لطالما كان وزير الخارجية الأمريكي بمثابة رجل الإطفاء لأي ثورة شعبية فلسطينية عبر حضوره إلى الأردن والتنسيق معها بإعتبار أنها تشرف على إدارة المسجد الأقصى، ومن ثم التنسيق مع السلطة الفسلطينية في رام الله لرفع "العتاب" بين عباس والكيان الإسرائيلي.
لا شك في أن نتنياهو الذي إستنجد ببعض أصدقائه العرب، يعوّل كثيراً على هذه الزيارة التي تأتي أُكُلها عادة، حيث يضغظ وزير الخارجية الأمريكي على عباس لمعاقبة المقاومين وزجّهم في السجون وسحب "أزلامه" من الشارع، ولكن هل سينحج كيري في الزيارة المقبلة؟ وما هي العقبات التي تعترضه؟
رجل الإنقاذ "الإسرائيلي"
لعل كلمة "رجل الإنقاذ" هو المعنى الوحيد الذي يليق بكيري في تعاطيه مع أي إنتفاضة فلسطينية، بإعتبار أن كل زيارة من زيارات العشر السابقة كان هدفها الوحيد إنقاذ الإسرائيلين والضغظ على الفلسطينيين. اليوم، لن يكن موقفه مختلفاً قيد أنمله حيث أدان كيري العمليات الفلسطينية ضد المستوطنين الصهاينة، من دون أن يتطرق إلى الإجراءات الإسرائيلية المرتكبة بحق الأقصى والشعب الفلسطيني، بل أعاد تكرار سمفونيته القديمة "المفاوضات" في رسالة ذات غايات داخلية وخارجية.
داخلياً، ومع إقتراب الإنتخابات الرئاسية، يعطي البيت الأبيض أهميّة خاصة للمفاوضات وتسوية الصراع مع الكيان الإسرائيلي حتى ينهي الرئيس أوباما ولايته الحالية بـ"إنجاز إستراتيجي" يسمح له التأثير على الإنتخابات القادمة، ويرفع من حظوظه في الإنتخابات اللاحقة. وأما خارجياً، لا تختلف غاياته عن السابق بل يريد تهدئة روع الفلسطينيين معتقداً أن الحديث مع عباس سيؤدي إلى نزع فتيل الإنتفاضة، وعودة الناس إلى بيوتهم، ولكن ما هي العقبات التي تعترض زيارة "رجل الإنقاذ" كيري؟
عقبات الزيارة
هناك عدّة عقبات تعترض زيارة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، حيث من المتوقع أن تقتصر هذه الزيارة على الشكليات، وأبرز هذه العقبات:
أولاً: سوف يتوجّه كيري في هذه الزيارة إلى العنوان الخطأ، أي السلطة الفلسطينية التي يترأسها محمود عباس. يظهر جلياً منذ إندلاع إنتفاضة الكرامة أن السلطة والعديد من الفصائل الفلسطينية الآخرى ليس لها علاقة بما يجري في القدس، لا بل على العكس يرى شبّان هذه الإنتفاضة أن السلطة تآمرت على قضيتهم طوال عشرين عام.
ثانياً: وصول كافّة الشبان، ومعهم أغلب أبناء الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية، إلى نتيجة واحدة عنوانها "بلغ السيل الزبى". في الحقيقة، عندما نشاهد العمليات الإستشهادية البطولية لهولاء، نذعن بأن أي إعتداء على الأقصى أو الشعب سيواجه بعمليات مماثلة ربّما تتطور في الأيام القادمة مع تنامي الإعتداءات الإسرائيلية.
ثالثاً: إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على المضي قدماً بمشروع التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى، بغية تغيير الأوضاع القائمة في مدية القدس من ناحية، وكسر العزلة الدولية عبر بعض التنازلات "الطفيفية" التي سيقدّمها بعد تحقيق أهدافه من ناحية آخرى. وبالفعل قد إستفاد نتنياهو من أوضاع المنطقة وإنشغال الدول العربية بأوضاعها الداخلية، فضلاً عن التوطئ الواضح للعديد من الدول الإقليمية مع الكيان الإسرائيلي.
رابعاً: عدم إقتناع حكومة نتنياهو بمشروع كيري في تقليص الفجوة مع الفسلطينيين، حيث شهدت وسائل الإعلام الإسرائيلية موجة من السخرية على وزير الخارجية الأمريكي في الفترة السابقة. إن التعنت الإسرائيلي يصعّب أيضاً من مهمّة كيري الذي يسعى لتأمين مصالحة تل أبيب ولكن بطريقة سلسة مما يدفعة لإنشاد بعض التصريحات الهادفة لإخماد الإنتفاضة. فعلى سبيل المثال، عندما إتهم كيري قوات الاحتلال باستخدام "القوة المفرطة" ضد المتظاهرين الفلسطينيين، سارع ما يمسى بوزير الامن الداخلي في حكومة الكيان الإسرائيلي "جلعاد اردان"، إلى إتهام الادارة الأمريكية بالنفاق.
تشير الظروف إلى فشل زيارة كيري قبل حصولها، ولكن ما نخشاه في ظل الصمت الدولي، والغياب العربي وتوطئ السلطة الفلسطينية أن يتمّ الضغظ على هؤلاء عبر عمليات إجرامية لتضعيف موقفهم الفسلطيني، إلا أن إصرار الكيان الإسرائيلي على إنتهاك الأقصى، وإقنتاع المقاومين الخارجين عن تأثير السلطة بأحقية قضيّتهم ومقاومتهم تبعث الأمل في قلوب العرب والمسلمين.