الوقت- وصلت أمواج تسونامي الانتخابات الأمريكية إلى جزيرة ترامب الآمنة على وسائل التواصل الاجتماعي، فقد قوبل قرار تويتر بإغلاق الحساب الشخصي للرئيس الأمريكي بشكل دائم قبل مغادرته البيت الأبيض بردود فعل واسعة وأثارت كثيراً من الجدل حول سياسة وسائل التواصل الاجتماعي الأمريكية المزدوجة بشأن حرية التعبير والحياد والرقابة في الفضاء الإلكتروني.
موقع تويتر الذي أسسه جاك دروسي وزملاؤه عام 2006 ، استخدمه ترامب كأداة اتصال رئيسة خلال حملتي 2016 و 2020 الانتخابية، والإعلان عن سياسات وآراء الرئيس الأمريكي طوال السنوات الأربع الماضية. ومع ذلك، حذف تويتر خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة المثيرة للجدل، رسائل ترامب عدة مرات وأعلن أنها "مغايرة للحقائق" أو تنتهك بروتوكولات هذه الشبكة الاجتماعية، إلى أن استولى مؤيدو ترامب الغاضبون على الكونجرس يوم الجمعة حيث قرر تويتر اغلاق حسابه نهائيا بسبب ما أسماه "منع انتشار المزيد من العنف".
ومنذ ذلك الحين، أغلق موقع تويتر حسابات بعض الشخصيات المقربة من ترامب ، مثل مستشار الأمن القومي السابق للبيت الأبيض مايك فلين والآلاف من أنصار ترامب. وأثارت الاحتجاجات ضد هذه الخطوة عاصفة على تويتر مع هاشتاغ "نحن صوت ترامب" الذي تحول إلى "ترند اليوم" على شبكة التواصل الاجتماعي.
كما دفعت تصرفات تويتر ترامب ، الذي اعترض سابقا على أحكام قانون الحصانة على الإنترنت للاحتجاج على نقص الشفافية، إلى استخدام حساب الرئيس على تويتر لاتهام الشبكة بالتعاون مع الديمقراطيين في حظر حرية التعبير واسكات صوت 75 مليون مؤيد.
لكن بغض النظر عن الجدل الداخلي حول اغلاق حسابات ترامب وأنصاره، إن ما لفت انتباه المراقبين الدوليين أكثر من هذا، هو قوة الشبكات الاجتماعية في عالم اليوم واتضاح القوة الخفية وراء أنشطة هذه الشبكات.
القوة المتنامية للشبكات الاجتماعية في العالم
أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي اليوم ربان سفينة الإعلام في محيط الإنترنت الهادر المضطرب في عصر المعلومات والاتصالات والقرية العالمية الواحدة، حيث تلعب الشبكات القائمة على تقنية الويب2 مع الاشتراكية الافتراضية دورا رئيساً في معادلات الوسائط العالمية. بالإضافة إلى إمكانيات الشبكات الافتراضية، تتيح هذه الوسائط الاستخدام السريع للفرص المتنوعة في مساحة الإنترنت ، بما في ذلك البحث عن الأخبار والصور ومقاطع الفيديو وقراءتها ومشاركتها ، وكتابة آراء غير خاضعة للرقابة ، والمراقبة والعضوية في مجموعات مختلفة ، مما أدى إلى اقبال مستخدمي الإنترنت على الشبكات الاجتماعية.
ومع تطور التكنولوجيا واتساع استخدام الهواتف الذكية في جميع أنحاء العالم ، نمت شعبية وسائل التواصل الاجتماعي لدرجة أن وسائل الإعلام التقليدية مثل شبكات التلفزيون والصحف وحتى السياسيين اضطروا للتحرك في هذا الاتجاه وتكييف شكل الاعلام وفق أسلوب وشكل الشبكات الاجتماعية.
إن معظم الآراء تجاه الشبكات الاجتماعية الرئيسية مثل فيسبوك وتويتر كان تتحدث عنها كأداة مهمة للقوة في مجتمع اليوم، لكن الأحداث الأخيرة في أمريكا أظهرت جيدا أن هذه الشبكات الاجتماعية ليست مجرد أداة في أيدي السياسيين بل هي نفسها مشغولة بالتأثير في مسار التطورات.
كما ان الطبيعة الفعالة لوسائل التواصل الاجتماعي تُذكر على أنها قوة ناعمة. فالقوة الناعمة ليست دعاية سياسية بل تشمل الخطاب العقلاني والقيم العامة. في الواقع، لم تعد أدوات الاتصال هذه في عالم اليوم تفكر في نقل الواقع بل تخلق الحقائق. بمعنى آخر، تنقل الشبكات الاجتماعية العوالم العقلية وغير الواقعية إلى العالم.
المعايير المزدوجة الأمريكية
لكن هناك قضية أخرى تستحق التفكير وراء حجب صفحات ترامب وأنصاره على تويتر بسبب الأكاذيب في الغالب حول نتائج الانتخابات والدعوات إلى الاضطرابات ، وهي المعايير المزدوجة للنظام السياسي والإداري الأمريكي في مواجهة أحداث مماثلة في دول أخرى، خاصة الدولة المنافسة.
حيث تنتقد أمريكا منافسيها الدوليين، وتدافع عن كل التيارات المعارضة لهذه الأنظمة، حتى الجماعات الإرهابية، وجميع الحركات المزعزعة للاستقرار، بما في ذلك العنف ضد الأمن العام والممتلكات، وحياة المواطنين العاديين بحجة الحفاظ على حرية التعبير. وتعتبر اجراءات الحكومات في مواجهة أعمال الشغب والأعمال الإرهابية مغايرة لمعايير حقوق الإنسان.
في ظل هذه الظروف، يُرى ان حساسية الحفاظ على النظام العام والأمن هو أمر جاد للغاية بالنسبة للنظام الأمريكي لدرجة أن حظر حرية التعبير ليس ضد المعارضين المناهضين للرأسمالية والصهيونية، بل خوفاً من استمرار احتجاجات ترامب المؤيدة للحكومة وإمكانية إغراق البلاد في الاضطرابات وحدوث حرب أهلية ، سيشمل الرئيس الحالي و 75 مليون داعم له.
من جهة أخرى، فإن الشبكات الاجتماعية الأمريكية هذه لها دور جاد في الشؤون الدولية من خلال وضع معايير مصطنعة في الحرب الإعلامية الناعمة مع محور المقاومة. فخلال الأسابيع القليلة الماضية، تم على الفور حجب صفحات فيسبوك التي نشرت صورا ومنشورات عن الجنرال سليماني، الرجل الأول في محاربة الإرهاب، بينما يعمل أنصار داعش والقاعدة والجماعات الإرهابية الأخرى بحرية ودون أي ازعاج.