الوقت- سافر وزير السياحة السوري محمد رامي مارتيني إلى العاصمة السعودية الرياض يومي 26 و 27 مايو 2021، لحضور الاجتماع السابع والأربعين للجنة منظمة السياحة العالمية في غرب آسيا.
وتأتي هذه الزيارة بدعوة من وزارة السياحة السعودية ولجنة منظمة التجارة العالمية في غرب آسيا، وهي أول زيارة لمسؤول سوري إلى السعودية منذ 10 سنوات، بعد اندلاع الحرب الأهلية السورية.
زيارة الوفد السوري إلى الرياض في هذا التوقيت ذات أهمية كبيرة لمعظم المراقبين السياسيين؛ لأن الزيارة تتم في وضع اتبعت فيه الحكومة السعودية سياسة المعارضة القصوى للحكومة السورية الشرعية على مدار العقد الماضي، ولم تتخل عن أي إجراء لإنهاء سلطة بشار الأسد.
وكما قالت المستشارة الخاصة للرئيس السوري بشار الأسد، بثينة شعبان، لإذاعة شام إف إم، فإن زيارة وزير السياحة محمد رضوان مارتيني إلى الرياض خطوة إيجابية ولم تكن ممكنةً قبل بضع سنوات.
وهکذا، فإن أهمية زيارة مسؤول سوري رفيع المستوى تحظى الآن بأهمية خاصة في سياق تحول كبير في سياسات الحكومة السعودية، ويمكن تقييمها وتحليلها في ثلاثة مجالات رئيسية.
ترسيخ شرعية بشار الأسد والحكومة الشرعية في سوريا
يمكن تقييم البعد الأول وربما الأهم لزيارة وزير السياحة السوري محمد رامي مارتيني إلى السعودية، على أنه اكتساب المصداقية للحكومة السورية الشرعية وبشار الأسد.
في كل السنوات التي تلت عام 2011، دعت العديد من الدول العربية، بقيادة السعودية وتركيا والغرب، إلى الإطاحة بـ بشار الأسد من السلطة، بل أعلنت أن الانتخابات الرئاسية لعام 2014 غير شرعية وغير قانونية.
في السنوات الأخيرة، لم تتخل الدول العربية بشكل مباشر أو غير مباشر عن أي محاولة للإطاحة بالحكومة المركزية، سواء من خلال أعمال الشغب في الشوارع أو من خلال دعم الجماعات المتطرفة في ساحتي المعركة والتفاوض.
لكن في الوضع الحالي، يبدو أن المسؤولين السعوديين قد أدركوا أخطاءهم الاستراتيجية في النظر إلى حكومة بشار الأسد والحكومة السورية الشرعية على مدى العقد الماضي، ولديهم الآن استراتيجية لوقف التصعيد وتطبيع العلاقات مع الحكومة السورية.
وعلى وجه الخصوص، فإن إجراء الانتخابات الرئاسية الثانية في سوريا في السنوات التي تلت عام 2011، في 26 مايو 2021، سوف يضفي المزيد من الشرعية على النظام السياسي السوري والرئيس المقبل لهذا البلد.
وفي مثل هذه الأجواء، يمكن أن تلعب زيارة مسؤول حكومي سوري إلى الرياض بالتأكيد دورًا مهمًا وأساسيًا في تعزيز الشرعية والوضع القانوني لحكومة بشار الأسد.
اتساع نطاق التهدئة مع سوريا في العالم العربي
على الرغم من أنه لا يمكن وصف السعودية بأنها زعيمة العالم العربي بلا منازع، إلا أن سياساتها وسلوكياتها السياسية على المستوى الإقليمي لها بالتأكيد تأثير لا يمکن إنکاره على البلدان الأخرى.
السعودية، بسبب موقعها التقليدي الخاص كزعيمة للعالم السني وکذلك بسبب قوة الدولارات النفطية، أثرت دائماً علی قرارات الدول العربية الأخرى في تبني السياسة الخارجية. ووفقًا لهذه القاعدة، يمكن قراءة بداية عملية خفض التصعيد بين السعودية وسوريا، كنافذة لاتساع نطاق عملية خفض التصعيد مع دمشق في العالم العربي.
في الواقع، بعد سنوات من التوتر الشديد بين جامعة الدول العربية ومجلس التعاون مع الحكومة السورية الشرعية، يبدو أن العالم العربي قد أعاد النظر الآن في استراتيجيته تجاه بشار الأسد بعد فشل سياسة المعارضة القصوی للأسد؛ لأن العرب يعرفون جيداً أن الحكومة السورية قد انتقلت من مرحلة الفوضی والأزمة الشاملة، وأن قضية انهيار الحكومة وتخلي الأسد عن السلطة باتت من الماضي.
ولذلك، في الوضع الجديد، لا سبيل سوی خفض التصعيد وإعادة التعاون بين هذه الدول وحكومة بشار الأسد الشرعية.
تغيير ميزان القوى في منطقة غرب آسيا وإضعاف دور القوى عبر الإقليمية
لعبت ما تسمى الصحوة الإسلامية في غرب آسيا وشمال إفريقيا، والتي اجتاحت العالم العربي في سنوات ما بعد 2011 بموجة من الثورات الشعبية، دورًا رئيسيًا في تغيير ميزان القوى في هذه المناطق.
في الواقع، تم تشكيل سلسلة من الفاعلين المحليين والإقليميين وعبر الإقليميين، يمكن اعتبار أهمها محور المقاومة وخصوم هذا المحور.
بعبارة أخرى، على جانب من المعادلات الأمنية في المنطقة، كانت الجهات الفاعلة الموجودة في محور المقاومة، وأهمها الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والحكومة السورية، وحزب الله في لبنان، والحشد الشعبي في العراق وأنصار الله في اليمن وهلم جرا؛ ومن ناحية أخرى، كانت هناك جهات مناهضة لمحور لمقاومة مثل الولايات المتحدة وأوروبا والسعودية والإمارات وما إلى ذلك.
وعلى مدى العقد الماضي، شكَّل هذا الاستقطاب الثنائي جوهر ميزان القوى في منطقة غرب آسيا، حيث كانت السعودية والدول العربية الأخرى في المحور المعارض لدمشق وحکومة بشار الأسد.
ومع ذلك، يمكن النظر إلی تحرك الرياض نحو خفض التصعيد مع دمشق، في إطار عملية أكبر تحت عنوان "اتساع نطاق خفض التصعيد في غرب آسيا".
لا شك أن خفض التصعيد بين الأطراف الإقليمية، وخاصةً إيران والسعودية، إذا تحقق، سيغير ساحة اللعب للجهات الفاعلة عبر الإقليمية، وخاصةً التدخلات الأمريكية والصهيونية؛ وهذا ما سيغير ميزان القوى في غرب آسيا وحتى شمال إفريقيا في المستقبل القريب.