الوقت- بعد فترة من النزاع والتوتر والذي شهد فصلاً باردا وغير مسبوق في العلاقات التركية الأوروبية في عهد أردوغان، أرسل الجانبان عدة إشارات في الأسابيع الأخيرة الماضية بأنهما مستعدان لتخفيف وخفض هذه التوترات.
كان من المتوقع أن تتصاعد التوترات بين أنقرة وبروكسل في أوائل شهر يناير الحالي مع فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على تركيا، لكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعلن فجأة عن استعداده لفتح فصل جديد في العلاقات مع أوروبا. واشتد هذا الاتجاه في الأيام الأخيرة، حيث هنأ أردوغان ماكرون برسالة بمناسبة رأس السنة الميلادية، وبدوره قام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتوجيه رسالة إلى أردوغان ووصفه بـ "العزيز الطيب" وطلب لقاءه لتخفيف التوتر وإصلاح العلاقات بين البلدين.
وفي هذا الصدد، غادر وزير الخارجية الألماني هايكو موس متوجها إلى أنقرة يوم الاثنين الماضي لتشجيع تركيا على مواصلة خفض تصعيد العملية. وقال وزير الخارجية الألماني قبل الرحلة "أنا ذاهب إلى أنقرة اليوم لتشجيع نظيري مولود تشاووشو أوغلو على مواصلة وتعزيز هذا المسار البناء في الأسابيع الأخيرة في (تركيا)".
خلفيات تخفيض التوتر الثنائية
من الأسئلة المهمة التي تثار حول التغيير المفاجئ في أجواء العلاقات بين تركيا وأوروبا نحو تحسين العلاقات هي أسس تكوين مثل هذا الجو؟ والتي يمكن البحث فيها على كلا الجانبين.
من ناحية لا شك في أن الضغوط الاقتصادية المشتركة الأخيرة بين أوروبا وامريكا ضد أنقرة كانت أحد أهم العوامل في التحول السياسي لأردوغان. حيث فرض قادة الاتحاد الأوروبي في اجتماع عقد في بروكسل يوم 11 ديسمبر عقوبات على تركيا بسبب أفعال تركيا "غير القانونية والعدوانية" في البحر المتوسط ضد اليونان وقبرص، ولا سيما عمليات التنقيب عن الغاز في شرق البحر المتوسط. وبعد أيام قليلة من العقوبات الأوروبية، فرضت امريكا عقوبات على تركيا بسبب شرائها منظومة الدفاع الجوي الروسية إس -400.
وقد تم الاستشهاد بظهور هذه التوترات كأحد أسباب استمرار تراجع قيمة العملة التركية، حيث انخفضت الليرة التركية إلى 8 ليرات للدولار الواحد. حيث فقدت العملة التركية نحو 20 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار هذا العام.
ومن ناحية أخرى، فلدى الطرف المقابل أي الدول الأوروبية دوافع مثل: بيع البضائع والأسلحة إلى تركيا، وإبقاء تركيا في حلف الناتو، ومنع هذا البلد من الوقوع في أيدي روسيا، وخاصة التأكد من استمرار تركيا في منع تدفق اللاجئين والإرهابيين الى اوروبا واهذا سوف تتخذ أوروبا بعض الاجراءات لتحقيق خفض التصعيد مع تركيا.
اصطدام سفينة السلام بجبل الاختلافات الجليدي
في السنوات الأخيرة انخرط الاتحاد الأوروبي وتركيا في خلافات سياسية واقتصادية وجيوسياسية حول مختلف القضايا، حتى إن الرسالة الدافئة لقادة الجانبين لا تستطيع إذابة جبل الجليد لهذه الخلافات؛ والسؤال الحالي هو ما إذا كانت التحركات الدبلوماسية الأخيرة يمكن أن تقلل من مستوى الصراع وسد الفجوة؟ المنافسة في ليبيا مع فرنسا، الخلافات مع الدول الأوروبية حول قضايا مثل الأزمة السورية، العلاقات مع اليونان وقبرص، التنقيب عن الغاز في شرق البحر المتوسط، تورط تركيا في نزاع ناغورنو كاراباخ (بين أذربيجان وأرمينيا)، مواجهة أنقرة مع الإسلاموفوبيا في الدول الأوروبية، العلاقات والتعاون مع روسيا ومسألة حقوق الإنسان داخل حدود تركيا كانت من بين الأسباب الرئيسة لبرود العلاقات بين الجانبين.
لذلك، وبالنظر إلى هذا المستوى من الاختلافات في الرد على السؤال، يمكن القول إن العملية الدبلوماسية الأخيرة هي فقط نتيجة تحول كبير وتراجع لتركيا لكسر الجمود في السياسة الخارجية والخوف من الضغط المتضافر من أوروبا وامريكا في أعقاب دخول بايدن إلى البيت الأبيض، لذلك لا توجد رؤية واضحة لفهم مشترك للمصالح المشتركة في النزاعات، وستستمر كالنار تحت الرماد.
ويمكن ملاحظة ذلك في التصريحات والمواقف الخلافية للطرفين خلال نفس الفترة من الابتسامات الدبلوماسية والرغبة في تهدئة التوترات. حيث قال أردوغان ساخرا في 10 كانون الثاني (يناير): "لقد أظهرت العديد من الأحداث الأخيرة في أوروبا وامريكا مرة أخرى المعايير المزدوجة التي يتخذونها تجاه بلدنا".
وقال في هذا الصدد "نرى ان من يتهم تركيا بانتهاك الديمقراطية والحقوق والحريات، يتخذون أشد الاجراءات في مواجهة أول تهديدات تواجههم".
كما شكك في موقف الدول الأوروبية من القضية القبرصية في خطاب آخر يوم 23 ديسمبر. وقال: "بدلاً من التركيز على النماذج الفاشلة في قبرص، من الأفضل مناقشة بدائل حقيقية وجديدة".
وفي غضون ذلك، واصل وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو، في مؤتمر صحفي مع هايكو موس، اتهام اليونان بعرقلة محادثات الاستكشاف المقرر إجراؤها في وقت لاحق من هذا الشهر، قائلا: "إذا أصرت اليونان على عدم التعاون، فإن المسؤولية عن أي توتر بين البلدين ستكون على عاتق أثينا".
حتى ان طلب أردوغان الأخير من أوروبا للانضمام إلى الاتحاد، والذي يبدو أكثر صعوبة من أي وقت مضى على الرغم من المعارضة العنيدة من قبرص واليونان وألمانيا وفرنسا، لم يكن سوى رمي الكرة على الأراضي الأوروبية في مفاوضات مع أمل ضئيل في حل خلافاته.
وترى أوروبا ان سبب اقبال تركيا إلى طاولة المفاوضات هو الضغوط الاقتصادية الناجمة عن العقوبات الأخيرة ضد أنقرة، فضلاً عن مخاوف من تقارب بروكسل وواشنطن مع وصول بايدن إلى البيت الأبيض، وبالتالي فهي غير مستعدة لتقديم تنازلات كبيرة لتركيا في الحالات المتنازع عليها. وفي هذا الصدد، قال دبلوماسي أوروبي إن "تركيا خفضت نبرتها لأنها لا تستطيع زيادة التوترات مع امريكا وأوروبا في الوقت نفسه، وخاصة أن الاقتصاد التركي حاليا في وضع هش ومتزعزع للغاية".