الوقت – يقول الكاتب الامريكي الشهير مايك ويتني في مقال له نشر مؤخرا ان هناك مواجهة غير معهودة في الشكل والمضمون تجري في سوريا الان بين روسيا من جهة وتركيا وامريكا من جهة اخرى رغم حرص موسكو على عدم الدخول في معركة عسكرية مع انقرة، فقد خرقت الطائرات الروسية لمرتين الاجواء التركية خلال الاسبوع الماضي وقدمت روسيا اعتذارا الى الاتراك و وعدت بعدم تكرار مثل هذا الامر في المستقبل قائلة ان هناك خطأ في حسابات الملاحة قد وقع، لكن يوم الاثنين الماضي اعلن الاتراك ان طائرة ميغ 29 مجهولة قد اقلفت راداراتها لمدة 4 دقائق ونصف على 8 طائرات اف 16 تركية كانوا يقومون بدورية على الحدود التركية السورية وهذا ما يحصل فقط عندما تريد طائرة اسقاط طائرة أخرى، وهكذا بدت ملامح الرسالة التي تريد موسكو ارسالها الى انقرة واضحة.
ويشرح ويتني قائلا : ان ما قامت به طائرة ميغ 29 كانت رسالة واضحة فهمها كافة الجنرالات الاتراك وهي ان روسيا تريد ان تكون الشرطية الوحيدة في المنطقة ولايمكن السماح لامريكا وتركيا باقامة منطقة لحظر الطيران داخل الاراضي السورية ولايمكن لتركيا ان تقوم بأية عمليات برية في داخل سوريا وان القوات الجوية الروسية هي التي تتولى الدفاع عن السيادة السورية.
وهكذا افشل فلاديمير بوتين في خطوة وقائية الخطة التركية لضم مناطق من شمال سوريا واعلان "منطقة حرة" وعلى الاتراك ان يدركوا الان ان اي عملية دخول الى الاراضي السورية والسيطرة عليها یواجه برد سريع وقاسي من الجانب الروسي ويجب القول ان بوتين رسم قواعد اللعبة في سوريا من جديد وعلى الاتراك ان يراعوا هذه القواعد وان لم يفعلوا فانهم سيتحملون العواقب ويمكن القول ان اردوغان لم يعد قادرا على فعل شيء الا البقاء في تركيا وشتم بوتين.
ورغم ان هيلاري كلينتون وجون ماكين لايزالا يدعوان لاقامة منطقة لحظر الطيران في داخل سوريا لكن واشنطن لاتنوي ذلك فلا بوتين يسمح بذلك ولا مجلس الامن الدولي واذا اراد اوباما ان يطلب أي شيء فعليه ان يجلس على طاولة المفاوضات مع الروس ويطلب عقد صفقة بكل هدوء لكن اوباما لم يقدم حتى الان على ذلك لأنه يتمسك بخيار اسقاط النظام السوري وهناك بوادر تظهر نية اوباما حيث كتبت صحيفة "الزمان" التركية عن رفع عدد الجنود الامريكيين في قاعدة انجرليك الامريكية في تركيا الى 2250 شخصا.
وقالت وكالة دوغان للانباء ان الامريكيين يبنون الان مدينة من الخيام في قاعدة انجرليك وهذا ما لم يحصل منذ عام 1991 عندما تم غزو العراق وهذا يدل ان الادارة الامريكية ماضية في خطتها لاسقاط النظام السوري ما يعني بأن الحرب في سوريا تتحول من حرب بالنيابة الى نزاع دولي.
من جهتها ذكرت صحيفة حريت التركية ان امريكا تريد استخدام مروحياتها الرابضة في قاعدة انجرليك في عمليات انقاذ محتملة للطيارين الذين يمكن ان تسقط طائراتهم فوق سوريا، وهذا يدل ان الادارة الامريكية لا تأبه للخطوة التي قام بوتين بها في سوريا فهدف واشنطن لايزال اسقاط النظام السوري.
وهناك ساسة ومنظرون امريكيون غاضبون من الخطوات التي يتخذها بوتين في سوريا ومن بين هؤلاء نجد "زيبغينيو برجينسكي" الذي اوجد المتطرفين الاسلاميين خدمة للمصالح الامريكية في العالم، وقد كتب برجينسكي في صحيفة فايننشال تايمز ان على امريكا ان تهدد روسيا بالانتقام اذا هاجمت روسيا الممتلكات والمصالح الامريكية في سوريا، لكن من الصعب ان يقبل المواطنون الامريكيون اي استدلال للمواجهة مع روسيا.
ان الممتلكات والمصالح الامريكية في سوريا والتي يتحدث عنها برجينسكي هم الارهابيون وان بوتين لايفرق بين "ارهابيين معتدلين" و"ارهابيين غير معتدلين" وهو قد اوضح في تصريحات ادلى بها مؤخرا ان هؤلاء مرتزقة يميلون الى اية جهة تدفع اموالا اكثر متسائلا عن الجهة التي اوجدت الارهابيين وتدفع لهم المال وتمدهم بالاسلحة.
ويضيف الكاتب ويتني : ان اوباما لايريد اندلاع مواجهة مع روسيا كما خططت لها السي اي ايه لأن روسيا جهة قادرة على الدفاع عن نفسها، ان اوباما يريد الان تهديد روسيا ويمكنه ان يعمل على خفض قيمة الروبل الروسي او التسبب بهبوط آخر لأسعار النفط لكنه لايريد ان يبدأ حربا مع روسيا وهذا الامر الذي يجب ان لايحصل.
ويجب القول ان هناك بصيص أمل لايزال موجودا ويعرفه الجميع وهو خارطة الطريق المتفق عليها في جنيف والدخول في مرحلة انتقالية في سوريا وبدء حوار يشترك فيه جميع الاطراف وتنظيم انتخابات حرة وعادلة وتعددية.
والآن يصر بوتين على اشراك الاسد في المرحلة الانتقالية في سوريا فيما يصر اوباما من جهته على رحيل الاسد ولكن يبدو ان بوتين مصر على الانتصار في هذه المواجهة وان الادارة الامريكية مجبرة على التراجع في النهاية وهكذا فشل الامريكيون في حروبهم بالنيابة واقترب بوتين خطوة اخرى نحو ارساء السلام والاستقرار في الشرق الاوسط.