الوقت- أعاد البرلمان الأوروبي فتح النار على مصر واعادة ملف انتهاكات حقوق الإنسان في هذا البلد إلى الواجهة مرة أخرى بتبنّيه قراراً يدعو دول الاتحاد إلى اتخاذ إجراءات حازمة للضغط على الحكومة المصرية لوقف الانتهاكات المتراكمة.
البرلمان الأوروبي يطالب بإجراءات حازمة تجاه مصر وملفها الحقوقي
صوت أعضاء البرلمان الأوروبي، الجمعة، بالأغلبية على مشروع قرار يطالب باتخاذ إجراءات وتدابير "حازمة" تجاه مصر على خلفية "الانتهاكات الواسعة التي ترتكبها الحكومة المصرية في ملف حقوق الإنسان وحرية التعبير".
وصوّت الأعضاء بأغلبية 434 عبر البريد الإلكتروني على مشروع القرار الذي جاء، وفق بيان البرلمان الأوروبي، بالتزامن مع "تصاعد الحملة القمعية بحق المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين والأكاديميين والمحامين والأطباء".
وذكر البرلمان أن واحدة من أبرز هذه الانتهاكات الأخيرة كانت إلقاء القبض على 3 مسؤولين في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.
ودعا أعضاء البرلمان الأوروبي في قرارهم إلى إجراء مراجعة عميقة وشاملة لعلاقات الاتحاد الأوروبي مع مصر، على خلفية وضع حقوق الإنسان.
وشمل نص القرار أن وضع حقوق الإنسان في مصر "يتطلب إعادة النظر في الدعم المادي والتنموي المقدم من قبل دول الاتحاد إلى مصر".
وطالب البرلمان الأوروبي دول الاتحاد بـ"اتخاذ تدابير تقييدية ذات مغزى ضد المسؤولين المصريين رفيعي المستوى المسؤولين عن أخطر الانتهاكات في مصر".
كما شدد على ضرورة استمرار الضغط بهذا الشأن، من أجل أن تمتثل مصر لمبادئ حقوق الإنسان ومساءلة المتهمين في الانتهاكات، وعدم استمرار سياسة الإفلات من العقاب.
وفي السياق، دعا البرلمان الأوروبي السلطات المصرية إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين تعسفياً، والمحكوم عليهم بسبب عملهم المشروع ونضالهم السلمي في مجال حقوق الإنسان.
كما حث السلطات المصرية على التعاون مع نظيرتها الإيطالية في التحقيقات الخاصة بقضية خطف وتعذيب ومقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني عام 2016، إضافة إلى التعاون في التحقيقات الخاصة بواقعة وفاة مدرس اللغة الفرنسية إريك لانج في سجنه في 2013.
قضية ريجيني
في بداية 2016 لقي طالب الدراسات العليا الإيطالي جوليو ريجيني مصرعه في القاهرة. أظهر فحص الطب الشرعي تعرضه للتعذيب قبل موته.
واختفى ريجيني (28 عاماً) في القاهرة في الذكرى الخامسة لثورة 25 كانون الثاني التي أنهت حكم الرئيس الراحل حسني مبارك عام 2011. وكان يقوم ببحث أكاديمي عن النقابات العمالية المستقلة في مصر. واشتبهت السلطات المصرية بأنه يريد أن يشعل انتفاضة، وكذلك بأنه كان يعمل لمصلحة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أو الموساد الإسرائيلي.
ووفق المعلومات المتوافرة تم اختطافه من قبل أربعة عاملين في القوى الأمنية المصرية، وعُثر على جثة ريجيني في الثالث من شباط 2016 وأظهر فحص الطب الشرعي أنه تعرض للتعذيب قبل موته.
ايطاليا تطلب من الاتحاد الأوروبي الضغط على القاهرة لتسليم المتهمين بقتل ريجيني
مؤخراً قال وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو إن بلاده ستطلب من الدول الأوروبية "اتخاذ موقف موحد من أجل كشف الحقيقة بشأن مقتل (الطالب جوليو) ريجيني" في العاصمة المصرية قبل 4 أعوام.
وأضاف دي مايو، في أول تعليق له على نتائج التحقيق التي أعلنتها النيابة الإيطالية في العاشر من كانون الأول الجاري، أن الأمر سيتطلب تعاوناً للضغط على السلطات المصرية لكشف عناوين المتهمين وتسليمهم للمحاكمة أمام القضاء الإيطالي.
وأكد أن وزارته ستتخذ خلال الساعات القليلة القادمة سلسلة من المبادرات الهادفة إلى حث الاتحاد الأوروبي على الاهتمام بقضية ريجيني كقضية أوروبية، مشددا على أن مواطنه تعرض لتعذيب مروع قبل وفاته.
وكانت النيابة الإيطالية أعلنت الخميس الماضي اشتباهها في 4 عناصر من الأمن المصري، بينهم ضابط بالمخابرات العامة، في قضية اختفاء ومقتل الباحث الإيطالي بالقاهرة عام 2016.
مدرس اللغة الفرنسية إريك لانغ
كان مدرس اللغة الفرنسية إريك لانغ (49 عاما)، مقيما في القاهرة حين تم اعتقاله في أيلول2013، لعدم التزامه بحظر التجوال، ولم يكن بحوزته جواز سفره، فاقتيد إلى قسم شرطة قصر النيل، وفي اليوم التالي برأه القضاء من أي تهمة وأمر بإخلاء سبيله، ولكنه ظل قيد الاحتجاز حتى 13 من أيلول الماضي.
وتفيد الرواية الرسمية بأنه قتل داخل قسم الشرطة، عندما اعتدى عليه 6 سجناء داخل غرفة الحجز.
يشار أن البرلمان الأوربي كرر في القرار الذي تبناه مؤخراً دعوته التي أطلقها في آب 2013، من أجل وقف تراخيص بيع الأسلحة إلى مصر، وغيرها من المعدات الأمنية وكاميرات المراقبة التي يمكن ان تسهل الهجمات ضد الناشطين الحقوقيين.
خلفية القرار الأوروبي
هذه ليست المرة الأولى التي يناقش فيها البرلمان الأوروبي انتهاكات حقوق الإنسان في مصر منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الأمور منذ أكثر ست سنوات، لكنها المرة الأولى التي تتخذ فيها أعلى سلطة تشريعية في القارة العجوز قراراً شاملاً بشأن الملف الحقوقي في مصر ويصدر من خلاله توصيات محددة.
فقد دعا الأعضاء في قرارهم إلى إجراء مراجعة عميقة وشاملة لعلاقات الاتحاد الأوروبي مع مصر على خلفية وضع حقوق الإنسان، كما أشاروا إلى ضرورة عدم منح أي من الدول الأعضاء في الاتحاد جوائز إلى القادة المسؤولين عن الانتهاكات الحقوقية في مصر.
وأثناء المناقشات التي سبقت التصويت، وجه الأعضاء انتقادات عنيفة لقرار السلطات الفرنسية مؤخراً منح الرئيس المصري وسام "جوقة الشرف الفرنسي".
النواب المصري يرد: القرار الأوروبي يعبر عن أهداف مسيسة
أصدر مجلس النواب المصري، بيانا رد فيه على قرار الاتحاد الأوروبي بشأن ملف حقوق الإنسان، واصفا إياه بأنه "تضمن العديد من المغالطات المغايرة للواقع المصري"، وبأنه "مسيس وغير مقبول".
وجاء في البيان، أن "مجلس النواب المصري تابع باستياء بالغ ما تضمنه القرار الصادر عن البرلمان الأوروبي بشأن حالة حقوق الإنسان في مصر، والذي تضمن العديد من المغالطات المغايرة للواقع والداخل المصري".
وأضاف: "قرار البرلمان الأوروبي غير مقبول ولا يلائم الشراكة الاستراتيجية المصرية – الأوروبية"، مؤكدا "رفض مجلس النواب للقرار الأوروبي، جملة وتفصيلا".
ووصف البيان القرار الأوروبي بأنه "يعبر عن أهداف مسيسة، ونهج غير متوازن".
وطالب مجلس النواب المصري في بيانه، البرلمان الأوروبي، بـ"عدم تنصيب نفسه وصيا على مصر، والنأي عن تسييس قضايا حقوق الإنسان لخدمة أغراض سياسية أو انتخابية، والنظر بموضوعية لواقع الأمور في مصر، والابتعاد عن ازدواجية المعايير".
وأبدى "المجلس اندهاشه من قرار البرلمان الأوروبي على الإجراءات القضائية المصرية، والحكم عليها في حين أن الفصل بين السلطات، وعدم التدخل في أعمال السلطة القضائية، من صميم دولة القانون".
سرعة رد البرلمان المصري
علق ناشط حقوقي مصري على بيان مجلس النواب المصري، طالباً عدم الكشف عن اسمه خوفاً من الملاحقة الأمنية قائلاً: "سرعة الرد من جانب النظام المصري تكشف عن حالة القلق التي يعيشها النظام حالياً، فهم ليسوا متأكدين من مدى جدية الإدارة الأمريكية الجديدة في رهن علاقات واشنطن والقاهرة بملف حقوق الإنسان، لكن المؤكد حتى الآن هو أن تعامل بايدن سيكون مختلفاً عن تعامل ترامب، لذلك لا يريدون ترك القرار الأوروبي دون رد من جانبهم".
وأضاف إن النقطة الثانية تتعلق بصياغة الرد المصري من حيث ذكر التطرق لقضية الهجرة غير الشرعية ومكافحة الإرهاب "فهذه رسالة واضحة تقول للأوروبيين أن النظام المصري ربما يترك باب الهجرة غير الشرعية مفتوحاً على مصراعيه إذا لم يتوقف الأوروبيين عن ممارسة الضغوط في ملف حقوق الإنسان".
وتوقع الناشط الحقوقي أن النظام المصري ربما يتراجع قليلاً في الملف الحقوقي ولو من خلال إجراءات شكلية، مستشهداً بتصريح رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي الأخير بأن "الرئيس السيسي وجه الحكومة بالتحول نحو جعل مصر دولة مدنية ديمقراطية"، مستدركاً أن "النظام الحالي لا يمكنه إرخاء قبضته الأمنية وإطلاق سراح المعتقلين والسماح بحرية تعبير حقيقية لأن ذلك معناه ببساطة نهاية هذا النظام بسبب عمق الاستياء الشعبي والمجتمعي من طريقة إدارة البلاد واستشراء الفساد والاستبداد بصورة تخطت ما كان عليه نظام مبارك بأضعاف مضاعفة".
وذهب البعض الى القول إن الصورة الأكبر وراء تحرك البرلمان الأوروبي في ملف انتهاكات حقوق الإنسان في مصر الآن مرتبط بأكثر من عنصر؛ الأول قضية ريجيني التي وصلت إلى طريق مسدود مؤخراً بعد أن قررت النيابة العامة المصرية حفظ ملف القضية وتقييدها ضد مجهول، على عكس قرار النيابة الإيطالية التي توصلت إلى استنتاجات تشير إلى ضلوع أجهزة الأمن المصرية في اختطاف وتعذيب وقتل الباحث الإيطالي وتوصلها إلى قائمة بالمشتبه فيهم.
فعلى الرغم من تاريخ جريمة اعتقال وتعذيب وقتل ريجيني ترجع إلى أواخر يناير وأوائل فبراير 2016، إلا أن وصول قطار التحقيقات إلى محطته النهائية -من الجانب المصري- قد ساهم في وجود شهادات من الجانب الإيطالي تكشف أن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر ليست تصرفات فردية يقوم بها بعض أفراد أجهزة الأمن لكنها سياسة تؤكدها محاولات "التضليل والتعطيل"، كما جاء في نص القرار الأوروبي.
العنصر الثاني في الصورة الأكبر خلف القرار يتعلق بنتائج الانتخابات الأمريكية وخسارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لصالح جو بايدن؛ فترامب على مدى السنوات الأربعة الماضية كان داعماً قوياً للرئيس المصري الذي سماه ترامب "ديكتاتوري المفضل"، ولم تكن حقوق الإنسان على أجندة الرئيس الأمريكي من الأساس وهو ما كان يعطي نوعاً من الحماية ليس فقط للرئيس المصري ولكن أيضاً لباقي أصدقاء ترامب في الدول العربية.
وبالتالي يمكن القول إن قرار البرلمان الأوروبي رصد كثيراً من انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، وصولاً إلى أحدثها وهو إلقاء القبض على 3 مسؤولين في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، رغم الإفراج عنهم مؤخراً، فيما يمكن وصفه بأن القرار رسالة إلى الحكومة المصرية بأنه قد فاض الكيل ولم يعد ممكناً التغاضي عن تلك الانتهاكات.