الوقت- في ظل الظروف الصعبة وغير الصحية واللا إنسانية التي تعيشها العمالة الأجنبيّة في السعودية، قامت سلطات البلاد باحتجاز المئات من العمال المهاجرين في السعوديّة بالعديد من مراكز احتجاز المهاجرين من لترحيلهم إلى بلادهم، عقب الإيذاء النفسيّ والجسديّ الذي يتعرضون له منذ عدة أشهر، فيما أرسلت الأمم المتحدة عبر عدد من المقررين الخاصين في 28 يناير/ كانون الثاني 2021، رسالة إلى الرياض حول الوضع الحالي للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في مراكز الاحتجاز التي تعج بالمهاجرين.
رغم شروط العمل الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ بالسعودية في آذار المنصرم، ضمن ما أسمتها الرياض "مبادرة تحسين العلاقة التعاقدية بين العامل وصاحب العمل بالقطاع الخاص السعودي"، لإنهاء قواعد وشروط العمل المُهينة المعمول بها داخل المملكة لعقود طويلة، إلا أنّ رسالة الأمم المتحدة التي وقّع عليها المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان للمهاجرين، لا توحي بأيّ تغير على هذا الصعيد.
وفي هذا الصدد، تتحدث رسالة مقرري الأمم المتحدة عن الحالة الرهيبة لمراكز الاحتجاز، حيث لم يكن هناك تقييم فردي للأشخاص لمعرفة الحاجة إلى الاحتجاز، ولم يتمكن المهاجرون من الحصول على المساعدة القانونيّة والطعن في قانونيّة احتجازهم، في الوقت الذي تفتقر فيه المراكز إلى المياه الكافية والصرف الصحيّ مع شح كبير في مياه شرب، ناهيك عن أنّهم لا يحصلون إلا على قطعة خبز صغيرة خلال النهار وقليل من الأرز في المساء.
وذكر مقررو الأمم المتحدة أنّ مركز الإسكان رقم 2 ومراكز أخرى في جميع أنحاء البلاد، احتجزت مئات المهاجرين من إفريقيا والدول الآسيويّة، إضافة إلى وجود غرف مكتظة بالنساء والأطفال، وقد تم احتجاز المهاجرين لمدة 6 أشهر ورجلين على الأقل لأكثر من عام، فيما تعرض بعضهم للتعذيب والمعاملة اللاإنسانيّة كالضرب بالسياط والأسلاك الكهربائيّة، وسبب تلك المعاملة والإساءات الجسديّة هو شكوى المهاجرين من ظروف الاحتجاز أو مطالبتهم برعاية طبية، حيث أكّدت الرسالة الأمميّة أنّ 3 رجال لقوا حتفهم نتيجة لسوء المعاملة بما في ذلك انتحار قاصر.
وبالتزامن مع شروط العمل الجديدة بالسعودية، كان من المتوقع أنّ تُمنح العمالة الوافدة عدداً كبير من الامتيازات التي حُرموا منها في الماضي، أهمها إلغاء نظام الكفالة، الذي أفرز انتهاكات خطيرة بحق كثيرين من العمالة الوافدة إلى المملكة، إضافة إلى إمكانية تنقل العامل بين وظيفة وأخرى دون شرط موافقة صاحب العمل، لكن المقررين كشفوا أنّ الخطر طويل الأمد الذي يواجهه المهاجرون يتفاقم بسبب جائحة فيروس كورونا، خاصة في غياب تدابير الوقاية المناسبة، والتعرض لظروف احتجاز غير صحية ومكتظة، فإن خطر الإصابة قد ازداد، ولم يتم اختبار المحتجزين للكشف عن فيروس كوفيد- 19، وبحسب المصدر فإنّ الغرف مليئة بالأشخاص ما يجعل من المستحيل الاستلقاء أو الحفاظ على المسافات بينهم، وأضافت الرسالة أنّ من بين هؤلاء العمال المهاجرين ضحايا الإتجار بالبشر وبعض آخر من طالبي اللجوء، ما يثير مخاوفاً بشأن المئات الذين تم احتجازهم دون امكانية الحصول على الحماية الدولية أو آليات الحماية الأخرى.
وفي الوقت الذي نصت فيه قواعد العمل الجديدة بالسعودية إلى إلغاء نظام الكفالة وحرية التنقل من وظيفة لأخرى دون موافقة صاحب العمل، وحرية السفر خارج المملكة بمجرد إخطار صاحب العمل إلكترونيّاً، وحق التنقل من وظيفة لأخرى في أثناء سريان عقده بشروط، وحق مغادرة السعودية نهائياً دون موافقة صاحب العمل، وشملت جميع العاملين الوافدين في منشآت القطاع الخاص، أعرب المقررون الخاصون في رسالتهم للسعودية عن قلقهم العارم بشأن سلامة المهاجرين المحتجزين في مراكز احتجاز المهاجرين المكتظة وغير الصحية في ظروف قد ترقى إلى المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، لدرجة عدم استطاعتهم الحفاظ على المسافة الجسديّة الضرورية كإجراء وقائي من كوفيد-١٩.
وتشدّد الرسالة الأمميّة على ضرورة أنّ تضمن الدول المعايير الدوليّة لحصول الأشخاص المحتجزين على نفس المستوى الصحيّ المتاح في المجتمع، والذي ينطبق على جميع الأشخاص بغض النظر عن الجنسيّة أو الجنس أو حالة الهجرة خاصة أثناء حالات الطوارئ الصحيّة. كما أعرب المقررون عن قلقهم من عمليات احتجاز مئات المهاجرين إلى أجل غير مسمى، والذي يرقى إلى الاعتقال التعسفيّ، ناهيك عن حظر احتجاز الأطفال المهاجرين بموجب القانون الدوليّ، فيما أثارت الرسالة الموجهة للسعودية مخاوف بشأن احتمال ترحيل مئات المهاجرين دون تقييمات فرديّة لاحتياجاتهم من الحماية وضمانات إجرائّية، في انتهاك لمبدأ عدم الإعادة القسريّة وحظر الطرد الجماعيّ بدون تقييم فردي، والذي قد يؤدي لتعرض بعض المهاجرين للاضطهاد في حال إعادتهم.
يُذكر أنّ المنظمة الأوروبيّة السعودية لحقوق الإنسان، رحبت بمشاركة الأمم المتحدة مخاوفها بشأن الوضع السيء للعمال المهاجرين في المملكة، وتتفق مع المقررين الخاصين على أنه من واجب الحكومة السعودية اتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية حياة الأفراد المحرومين من حريتهم وسلامتهم الجسديّة وضمان الحق في الصرف الصحيّ لجميع العمال المهاجرين المحتجزين، كما تؤكّد أنّ أوضاع المهاجرين تتناقض مع ادعاءات السلطات فيما يتعلق باتخاذها إجراءات شاملة وغير تمييزية فيما يتعلق بمكافحة فيروس كورونا، مشيرة إلى أنّ التزامات الإعادة القسريّة هي حق مطلق وغير قابل للانتقاص بموجب القواعد العرفيّة الدوليّة وكذلك الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان.
وما ينبغي ذكره أنّ العمالة الأجنبيّة في السعودية والتي يقدر عددها بالملايين بدأت بالتوافد إلى البلاد بعد فترة قصيرة من اكتشاف النفط في أواخر الثلاثينيات، كان الوافدون في البداية متألفين من الكوادر الفنيّة والمهنيّة والإداريّة من العرب والغربيين، ولكن بعد ذلك جاءت أعداد كبيرة من جنوب شرق آسيا، وأصبحت مملكة آل سعود تعتمد بشكل متزايد على العمالة الأجنبيّة، وعلى الرغم من أن العمال الأجانب لا يزالون حاضرين في المناصب الفنيّة، إلا أنّ معظمهم يعملون في قطاعات الزراعة والتنظيف والخدمات المنزليّة، وغالباً ما يعتمد التسلسل الهرميّ للعمال الأجانب على بلدهم الأصليّ، حيث يشغل بعض العمال من الدول العربيّة والغربية عموماً مناصب مهمة، أما المراكز الأدنى فيشغلها أشخاص من أفريقيا وجنوب شرق آسيا، لذلك واجهت الحكومة السعودية انتقادات كثيرة من الهيئات القانونيّة وأرباب العمل بشأن معاملة العمال الأجانب، وادعت الرياض قيامها بإجراء عدة إصلاحات وتحديثات في سوق العمل، لتخفيف الانتقادات الدولية لكنها فشلت في ذلك.
وقد اثارت طريقة التعامل مع العمالة في السعودية انتقادات دوليّة، والعام الماضي ناقشت صحف بريطانيّة الانتقادات الدولية للسعودية بعد تقرير كشف عن جحيم الذي يعيشه العمال المهاجرون في مراكز احتجاز فيروس كورونا، وقد نشرت صحيفة "الديلي تليغراف" تقريراً لمتابعة تحقيقها الحصريّ حول الجحيم الذي يعانيه العمال الأفارقة المهاجرين في السعودية داخل معسكرات الاحتجاز الخاصة بالمشتبه في إصابتهم بفيروس كوفيد- 19.
وكشفت المعلومات عن تكدس المهاجرين في مراكز الاحتجاز في ظل ظروف قاسية ودرجات حرارة مرتفعة، ما أدى لوفاة بعضهم علاوة على خضوعهم لعمليات تعذيب وجلد من قبل الحراس والإساءة إليهم بشكل عنصريّ، وبالاستناد إلى أحد المقاطع المصورة، تم الاطلاع حال المهاجرين البائسة في مراكز الاحتجاز والتي يمكن فيها سماع صوت واهن لأحدهم يقول "انظروا إلى هذه الحال وافعلوا شيئا لأجلنا.. أرجوكم".
ولم تفضِ عاصفة الانتقادات الدوليّة من جانب النشطاء ومنظمات حقوق الإنسان والسياسيين، إلى تغيير المنهج العنصريّ للسعودية، ولم تحسن طريقة التعامل مع المهاجرين، رغم أنّ التقرير أثار أيضاً تفاعلات كبيرة في وسائل إعلام عربيّة حيث تناولته محطات تلفزيون ومواقع عربية مهمة ما أثار استجابات غاضبة في الشرق الأوسط وأفريقيا.