الوقت- إن الانسداد الأخير لقناة السويس ومرور أكثر من مليار طن من البضائع عبر القناة كل عام، يجعل من الضروري إيجاد طريق بديل وأقل خطورةً لنقل البضائع والشحن؛ وفي هذه الأثناء، فإن "ممر الشمال - الجنوب" مع خفضه وقت السفر لمدة تصل إلى 20 يوماً، وتوفير في التكاليف بما يصل إلى 30٪، يعدّ أحد أفضل الخيارات ليحلّ محل قناة السويس، ودور إيران فيه استراتيجي.
كقوة اقتصادية محتملة، تقع إيران عند تقاطع قارتين، هما آسيا وأوروبا، وبالقرب من القارة الافريقية. كما أنها تقع على الطريق الرئيسي للممرين الشمالي الجنوبي والممر الشرقي الغربي، وهي أفضل طريق لربط جنوب غرب آسيا وشبه القارة الهندية والخليج الفارسي بآسيا الوسطى والقوقاز وشمال أوروبا والدول الاسكندنافية، عبر ممر الشمال - الجنوب.
يستلزم هذا الموقع الجغرافي الخاص استغلال مزايا العبور والنقل الإقليمية والعالمية فيما يتعلق بالممرات الدولية. ومن بين فوائد تعزيز النقل لإيران هي زيادة الإيرادات التجارية، وتحسين البنية التحتية الاقتصادية للبلاد، والحد من آثار العقوبات، وزيادة دور وتأثير جمهورية إيران الإسلامية في المعادلات الدولية الاستراتيجية.
ممرات تمر عبر إيران
الممر هو في الأساس طريق يستخدم للنقل، ويمكن في كل ممر استخدام وسائل نقل مختلفة (السكك الحديدية والطرق والبحر)، والممرات المائية وخطوط نقل الطاقة والنفط والغاز.
بشكل عام، يمكن تقسيم الممرات التي تمر عبر إيران إلى فئتين: ممرات العبور بين الشمال والجنوب، وممرات الشرق والغرب:
1) تم إنشاء الممر بين الشمال والجنوب في سبتمبر 2000 من قبل ثلاث دول هي إيران وروسيا والهند، لتحسين العلاقات التجارية وتوسيع التعاون في مجال النقل بين الأعضاء. وواصلت عملها بقبول 11 عضواً جديداً، من بينهم: أذربيجان، أرمينيا، كازاخستان، قيرغيزستان، طاجيكستان، تركيا، أوكرانيا، بيلاروسيا، عمان، سوريا وبلغاريا. لذلك، ولزيادة وصول الأطراف الملتزمة إلى الأسواق العالمية، فإن هذا الممر من خلال مرافق النقل بالسكك الحديدية والطرق البرية والبحرية والنهرية والجوية، يربط المحيط الهندي والخليج الفارسي عبر إيران ببحر قزوين، ثم عبر روسيا بسانت بطرسبرغ وأوروبا.
2) يمكن لممر الشرق والغرب، وهو طريق الحرير القديم نفسه، أن يلعب دوراً في تجارة الصين وآسيا الوسطى في الشرق والشمال الشرقي عبر إيران إلى القوقاز وغرب آسيا والبحر الأبيض المتوسط.
أدى وجود عدة ممرات بين الشرق والغرب، إلى قيام إيران بالتنافس مع دول أخرى لجذب حصة البضائع العابرة عبر هذه الممرات. ومع ذلك، فإن الميزة الرئيسة لإيران في ممر الشمال-الجنوب هي أكبر من الممرات الأخرى التي تمر عبر إيران. لأنه لا يوجد طريق منافس للفرع الشرقي لهذا الممر، وفي الفرع الغربي أيضاً، فإن وقت وتكلفة البضائع التي تمر عبر إيران أرخص بنسبة 30 إلى 40٪ من الطرق الموازية(المسار البحري لقناة السويس).
وبتفعيل ممر العبور بين الشمال والجنوب في "الفرع الغربي"، ترتبط بلدان جنوب وجنوب شرق آسيا بروسيا وأوروبا ودول القوقاز، وفي "الفرع الشرقي" ترتبط بلدان رابطة الدول المستقلة بأعالي البحار والخليج الفارسي وافريقيا.
والفرع الشرقي من هذا الممر، الذي يمر عبر إيران، ليس له طريق موازٍ، والطريقة الوحيدة لربط بلدان رابطة الدول المستقلة غير الساحلية بالمياه المفتوحة، هي عبور هذا الفرع من الممر الشمالي الجنوبي(محور السكك الحديدية تشابهار - سرخس).
إن ازدهار قدرات الترانزيت في البلاد، إضافة إلى تعزيز الهيكل الاقتصادي من خلال تنويع وزيادة مصادر إيرادات الدولة، وتقليل الاعتماد الاقتصادي على مبيعات النفط، وخلق فرص العمل، وتحسين شبكة البنية التحتية للنقل، يمكن أن يزيد تكلفة العقوبات الاقتصادية على من يفرضها، ويعزِّز مصداقية إيران الدولية من خلال ربط مصالح الدول الأخرى ببعضها البعض.
انسداد قناة السويس وتحديات النقل التجاري
تعدّ قناة السويس التي يبلغ طولها 163 كيلومتراً من أهم الطرق وأكثرها ازدحامًا للسفن وناقلات النفط، حيث تمتلك نسبة 10 إلى 12 بالمئة من النقل البحري في العالم.
تربط هذه القناة البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر، ما يقلل الطريق البحري بين آسيا وأوروبا لمدة تصل إلى 15 يومًا، ويقلل من مخاطر الرحلات البحرية. ويتم استخدام هذه القناة يوميًا بواسطة عشرات السفن التي تسافر من إفريقيا إلى آسيا والعكس صحيح، دون الحاجة إلى التجول في أنحاء إفريقيا لفترة طويلة.
حالياً، مع غرق سفينة الحاويات "إيفر جيفين"(Ever Given) في قناة السويس وإعادة فتح هذه القناة، هناك حديث في وسائل الإعلام عن استبداله بممرات مختلفة، ولا سيما الممر الشمالي الجنوبي.
تسبب انسداد قناة السويس، الذي يمر عبرها حوالي 10 في المئة من النفط والمنتجات البترولية في العالم، في حبس أكثر من 400 سفينة أخرى في هذا الممر المائي الدولي، كما ارتفعت أسعار النفط في الأسواق العالمية بنسبة 7.5 في المئة، وتضرَّر الاقتصاد العالمي 9.6 مليارات دولار في اليوم.
وإضافة إلى مئات السفن التي تقطعت بها السبل في القناة في انتظار إعادة فتح الطريق، قررت عشرات السفن تغيير مسارها قبل دخول هذا الممر المائي الرئيسي، وتسليم شحناتها إلى وجهتها من خلال العبور من رأس الرجاء الصالح في أقصى جنوب إفريقيا، وإضافة حوالي أسبوعين إلى مدة رحلتها.
من الضروريات المهمة في التجارة الدولية، ضمان نقل البضائع في بيئة آمنة ومنخفضة المخاطر وعالية السرعة. وقد يكون لانسداد قناة السويس، بوصفها أحد أهم طرق التجارة للسلع والطاقة في العالم، آثار لا تعوَّض على الاقتصاد العالمي؛ لأن حوالي 10 في المئة من التجارة الدولية، بما في ذلك جزء كبير من احتياجات النفط في العالم، تمر عبر هذا الطريق البحري.
قبل هذا الحادث، الذي لم يسبق له مثيل في الـ 150 عامًا الماضية، کانت 50 سفينة عملاقة في المتوسط تعبر قناة السويس يوميًا. وفي العام الماضي وحده، مر ما يقرب من 19 ألف سفينة، وأدى انسداد الممر المائي لعدة أيام إلى إلحاق أضرار جسيمة بالنقل البحري والشحن في جميع أنحاء العالم. هذا فيما کان لتفشي جائحة کوفيد 19 أيضًا تأثير سلبي على الشحن العالمي.
وعلى الرغم من إعادة فتح قناة السويس بعد أسبوع في 10 أبريل، فإن هذا الحدث غير المسبوق، وبصرف النظر عن التحديات التي خلقها للتجارة العالمية وتأثيره على الأسواق الدولية، يسلط الضوء على أهمية تنشيط ممرات إيران الدولية.
فرصة خاصة لاستخدام ممر الشمال - الجنوب
كما ذكرنا سابقًا، تتمتع إيران بالموقع الإقليمي الأكثر استراتيجيةً لعبور البضائع الدولية، ومن خلال ذلك يمكنها جني عائدات مستدامة بدلاً من بيع نفطها.
وتعد شواطئ مكران وتشابهار من بين النقاط المهمة والاستراتيجية في السواحل الجنوبية لإيران، والتي تتميز بكونها ميسورة التكلفة لنقل البضائع في الممر الشمالي الجنوبي. ومن مزاياها مقارنةً بطرق النقل الأخرى، وخاصةً قناة السويس، أنها من خلال امتلاكها لميزة النقل المشترك، فإنها تقلل من وقت عبور البضائع إلى النصف.
وفي مواجهة الانسدادات المحتملة الأخرى في قناة السويس، فإن الممر الشمالي الجنوبي بقدراته الرائعة واستخدام الطرق المشتركة، المائية والسكك الحديدية والبرية، يمكن أن يزيد من سرعة وسهولة النقل والتجارة الخارجية في المنطقة، ولهذا السبب فإنه يلبي جزءاً من الاحتياجات المتزايدة لنقل البضائع.
في هذا الممر، تسعى روسيا إلى استبدال طريق أستراخان - أنزلي - تشابهار - مومباي بطريق مومباي - قناة السويس - هامبورغ - سانت بطرسبرغ، والذي يهدف إلى تسهيل اتصال الهند بإيران وروسيا والقوقاز وآسيا الوسطى.
يختلف هذا الممر عن المسار الحالي من حيث الوقت بنحو 20 يومًا، ويحدث فرقاً كبيراً في الوقت وتكاليف النقل. ويجب على إيران أن تبذل قصارى جهدها لتحقيق أقصى استفادة من قربها الجغرافي من الهند وعبور البضائع عبر ذلك البلد.
وفقًا لهذه الخطة، سترسو السفن الهندية في موانئ موكران(في جنوب إيران)، وستصل إلى أوروبا عبر طريق سكة حديد يمر عبر إيران وجمهورية أذربيجان وروسيا. وإذا دخلت هذه الخطة حيز التنفيذ، فسوف تنخفض تكلفة النقل البحري للبضائع من الهند إلى أوروبا بنسبة تصل إلى 40٪، وستكون لها أهمية سياسية وخاصة بالنسبة لإيران.
في الوقت الحاضر، إضافة إلى طريق الحرير الجديد الذي تديره الصين، تعتزم الدول الأوروبية الآسيوية ربط جنوب آسيا بشمال وغرب أوروبا، من خلال تعزيز وتوسيع النقل الدولي بين الشمال والجنوب. وبهذه الطريقة، سوف يمر تدفق هائل للبضائع قريبًا ليس فقط من الشرق إلى الغرب عبر طريق الحرير الجديد، ولكن أيضًا من الشمال إلى الجنوب.
ويمكن أن يساعد الممر الشمالي الجنوبي أيضًا منطقة آسيا الوسطى، المعروفة باسم "البلدان غير الساحلية"(landlocked countries). في الواقع، بالنسبة لدول مثل طاجيكستان وأفغانستان وكازاخستان وقيرغيزستان، وكلها غير ساحلية، فإن إيران هي أفضل وأرخص وسيلة للوصول إلى المياه المفتوحة. ويمكن لإيران أن تجني المال عن طريق بناء السكك الحديدية، من خلال عبور البضائع إلى هذه البلدان والعكس صحيح.
ومع ذلك، هناك عقبات أمام المضي قدماً بهذا الممر؛ منها انخفاض إنتاجية أسطول النقل بالسكك الحديدية والطرق، عدم وجود بنية تحتية مناسبة للموانئ، تعقيد العمليات التنفيذية للنقل الدولي في إيران، عدم وجود هيكل موحد في قضية النقل، وأخيراً العراقيل الأمريكية والصهيوني؛ وهو من جملة أسباب محدودية نصيب إيران من نقل البضائع الدولية وبالتالي عائدات الممرات.
النتيجة
يوفِّر موقع إيران الجيوسياسي الخاص، وقدرات السكك الحديدية والطرق، ووصول إيران إلى السواحل الطويلة في الخليج الفارسي وبحر عمان وبحر مكران وساحل بحر قزوين، فرصةً فريدةً لتعزيز عائدات النقل في البلاد.
ومع انسداد قناة السويس في الأيام الأخيرة، واحتمال انسداده مرةً أخرى في المستقبل، يمكن لجمهورية إيران الإسلامية أن تخطو خطوةً إلى الأمام لاستعادة قوتها المفقودة في مجال النقل الدولي، من خلال الانخراط في دبلوماسية اقتصادية ديناميكية مع البلدان المشاركة في ممر الشمال – الجنوب.
في ضوء دور الممر الشمالي الجنوبي في التجارة العالمية، يمكن لقناة السويس أن تتحمَّل نمو حركة الشحن، وتنخفض المخاطر الاقتصادية للشركات التجارية من ناحية أخرى؛ ولذلك بالنظر إلى هذه المكونات والقدرات، يمكن أن يكون الممر الشمالي الجنوبي الخيار الأفضل ليحلّ محل قناة السويس في عبور البضائع.