الوقت- إن الاتجاه المتزايد للإسلاموفوبيا في الغرب في السنوات الأخيرة، إضافة إلى خلق مشاكل اجتماعية للمجتمع المسلم في الدول الغربية، قد لعب دورًا مهمًا أيضًا في تشكيل قوانين تمييزية ضد المسلمين من أجل التعبير الحر عن معتقداتهم وطقوسهم الدينية.
وفي هذا الصدد، كشفت الحكومة النمساوية مؤخرًا (29 مايو) عن خريطة للإسلام السياسي على الإنترنت، ما أثار احتجاجات من المجتمع النمساوي المسلم.
ولمواجهة الإسلام السياسي، نشرت الحكومة النمساوية خريطةً على الإنترنت في 3 مايو 2021، بعنوان "خريطة الإسلام"، تضم أسماء وعناوين 623 مسجدًا ومنظمة إسلامية في هذا البلد.
إضافة إلى ذلك، توجد أيضًا معلومات حول علاقات المساجد والمنظمات الإسلامية بالخارج في هذه الخريطة.
مع ذلك، أثارت هذه الخريطة، التي أعدها "مركز التوثيق النمساوي حول الإسلام السياسي"، موجةً من ردود الفعل الانتقادية؛ والسؤال المهم الذي يطرح نفسه الآن هو ما هي أهداف الحكومة النمساوية من نشر هذه الخريطة والترکيز على قضية الإسلام السياسي؟
الكشف عن خريطة الإسلام السياسي ودفاع الحكومة الشامل عنها
يأتي الكشف عن خريطة الإسلام السياسي في الوقت الذي وضعت فيه الحكومة النمساوية في 11 نوفمبر 2020، في أعقاب هجوم تكفيري مميت خلَّف 24 قتيلاً وجريحاً، مجموعةً واسعةً من الإجراءات على جدول الأعمال تحت عنوان إجراءات "مكافحة الإرهاب"، وكان أهمها اعتبار "الإسلام السياسي" جريمةً.
في الواقع، اعترفت الحكومة النمساوية بالميل نحو "الإسلام السياسي" باعتباره جريمةً جنائيةً، وقد وافق البرلمان النمساوي على ذلك في ديسمبر 2020.
حاليًا، وبناءً على هذه القاعدة واعتمادًا على اعتبار أنصار الإسلام السياسي کمجرمين، قدَّمت الحكومة النمساوية قائمةً طويلةً من المساجد والجمعيات الإسلامية كمركز للإسلام السياسي.
في غضون ذلك، النقطة المهمة هي أن السلطات السياسية في الحكومة النمساوية تدافع عن هذه الخطة، وتعتبرها ضرورةً.
وفي هذا الصدد، اعتبر المستشار النمساوي سيباستيان كورتس، في سياق دفاعه عن النشر العام لـ "خريطة الإسلام"، أن هذه الخطوة جزء مهم من محاربة "الإسلام السياسي".
کذلك، وفي بيان مماثل، وصفت وزيرة الاندماج النمساوية سوزان روب نشر هذه الخطة بأنها محاولة لمكافحة الإيديولوجيات التي تهدد "قيم الديمقراطية الليبرالية".
في الوقت نفسه، انتقدت المجتمعات المسلمة وحتى المسيحية في النمسا هذه الخريطة بشدة، ووصفتها بأنها تمييز صارخ ومصدر لانعدام الأمن.
وفي هذا الصدد، أعلنت منظمة الشباب المسلم النمساوي أنها سترفع دعوى قضائية ضد برنامج خريطة الإسلام السياسي للحكومة النمساوية. وبحسب هذه المنظمة، فإن نشر أسماء وعناوين مئات المساجد والمؤسسات الإسلامية، قد وضع مسلمي النمسا في حالة من عدم الأمان.
على مستوى آخر، كان رد فعل "طرفة بغجاتي" رئيس مبادرة المسلمين النمساويين(IMÖ) غاضبًا أيضًا، حيث قال: "هل يمكنكم تخيل نشر مثل هذه الخريطة عن اليهودية أو المسيحية في النمسا؟"
حتى أن نشر هذه الخريطة قد أثار احتجاجات من ممثلي الديانات الأخرى أيضًا. حيث أعربت الكنيسة البروتستانتية النمساوية عن قلقها بشأن هذه الخريطة.
وفي هذا الصدد، دعا الأسقف "مايكل تشالوبكا" وزيرة الاندماج النمساوية سوزان راب إلى حذف خريطة الإسلام السياسي من الإنترنت. ويُظهر مجموع هذا الاتجاه أن إرادة الحكومة النمساوية لا تعکس الإرادة الشعبية، بل تمثِّل تيارًا معينًا.
محاولة متعمدة لتشويه صورة الإسلام
إزاحة الستار عن خريطة أماكن ودوائر "الإسلام السياسي"، بعيدًا عن کونه قانونًا تسنّه حكومة أو حزب يميني، تكشف عن مسار مشروع مشؤوم، يرتبط بتيار فكري وقيمي معين في جميع أنحاء أوروبا، وضع على جدول أعماله على مدى العقدين الماضيين، وخاصةً بعد هجمات 11 سبتمبر على البرجين التوءمين لمنظمة التجارة العالمية في نيويورك، خطة المساواة بين الإسلام والإرهاب في الرأي العام.
وفي مثل هذه الأجواء، على مدى العامين الماضيين، بذلت وسائل الإعلام النمساوية والحكومة اليمينية، بقيادة زعيم حزب الشعب النمساوي( (ÖVP سيباستيان كورتس، جهودًا إعلاميةً وسياسيةً مكثفةً لتقديم صورة سلبية عن الإسلام والمسلمين.
وتُظهر خريطة الإسلام السياسي الأخيرة للحكومة النمساوية بوضوح أنها قد تساوت بشكل ضمني بين الإرهاب والإسلام، وهو دين 8٪ من السكان.
في الواقع، تحاول الحكومة النمساوية وحزب الشعب اليميني ربط الجالية المسلمة، التي هي نفسها الضحية الأولى للحركة التكفيرية، بالأفكار التكفيرية من خلال الدعاية الإعلامية المكثفة، وتقديمهما بهذه الطريقة على أنهما متطابقان.
نشر ظاهرة الإسلاموفوبيا
يمكن النظر إلی كشف الحكومة النمساوية عن خريطة الإسلام السياسي، إضافة إلى المساواة بين الإرهاب والإسلام، علی أنه يهدف إلی خلق موجة من "الإسلاموفوبيا".
بعد أحداث 11 سبتمبر، انتشرت موجة من المشاعر المعادية للإسلام والمسلمين في جميع أنحاء أوروبا، ثم تراجعت تدريجياً.
ولكن في السنوات التي أعقبت عام 2013، عندما تم إنشاء وتنظيم جماعة داعش الإرهابية في سوريا والعراق بمساعدة مالية واستخباراتية وعسكرية من الحكومات الغربية والعربية، انتشرت موجة جديدة من الدعاية المعادية للإسلام في جميع أنحاء أوروبا.
يأتي هذا القرار المثير للجدل من قبل الحكومة اليمينية في فيينا في وقت لم ترفض فيه هذه الدولة فقط إدانة الهجمات الصهيونية على الأماكن المدنية وقتل النساء والأطفال خلال الاشتباكات الأخيرة بين قوات المقاومة والکيان الصهيوني في قطاع غزة، بل أيضاً رفع علم الكيان الصهيوني على مكتب رئيس الوزراء النمساوي.
کما دافع سيباستيان كورتس، رئيس وزراء البلاد، عن هذه الخطوة المثيرة للانتقادات، وندَّد بدفاع فصائل المقاومة الفلسطينية عن نفسها.
ومع ذلك، كما في قضية دفاع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن نشر رسم كاريكاتوري يسيء إلى نبي الإسلام في مجلة شارلي إبدو بحجة حرية التعبير، من الضروري أن يتفاعل المسلمون بجدية مع تصرفات حكومة فيينا المعادية للإسلام.
في قضية معاداة ماكرون للإسلام، دفعت حملات حظر البضائع الفرنسية في الدول الإسلامية باريس إلى التراجع عن موقفها الأصلي؛ لذلك، في الوضع الحالي، سيكون مثل هذا الإجراء فعالاً أيضًا ضد الحكومة النمساوية.