الوقت- بينما وجَّه خروج ترامب من البيت الأبيض ضربةً قاسيةً لتطلعات المسؤولين الإسرائيليين المتشددين، وحتى بعض نظرائهم في الأنظمة العربية الرجعية في المنطقة، ومع تضاؤل الأجواء المتوترة في الخليج الفارسي مؤخراً في الأيام الأخيرة من رئاسة ترامب، أعلن الجنرال "أفيف كوخافي" رئيس أركان الجيش الإسرائيلي في کلمة تم تداولها على نطاق واسع، أنه أصدر التعليمات لقواته للاستعداد لاتخاذ إجراءات محتملة ضد إيران العام المقبل.
وقال كوخافي "أصدرت تعليماتي للجيش بالتحضير لعدد من الخطط العملياتية إضافة إلى تلك الموجودة بالفعل، ونحن نعمل على هذه البرامج وتوسيعها خلال العام المقبل. بالطبع القرار متروك للقادة السياسيين، لكن هذه الخطط مطروحة على الطاولة".
علی الرغم من أن تهديدات القادة الصهاينة بشأن عمل عسكري ضد إيران أو فصائل المقاومة تُطلق بين حين وآخر، لكن في ظل تصاعد هذه التهديدات في الأشهر الأخيرة، وخاصةً بعد الاغتيال الأعمى لعالم نووي إيراني بارز علی أيدي الصهاينة، وكذلك الغارات الجوية على مواقع فصائل المقاومة في سوريا، فإن إدراك إلى أي مدى سيواصل الصهاينة هذا النهج العدواني، وهل سيؤدي إلى دخول الکيان الإسرائيلي حرباً مباشرةً مع إيران ومحور المقاومة أم لا؟ فهو سؤال يفرضه الموقف الأخير لرئيس أركان الجيش الإسرائيلي؟
عند دراسة هذه القضية، يجب أولاً الانتباه إلى الأهداف المختلفة وراء تهديدات الکيان الصهيوني لإيران.
وضع نتنياهو الخطير
على الرغم من أن رئيس أرکان الجيش الصهيوني ومن خلال إعلانه أن القرار النهائي بيد السياسيين، يسعى لإظهار أن إعداد خطط عمل جديدة ضد إيران هو عمل مستقل من قبل نفسه والجيش، ولكن من المؤكد أن تزامن هذا الحدث مع الأزمة التي تشكلت في التطورات السياسية الداخلية بعد حل الكنيست(البرلمان الصهيوني) عدة مرات، ومساعي نتنياهو وخصومه للفوز في الانتخابات المقبلة، يشير إلى أن الاستهلاك الداخلي هو أحد الأهداف المهمة للتهديد الأخير.
حزب الليكود هو الآن في موقف صعب مع الانقسام الداخلي الذي نشأ بين الجبهة اليمينية والحزب نفسه، ولم يعد قادراً على تشكيل ائتلاف ثابت لتشكيل حكومة، والسبب الرئيس لهذه الأزمة هو نتنياهو نفسه.
وخلال العامين الماضيين، رکَّز نتنياهو كل طاقته وجهوده في الساحة السياسية للهروب من قضايا الفساد المختلفة والمثول أمام المحكمة. لكن الآن، مع سعي المزيد من المنافسين للإطاحة به من السلطة، حوَّل نتنياهو تركيزه إلى السياسة القديمة المتمثلة في إضفاء الطابع الأمني علی الأجواء، للتغطية على أوجه القصور الاقتصادية والفساد لدى نفسه والمقربين منه.
وفي الأسبوع الماضي، في ذكرى ما يسمی بالهولوكوست ومذبحة اليهود التي ارتكبتها ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية، حاول نتنياهو أن يجعل نفسه المنقذ والدرع لليهود ضد التهديد الإيراني، علی الرغم من أن إيران لم تتحدث أبدًا عن إبادة اليهود بصفتهم أتباعًا لإحدى الديانات السماوية الكبرى، وهذه كذبة واضحة تمامًا.
والآن بعد هذا التهديد، ولکي ينفخ رئيس أركان الجيش في هذا الجو، فهو يتحدث عن وضع خطط لعمليات عسكرية ضد إيران، وهو ما يصبّ بالكامل في مصلحة نتنياهو.
وبلغ وضوح مثل هذا السيناريو درجةً بحيث إن "غانتس" وزير الدفاع في الحكومة الائتلافية انتقد تصريحات رئيس أرکان الجيش، ومن خلال القول إن "أمن إسرائيل في خطر"، أراد حتى التشكيك في أداء نتنياهو وادعاءاته.
من ناحية أخرى، لا شك في أن الصهاينة، مع رحيل ترامب، قلقون للغاية من مستقبل فشل سياسة الضغط الأقصى، وكذلك عودة بايدن إلى الاتفاق النووي مع إيران، ومن الآن يريدون إدخال قضايا مثل القدرة الدفاعية الإيرانية والسياسة الإقليمية والبرنامج النووي في دبلوماسية واشنطن بشأن إيران.
کما يعتبر الصهاينة أن تهديد إيران هو أحد السبل لتحقيق هذا المطلب، مع اعتبار أنه في أي صراع مع إيران، ستضطر واشنطن للتدخل وتقديم الدعم العسكري لتل أبيب.
الخطط المحتملة.. محدودة وخطيرة
الآن، بالنظر إلى الأهداف التي يسعى إليها الصهاينة من التهديدات الأخيرة، من المهم النظر في طبيعة هذه الخطط وترتيبها وفق الأولوية تبعاً لعواقبها، وکذلك قدرات الطرفين وعلاقتهما بالأهداف المعلنة.
لقد أعلن الکيان الصهيوني مرارًا وتكرارًا عن هجوم مباشر على منشآت إيران النووية. من ناحية أخرى، فإن اغتيال العلماء النوويين وكذلك شخصيات عسكرية وسياسية إيرانية بارزة وقادة المقاومة(مثل السيد حسن نصر الله)، هو مخطط آخر قائم عند الصهاينة.
کما كانت الهجمات على قواعد وقوات المقاومة في سوريا وغزة ولبنان والعراق، على جدول أعمال الکيان الصهيوني في السنوات الأخيرة أيضًا.
والجانب الآخر من القضية، وخاصةً بعد تطبيع العلاقات مع جيران إيران الجنوبيين، هو بطبيعة الحال المحاولة لخلق تهديدات أمنية بالقرب من حدود إيران، باستخدام الجماعات والعناصر الإرهابية.
لكن في المقابل، لن يتردد الصهاينة في تنفيذ خطط ضد حليفهم الرئيس، أي الولايات المتحدة وبعض الدول العربية، لإحداث توتر مع إيران.
في غضون ذلك، ونظراً لأن القادة الصهاينة يدركون جيداً أن الدخول المباشر في الحرب مع إيران، سيكون نتيجةً حتميةً وخطيرةً لأي هجوم مباشر على المنشآت النووية، فإنهم لا يناورون علی ذلك، حتى ولو في الشعارات.
من جهة أخرى، لن يكون لبدء حرب جديدة مع فصائل المقاومة في لبنان وغزة أي تأثير على هذا الکيان، إلا إطلاق يد إيران للانتقام من مغامرات السنوات الأخيرة، ولا سيما اغتيال الشهيد "محسن فخري زاده".
لذلك، فإن أهم السيناريوهات الموجودة ستکون التخطيط لمزيد من عمليات الاغتيال والتخريب في إيران، ودعم الجماعات الإرهابية، واستمرار الهجمات على الأراضي السورية، وخلق توترات للتأثير على العلاقات الإيرانية العربية وسياسات البيت الأبيض.
وهکذا، فلا يوجد إجماع بين قادة الحكومة والجيش الإسرائيلي على درجة التحمُّل وضبط النفس ونوع الرد الإيراني.
وبناءً علی ما تقدم، فإن تعزيز الحزام الأمني لمحور المقاومة قرب حدود الكيان الصهيوني وتشديد الحصار عليه، وتسليح فصائل المقاومة بالجيل الجديد من المعدات العسكرية المتطورة وخاصةً الصواريخ والطائرات المسيرة، والرد المماثل على حدود الأراضي المحتلة، وتنفيذ العمليات من سوريا وغزة ضد الصهاينة، ليس سوى بعض الخيارات المتاحة لإيران للردّ بشکل أكثر صرامةً وحزماً، وکما قال المسؤولون العسكريون مرارًا وتكرارًا إن إصبع إيران على الزناد.