الوقت- بعد هزيمة الجبهة التكفيرية المدعومة من الغرب ورد الفعل العربي في سوريا والعراق، كان انتصار غزة في حرب 11 يوما الأخيرة بمثابة إنجاز كبير آخر في السجل العسكري للمقاومة ضد الأعداء. والآن فان الحرب التي لم تنته بعد فان محور المقاومة على وشك تحقيق نصر كبير اخر في الحرب في اليمن. الحرب اليمنية تحمل الكثير من أوجه التشابه مع حرب غزة الأخيرة. بادئ ذي الامر، في كلتا الحربين هناك وضع غير متوازن تماماً من حيث القوة العسكرية والاقتصادية، فمن ناحية هناك قوة مع كل التسهيلات والدعم العسكري والسياسي الواسع، ومن ناحية أخرى هناك شعب لديه ظروف اقتصادية قاسية وقوة عسكرية أقل، من حيث امتلاك المعدات العسكرية. ومن جانب آخر من أوجه التشابه يعود إلى الحصار الجوي والبحري والبري الشامل على غزة واليمن، والذي ينفذه العدو بأقسى طريقة ممكنة وغير إنسانية. يعد استخدام القوة الصاروخية كأداة رئيسية لموازنة الحرب والدفاع ضد الضربات الجوية للعدو من أوجه التشابه المهمة الأخرى بين حربي غزة واليمن. والآن، على الرغم من هذه القواسم المشتركة بين حربي غزة واليمن، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما الآثار المحتملة لانتصار المقاومة في حرب غزة على حالة الحرب اليمنية.
ارتقاء مكانة أنصار الله في المنطقة
خلال حرب الكيان الصهيوني على غزة التي استمرت 11 يوما، كان من أهم التطورات الدعم الدولي الواسع للمقاومة الفلسطينية، ما وضع التطورات الفلسطينية مرة أخرى في مقدمة العالم الإسلامي. حيث دعمت الدول الإسلامية فلسطين بقوة، وخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي، وانتقدت الحكومات العربية لتطبيعها مع الصهاينة ولتعاونها بشكل علني وسري مع الكيان الصهيوني. وفي غضون ذلك، كانت حركة أنصار الله اليمنية من الجهات الفاعلة في دعم القضية الفلسطينية. حيث أعلن اليمنيون وأطراف المقاومة الأخرى استعدادهم للوقوف مع الأشقاء الفلسطينيين في مواجهة العدو الصهيوني منذ بداية الأزمة.
لقد أثيرت هذه الحقيقة عدة مرات في السنوات الأخيرة من قبل أنصار الله، أحد أهم الفاعلين وراء التطورات في اليمن ضد المعتدين السعوديين الإماراتيين، والكيان الصهيوني. إن الكيان الصهيوني، الموجود في منطقة جيوسياسية حساسة، في حاجة ماسة إلى المياه المفتوحة، وخاصة عبر البحر الأحمر. لهذا السبب، تعتبر السلامة المرورية في معبر باب المندب الاستراتيجي في اليمن ذات أهمية حيوية للصهاينة. وهكذا، وبعد تطورات عام 2011 والانتفاضة الثورية للشعب اليمني، كان الصهاينة من الداعمين الرئيسيين لنظام عبد الله صالح ومن ثم دعمه للهجوم العسكري للتحالف السعودي الإماراتي على اليمن. يخضع مضيق باب المندب حاليا لسيطرة حكومة صنعاء. وقد منح هذا أنصار الله مستوىً عالياً من النفوذ لتقديم الدعم العملي للفلسطينيين، حيث يشعر الصهاينة بقلق بالغ إزاء التطورات في اليمن.
والمهم أن توجه أنصار الله الأيديولوجي لدعم فلسطين ومعارضة وجود الكيان الصهيوني، خاصة في الآونة الأخيرة، تعزز مكانة أنصار الله الإقليمية ومكانتها وشعبيتها بين العرب والأمة الإسلامية، ومن ناحية أخرى ابطال زيف الدعاية السعودية ضد صنعاء والتشكيك في الحرب غير المثمرة واللاإنسانية ضد البلاد.
ارتفاع المعنويات جراء الانتصار القطعي لنهج المقاومة
وثمة جانب آخر من تأثير تطورات حرب الـ 11 يوما على حرب اليمن وهو زيادة روح الانتصار لدى المقاتلين اليمنيين من النجاح القطعي المتمثل في الاعتماد على المقاومة والإيمان بالله والصبر في وجه الحصار والضربات الجوية للعدو. ومثلما لم يستطع الصهاينة الصمود أمام الصواريخ التي أطلقتها مقاومة غزة وطالبوا بوقف إطلاق النار بعد أيام قليلة من الانسحاب من مواقعهم الأولية وقبول شروط المقاومة، فإن اليمنيين الآن يرون يأس السعوديين من خلال استهدافهم للمراكز الاقتصادية والعسكرية والسياسية. في الواقع، فإن أوجه التشابه بين حربي المقاومة في غزة واليمن تبشر بانتصار المجاهدين اليمنيين في المستقبل القريب.
تحول الظروف الإقليمية
ويتمثل البعد الاخر لتداعيات انتصار غزة في حرب 11 يوما على التطورات في اليمن، في تغيرات الأوضاع الإقليمية لمصلحة المقاومة وعلى حساب جبهة التسوية والتطبيع التي تقودها السعودية والإمارات. حيث تتغير هندسة نظام الأمن الإقليمي بشكل كبير مع التطورات في سوريا والعراق وفلسطين واليمن على شكل روابط مترابطة. وفي هذا الوضع الجديد، تقلّص الوجود العسكري الأمريكي وأصبح الغرب غير قادر على دعم حلفائه الإقليميين لتعزيز مصالحه الأمنية والجيوسياسية. وقد سيطر محور المقاومة بالفعل على التطورات، وكان هذا أحد الأسباب الرئيسية لميل الحكام السعوديين إلى الانقلاب على المواقف الحادة في الماضي ضد محور المقاومة. وقد أدى الانتصار في حرب غزة إلى استقرار هذه العملية وتسريعها، ومن المؤكد أن استمرار هذه العملية سيكون له آثاره على إنهاء أسرع للحرب والحصار المفروض على اليمن.