الوقت- مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة في العراق في 10 تشرين الأول (أكتوبر) 2021 –بعد ستة أشهر- أصبحت إثارة المطالب العامة من قبل المجموعات السياسية وتشكيل تحالفات جديدة الموضوع الرئيس للمشهد السياسي في البلاد.
في الماضي، ظهرت مطالب خاصة في فترات مختلفة من الانتخابات النيابية. والانتخابات البرلمانية المبكرة في العراق ليست استثناءً من هذه القاعدة، ومن الآن فصاعدًا يمكننا أن نرى الجماعات السياسية ترحب بالجو الانتخابي بتقديم مطالب اجتماعية رئيسة.
في العامين الماضيين، كانت إحدى أهم أولويات المواطنين العراقيين هي مسألة تحسين الوضع الاقتصادي أو الخطاب المترکز علی الاقتصاد. لكن في الأشهر الأخيرة، أصبح من الواضح أن الرغبة في الاستقلال وجهود الحفاظ على سيادة العراق الوطنية وتعزيزها، أصبحت الخطاب الأهم في العراق.
تأكيد التيارات السياسية العراقية علی ضرورة الحفاظ على السيادة وطرد القوات الأجنبية
فيما تفصلنا ستة أشهر فقط عن الانتخابات البرلمانية المبكرة في العراق، تؤكد التيارات السياسية في البلاد أكثر من أي وقت مضى على الخطاب المؤيد للاستقلال والتصدي لانتهاكات سيادة بغداد.
وشهدنا في الأشهر الأخيرة مرات عديدة أن أشخاصاً مثل "مقتدى الصدر" زعيم ائتلاف سائرون، "هادي العامري" زعيم ائتلاف فتح، "نوري المالكي" رئيس ائتلاف دولة القانون و غيرهم، على ضرورة طرد الأجانب، وهو القرار الذي تمت الموافقة عليه في 5 يناير 2020.
وقد تكرر هذا المطلب في ظل الوضع الجديد من قبل السياسيين والقادة السياسيين العراقيين أيضاً. فعلى سبيل المثال، قال "فالح الفياض" رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي، في خطاب ألقاه في ذكرى استشهاد أحد قادتها مؤخرًا: إن وجود القوات الأجنبية انتهاك للسيادة العراقية. وتقوم الحرب والتضحية والاستشهاد للحفاظ على سيادة البلاد.
ومن وجهة نظر فياض فإن سيادة العراق تظهر بانسحاب القوات الأجنبية، وقد "حاربنا وقدَّمنا الشهداء من أجل تحقيق السيادة في البلاد.
إضافة إلى رئيس هيئة الحشد الشعبي، أشار السيد "عمار الحكيم" زعيم تيار "الحكمة" الوطني العراقي، في الاجتماع السنوي الرابع للجمعية العمومية للحزب، إلی الظروف المصيرية التي يجد العراق نفسه فيها، متحدثاً عن التحديات التي مر بها العراق والتحديات التي يواجهها.
وقال زعيم تيار الحكمة الوطني العراقي إن التحدي الأول للعراق، هو حماية الإنجازات القائمة من خلال استكمال السيادة الإقليمية للعراق عبر انسحاب القوات الأجنبية من البلاد، بالنظر إلى شعار "اللاءات الثلاث" المعلن عنه مسبقاً، أي لا لوجود قتالية عسكرية أجنبية ولا لوجود قواعد أجنبية دائمة ولا للتدخل في شؤون العراق.
خلفية توجُّه التيارات السياسية العراقية نحو قضية أمن واستقلال العراق
بالنظر إلى أن المطالبة بطرد الأجانب من البلاد والحاجة إلى الحفاظ على السيادة الوطنية أصبحت الآن أحد الخطابات الانتخابية السائدة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا أصبح هذا الطلب أقوى من أي وقت مضى؟ فيما يتعلق بهذا السؤال، يمكن تقديم ثلاثة أسباب رئيسة، وهي:
1. بعد ثمانية عشر عاماً من تحرير العراق من ديكتاتورية حزب البعث، كان الوجود والتدخل الأجنبي، يهدِّد دائماً السيادة والمجتمع السياسي لهذا البلد کخسارة كبيرة. في البداية، ربما بدا أن الاحتلال الأمريكي كان مقتصراً على بضع سنوات، لكن الآن أصبح واضحًا للرأي العراقي أن الغربيين، بقيادة البيت الأبيض، يحاولون تمديد وجودهم العسكري في العراق، وحتى إنشاء قاعدة عسكرية دائمة في هذا البلد. وجود أدى إلى مزيد من عدم الاستقرار وانعدام الأمن في العراق أكثر من أي شيء آخر.
2. في المستوى الثاني، إن التورط والسياسات الخادعة للولايات المتحدة وأوروبا في دعم تنظيم داعش الإرهابي، وكذلك جهودهما لتقسيم العراق من خلال تعزيز استقلال إقليم كردستان(الشمال) عن الوسط والجنوب، جعلت المجتمع السياسي العراقي يدرك أن واشنطن والاستراتيجيين الأمريكيين يتخذون خطوات لتقويض المصالح الوطنية والأمن في هذا البلد؛ ولذلك، نشهد المزيد من تعزيز المطالبة بطرد القوات الأجنبية في الفترة التي تسبق الانتخابات البرلمانية المبكرة في أكتوبر. وفي الوضع الجديد، يبدو أن أي تيار سياسي يضع هذا الخطاب على رأس أجندته السياسية سيكون أكثر شعبيةً.
3. كان تسامح حكومة مصطفى الكاظمي في مواجهة وجود الأجانب والقوات الأجنبية في العراق، عاملاً مهما آخر في تعزيز المطالبة بالاستقلال في المجتمع العراقي. في الواقع، وخلافًا لمطالب الشعب العراقي، لم يتخذ الكاظمي، خلال فترة توليه رئاسة الوزراء، خطوةً ملحوظةً نحو تنفيذ قرار مجلس النواب العراقي الداعي إلى طرد القوات الأجنبية من البلاد. حتى أن رئيس الوزراء العراقي، في بعض الحالات، أثار غضب التيارات السياسية بتسامحه المفرط مع الأمريكيين.
بشكل عام، التطورات السياسية في العراق في طريقها الآن إلى إضفاء مزيد من الشرعية علی مواجهة وجود الأجانب.
وعلى عكس الممارسة المتسامحة لحكومة مصطفى الكاظمي، تعتبر العديد من التيارات السياسية والأغلبية الساحقة من المواطنين العراقيين أن سيادة العراق واستقلاله خط أحمر، ولا يمكن تحقيقه إلا من خلال الطرد الفوري للقوات الأجنبية.