الدعوات مرة أخرى من دول حيويّة في المنطقة لعودة سوريا، لأن المنطقة اليوم تحتاج إلى مثل هذه الدول المؤسسة والمحوريّة في المنطقة، على الرغم من آثار الدمار المتعدد الأوجه الذي سببته الحرب، وباعتبار أنّ سوريا أصبحت ساحة للصراع الإقليميّ والدوليّ، تحتاج إلى مزيد من الجهد العربيّ والدوليّ لإعادتها إلى دورها المحوريّ السابق، فميثاق "جامعة الدول العربيّة" ينص في بعض جوانبه على ميثاق الدفاع المشترك والتعاون الاقتصاديّ، إلا أن مثل هذه البنود لم يتم تطبيقها إلا في محاربة السوريين الذين كانوا دوماً بلسماً لجراح العرب وآلامهم والتاريخ شاهد على ذلك.
خلاصة القول، ربما تصدق آمال اقتراب التسوية السياسيّة التي من المتوقع أن تضع حداً للحرب على سوريا من خلال تنازلات بين الدول المؤثرة في الصراع، بالتزامن مع الأزمة الاقتصاديّة التي تعصف بالبلاد بعد الاستنزاف الاقتصاديّ الكبير لسوريا والحالة العسكريّة المعقدة التي وصلت إليها، وهذا الأمر يتطلب تضافر الجهود العربيّة والدوليّة لاستقرار الوضع وتجنيبها هذا البلد المزيد من الانحدار والويلات لشعبه، فضلاً عن ضرورة رفع العقوبات وتفعيل العمل الإنسانيّ الحقيقيّ لإنقاذ الشعب السوريّ الذي تحمل الكثير من المآسي في واحدة من أشد الحروب الدمويّة التي مرت في تاريخ البلاد.