الوقت- قدمت السعودية تعهداً باستثمار مبلغ ثلاثة مليارات دولار في صندوق مشترك للاستثمار في السودان، مشجعة بذلك أطرافاً أخرى على المشاركة في دعم الخرطوم في مواجهتها للتحديات الاقتصادية الصعبة، التي فاقمتها تداعيات جائحة كورونا.
وفي هذا السياق أعلن وزير شؤون مجلس الوزراء السوداني خالد عمر يوسف، أنه تم الاتفاق بين الخرطوم والرياض على تشجيع الاستثمار وإنشاء شراكة سودانية سعودية في عدة مجالات.
وأضاف الوزير خلال مؤتمر صحافي بالعاصمة السودانية الخرطوم إن "ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان التزم بوضع 3 مليارات دولار للشراكة الاستثمارية بين البلدين".
وتابع "الجانبان السعودي والسوداني يناقشان حالياً و عبر لجان خاصة تفاصيل وصول المنحة والاستثمارات مع مراعاة الأولويات التي يحددها السودان".
وأكد الوزير السوداني، أن السعودية جددت دعمها للسودان واستئناف ما بقي من المنحة للخرطوم.
يذكر أن السودان حصل في الأسبوع الماضي على تجديد لتعهد السعودية بمنحة قيمتها 1.5 مليار دولار، والتي تم الإعلان عنها لأول مرة في عام 2019.
الوزير السوداني أضاف إن "لقاء رئيس الوزراء عبد الله حمدوك بولي العهد السعودي محمد بن سلمان بالعاصمة الرياض، أحرز تقدماً ملموساً في العديد من الملفات". واستدرك قائلاً "توصل الطرفان إلى اتفاق سياسي في عدد من الملفات المشتركة المتعلقة بأمن البلدين وأمن وسلامة منطقة البحر الأحمر".
تأتي هذه التطورات، بعد الزيارة التي أجراها عبد الله حمدوك، إلى الرياض، والتي التقى خلالها عدداً من المسؤولين للتباحث بشأن تطوير العلاقات الاقتصادية بين الرياض والخرطوم.
التعهد الذي تم تجديده الأسبوع الماضي هو نفس التعهد الذي قدمته كل من السعودية والإمارات بمساعدات قيمتها ثلاثة مليارات دولار للسودان في أبريل 2019، وذلك بعد فترة وجيزة من إطاحة الجيش بالرئيس السوداني السابق عمر حسن البشير ، بعد أشهر من الاحتجاجات في الشوارع.
الدور السعودي في التطبيع
تلعب المملكة العربية السعودية دوراً مهماً من أجل تطبيع أكبر عدد من الدول العربية مع إسرائيل، كما لو أنها قد كلفت بهذه المهمة التي لم تعد خفية، وتبذل الرياض في سبيل نجاحها أموالاً طائلة.
ويبدو أن السلطات السودانية الجديدة، أدركت جيداً أن توجهها للتطبيع مع إسرائيل، سيكون مرضياً للسعودية والإمارات وبطبيعة الحال لأمريكا، ولذلك عملت بذكاء على الاستفادة منه، لكونه في آخر المطاف سيتم كما قال مسؤول سعودي رفيع مطلع أكتوبر الجاري.
السودان الذي لا يزال يعيش مرحلة انتقالية صعبة للغاية، بعد الاطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير، يعاني من اقتصاد شديد الانهيار ، وتسعى سلطاته الجديدة والانتقالية إلى الخروج من هذه المرحلة بمكاسب كبيرة تمكنها من القفز بالسودان خارج دوائر الفقر والخلافات السياسية والأزمات التي تخنقها منذ أكثر من نصف قرن ، ولو كان ذلك على حساب قضية فلسطين التي ظلت مقدسة عند القيادات والشعوب العربية زمناً طويلاً.
وكشفت وسائل إعلام أن السعودية هي بالفعل من دفعت 335 مليون دولار للولايات المتحدة من أجل رفع اسم السودان من لائحة الإرهاب وتطبيع العلاقات بين السودان والكيان الاٍسرائيلي.
وأكد تقرير لموقع "ميدل ايست مونيتور" البريطاني، تدخل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عقب اشتراط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دفع السودان تعويضات لضحايا "الإرهاب الأمريكيين" قبل إزالة اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب.
ووفق التقرير، سيذهب مبلغ التعويض البالغ مقداره 335 مليون دولار، إلى عائلات وضحايا تفجير السفارة الأمريكية عام 1998، في شرق إفريقيا، والهجوم على المدمرة "يو إس إس كول" وهي مدمرة صاروخية موجهة، تم استهدافها قبالة سواحل عدن اليمنية في 12 أكتوبر عام 2000.
يواجه السودان أزمة انخفاض في الاحتياطي الأجنبي من العملة ما تسبب في تذبذب وفرة بعض السلع الرئيسية كالوقود والقمح. وعلى إثر التدهور المستمر للاقتصاد في السودان، وعدم مقدرة الحكومة على السيطرة على الوضع المعيشي المتأزم، يعيش المواطن السوداني أوضاعا اقتصادية صعبة.
وهنا أصبح من الواضح أن المملكة السعودية والامارات استغلوا الفقر والمشاكل الاقتصادية التي يعاني منها السودان من أجل الضغط عليه وجره إلى حظيرة التطبيع.
تطبيع بشروط مذلة للسودان
تضمنت شروط التطبيع مع السودان والتي عددها 47 شرطاً، إمكانية أن يكون السودان وطناً بديلاً لتوطين الفلسطينيين، بالإضافة إلى السيطرة الأميركية في البحر الأحمر السوداني عن طريق جنوب السودان، إضافةً إلى منع السلطات السودانية من منح الشركات الصينية أي استثمار.
كما طالبت واشنطن بالإشراف على الموانئ والمياه الإقليمية السودانية بذريعة محاربة الإرهاب، وبتعديل المناهج التعليمية السودانية، إضافةً إلى تحويل السودان الى منفى لمن تطرده الإمارات والكيان الاسرائيلي وأمريكا.
السعودية والنفوذ إلى القارة السمراء!
تحاول السعودية أن تكسب مزيداً من النفوذ في القارة الأفريقية خلال السنوات الماضية، مستفيدة في ذلك من عدة عوامل، أولها الرمزية الدينية للمملكة، ودورها في تحديد حصص الدول في مواسم الحج والعمرة، وهو ما يساعدها في النفاذ إلى القارة السمراء ذات الأغلبية المسلمة. وثانيها الوعود الاقتصادية للسعودية والتي حاولت من خلالها إقناع بعض الدول في القارة الأفريقية بالمشاركة في التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب، كما قدمت الأموال الطائلة مقابل قطع عدد من الدول الأفريقية علاقاتها أو تحجيمها مع إيران على خلفية التوترات بين طهران والرياض، إلا أن السعودية لم تتمكن حتى الآن من تنفيذ هذه الوعود الاقتصادية وذلك بسبب المشاكل العديدة التي يعاني منها الاقتصاد السعودي وحتى الأموال التي أنفقتها حتى الآن في القارة السمراء كانت تثير حفيظة السعوديين الذين يشتكون من سياسة التقشف التي فرضها الأمير محمد بن سلمان في المجال الداخلي ولكنه يبعثر أموال المملكة يميناً وشمالاً إرضاءاً لأسياده في واشنطن وتل أبيب.